عبّرت السفارة الروسية لدى لبنان، اليوم الجمعة، عن "دهشتها" من بيان وزارة الخارجية اللبنانية، الذي "أدانت فيه اجتياح الأراضي الأوكرانية ودعت روسيا إلى وقف العمليات العسكرية فوراً وسحب قواتها منها"، معتبرة أن الخارجية اللبنانية "خالفت سياسة النأي بالنفس واتخذت طرفاً ضد طرف آخر في هذه الأحداث".
وحرصت السفارة الروسية، في بيان أصدرته مساء اليوم الجمعة، على التذكير في معرض ردّها و"رسائلها" بأن "روسيا لم توفر جهداً في المساهمة بنهوض واستقرار الجمهورية اللبنانية".
وأوضحت أن "روسيا لم تشن حرباً، بل هي عملية خاصة تهدف إلى حماية مواطنين روس وبناء على طلب جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك بعد اعتراف الرئيس فلاديمير بوتين باستقلالهما".
البيان الرسمي
— Russian Embassy in Lebanon (@rusembleb) February 25, 2022
في 24 شباط أصدرت وزارة الخارجية والمغتربين للجمهورية اللبنانية بيانا أدانت فيه ما وصفته "اجتياح الأراضي الأوكرانية"، ودعت روسيا الى "وقف العمليات العسكرية فورا وسحب قواتها منها والعودة إلى منطق الحوار والتفاوض كوسيلة أمثل لحل النزاع ".
وأدانت وزارة الخارجية اللبنانية في بيانٍ، أمس الخميس، اجتياح الأراضي الأوكرانية، داعيةً روسيا إلى وقف العمليات العسكرية فوراً وسحب قواتها والعودة إلى منطق الحوار والتفاوض كوسيلةٍ أمثل لحلّ النزاع القائم بما يحفظ سيادة وأمن وهواجس الطرفين.
٣)فإنّ لبنان يدين اجتياح الأراضي الأوكرانية ويدعو روسيا إلى وقف العمليات العسكرية فوراً وسحب قواتها منها والعودة إلى منطق الحوار والتفاوض كوسيلة أمثل لحلّ النزاع القائم بما يحفظ سيادة وأمن وهواجس الطرفين ويسهم في تجنيب شعبي البلدين والقارّة الأوروبية والعالم مآسي الحروب ولوعتها.
— Mofa Lebanon (@Mofalebanon) February 24, 2022
وربطت الخارجية اللبنانية دعوتها هذه بـ"تمسك لبنان بالمبادئ الراسخة والناظمة للشرعية الدولية التي ترعى الأمن والسلم الدوليين، وفي طليعتها مبدأ احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها وأمن حدودها وإيماناً منه بوجوب حلّ كافة النزاعات التي قد تنشأ بين الدول بالوسائل السلمية".
إزاء هذا الموقف، سيقت بحق وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب اتهامات عدة، أولها "التفرّد" بالبيان، الذي وضع أيضاً في خانة "مغازلة الموقف الأميركي" بحيث توالت الانتقادات والاستنكارات التي وصل بعضها إلى حدِّ طلب التراجع عنه وتصحيح المسار.
يشير وزير العمل اللبناني مصطفى بيرم (من حصة حزب الله الوزارية)، لـ"العربي الجديد"، إلى إنه سجل موقفاً في جلسة مجلس الوزراء التي عقدت بعد ظهر اليوم في قصر بعبدا برئاسة الرئيس ميشال عون، أبدى فيه استغرابه من إصدار وزارة الخارجية بياناً من دون التشاور مع أي طرف.
ويقول لـ"العربي الجديد": "في لبنان كل شخص لديه رأي سياسي بأي ملف، ولكن كحكومة يجