ميركل تنجح في لمّ شمل الاتحاد الأوروبي في آخر قمة تترأسها بلادها خلال عهدها

11 ديسمبر 2020
تمكنت ميركل من التوصل إلى حلول وسط بشأن القضايا الملحّة (Getty)
+ الخط -

بعدما أرهقت المشاكل والاختلافات في وجهات النظر الرئاسة الألمانية الدورية للاتحاد الأوروبي، التي ستنتهي نهاية العام 2020، ولن تسعفها في أن تسير بمخططاتها كما يجب بغياب الحلول الناجعة، تمكنت المستشارة أنجيلا ميركل، خلال القمة التي انعقدت أمس الخميس واليوم الجمعة، من إحداث اختراق جدي أفضى إلى إعادة ترتيب البيت الداخلي الأوروبي في قمة سيذكرها التاريخ لها، وقطعت الطريق على كل المعارضين للاتحاد الذين يتربصون لتوجيه نيرانهم إلى الفشل الأوروبي.

المشهد الموحد ليل أمس، لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة محادثات حثيثة حتى اللحظات الأخيرة خاضها المسؤولون الألمان، بينهم السفير الألماني لدى الاتحاد الأوروبي مايكل كلاوس، لمعالجة المخاوف ورأب الصدع الأوروبي، رغم أن ميركل كانت قد سلمت مبدئيا، يوم الأربعاء الماضي، أمام البوندستاغ، عندما قالت إن هناك "الكثير مما لا يمكن تنفيذه، وهذا عار" .

المستشارة بدت اليوم، ومع انتهاء القمة، راضية عن النتائج وأشادت بالقرارات التي تم التوافق عليها، وبشكل خاص حماية المناخ والميزانية. وبعد أسابيع من الخلاف مع المجر وبولندا، تم التوصل بفعل وساطة قامت بها الرئاسة الألمانية إلى حل وسط بشأن آلية سيادة القانون، ووافقت كافة الدول على الميزانية الجديدة للاتحاد الأوروبي للسنوات السبع المقبلة، والبالغة 1.8 تريليون يورو، بينها 750 مليار يورو كمساعدات لحزمة الإنعاش للحد من أزمة كورونا على الاقتصاد، وذلك بعد أن منعت ميركل الفيتو القائم من قبل وارسو وبودابست.

تم التوصل بفعل وساطة قامت بها الرئاسة الألمانية إلى حل وسط بشأن آلية سيادة القانون، ووافقت كافة الدول على الميزانية الجديدة للاتحاد الأوروبي للسنوات السبع المقبلة

ومن المعلوم أن دولا مثل إسبانيا وإيطاليا والبرتغال وفرنسا كانت تتحضر لاتخاذ موقف، في حال فشل الاتفاق، فهي لديها مشكلة ديون وتعتمد على المساعدات، فضلا عن أن المفوضية الأوروبية ستكون مقيدة بوجود صندوق مساعدات فارغ، ومن ثم كيف لها العمل لإعادة تحفيز الاقتصاد بعد جائحة كورونا؟ من هنا تكون المستشارة استطاعت إعادة لمّ شمل دول شرق وجنوب أوروبا، بعد أن كانت أمام انقسام وشيك، ولم تعد أموال الضرائب في الاتحاد الأوروبي متاحة إلا في ظل شروط صارمة. ولم تكن الخطوة، وفق ما ذكرته "إيه آردي"، بشأن ربط مدفوعات دافعي الضرائب بسيادة القانون وحسب، عملا بفكرة ميركل؛ بل لإضفاء الشرعية على آلية سيادة القانون مسبقا من قبل محكمة العدل الأوروبية، ولم يعد الآن بإمكان رئيس المجر، فيكتور أوربان، وشركائه، كسب الوقت والاستمرار في ملء جيوب ساسته بأموال الاتحاد الأوروبي حتى الانتخابات القادمة.

وفي السياق، تفيد التقارير بأن التسوية قضت بأن تتدخل محكمة العدل الأوروبية أولا قبل التمكن من المضي قدما في أي إجراءات ضد دولة عضو في الاتحاد، وهذا أفضى إلى ليونة في موقف وارسو وبودابست، بعد منعهما آلية رصد سيادة القانون قبل إنفاق الأموال خلال قمة نوفمبر/تشرين الثاني، علما أن ثمة اتهامات تساق بحقهما بانتهاك المعاهدات الأوروبية في ما خص الحريات والديمقراطية وسيادة القانون، وهما تزعمان بأن فرض هذه القوانين يشكل خرقا لاستقلالية بلديهما، في حين أن الأمر قد يشكل تغييرا في الآلية ولا يلغيها.

وبالإضافة إلى الميزانية الجديدة، وافقت الدول الأعضاء على مزيد من العقوبات حتى نهاية يوليو/تموز 2021 على روسيا، مع غياب أي تقدم في تنفيذ اتفاقية مينسك للسلام في أوكرانيا.

أما العقوبات على تركيا، بسبب قضية الغاز في شرق المتوسط، وانتهاكات حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا، فجاءت ضمن ضوابط بفعل دبلوماسية ميركل، ولن تؤثر إلا على أفراد وشركات ضالعين في التنقيب، وتشمل حظر الدخول إلى دول الاتحاد وتجميد التصرف بممتلكاتهم، وليس كما طرحت دول على خلاف مع أنقرة بأن تطاول الاقتصاد التركي، أو حظر الأسلحة.

 وتم تكليف منسق السياسة الخارجية في الاتحاد، جوزيف بوريل، بوضع تقرير حتى مارس/آذار 2021 عن الوضع في شرق المتوسط والعلاقات السياسية والاقتصادية بين الاتحاد وتركيا، على أن يصار إلى اتخاذ عقوبات إضافية إذا واصلت تركيا أعمالها. هذا في وقت كانت تطالب فرنسا بمسار صعب وبعقوبات مؤلمة على تركيا، وهي التي كانت في العام 2019 فرضت عقوبات على مديرين تنفيذيين لشركة طاقة تركية، وكذا تعليق المفاوضات بشأن اتفاقية النقل الجوي، إلا أن ذلك لم يكن ذا أثر عملي.

إلى ذلك، فإن ميركل استطاعت دفع المخطط الأوروبي لخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 55% على الأقل بحلول العام 2030 إلى الأمام، بعدما كان الهدف حتى الآن 40%، علما أن هناك دولا تعتمد على الطاقة باستخدام الفحم، ومتشككة في الموضوع، وكان يُتوقع لجوؤها إلى حق النقض في بروكسل، ومنها بولندا التي تريد المزيد من الوضوح حول ما يعنيه ذلك لهم اقتصاديا، وطالبت بمزيد من الدعم المالي من ميزانية الاتحاد الأوروبي لإعادة هيكلة قطاع الطاقة لديها، وصار الاتفاق أن يتم استخدام 30% من أموال حزمة كورونا على الأقل لتنفيذ أهداف المناخ.

في المقابل، لم تتمكن الرئاسة الألمانية للاتحاد الأوروبي من إحراز أي تقدم في ملف الهجرة واللجوء، لا سيما وأن المفوضية اقترحت تغيير قواعد إجراءات توزيع اللاجئين والتي لم تناقشها الدول الأعضاء قبل القمة، إذ يبدو أن اهتمام الدول التي تنظم اجتماعاتها بشكل عام عبر الفيديو، بعد أن منع الوباء الاجتماعات المباشرة، ينصب على إدارة أزماتها الداخلية الراهنة أكثر مما تفكّر في مستقبل الاتحاد، حتى أن تبني سياسة موحدة تجاه أفريقيا أو الصين كان غائبًا عن المناقشات، وسط حديث عن إمكانية ترتيب العلاقات عبر الأطلسي بعد فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن، وسعي الرئيس الفرنسي ماكرون لتحقيق استقلال واسع النطاق لأوروبا ذات سيادة.

وفي ما خص "بريكست"، لا تزال ألمانيا والمفوضية الأوروبية تعانيان في التفاوض مع بريطانيا حول الاتفاقيات التجارية مع المملكة المتحدة، إذ أعلنت رئيسة المفوضية أخيرا أن هناك صعوبة في التوصل إلى اتفاق قبل نهاية العام.

وفي ملف كورونا، تواصل ألمانيا جاهدة مع باقي الدول الأوروبية العمل لمكافحة الوباء، وهناك توجه للتنسيق وتخفيف قيود السفر العادي، عدا عن العمل على توصيات بشأن الاستخدام والاعتراف المتبادل بالاختبارات وتطوير سجل التلقيح بشكل مشترك.

المساهمون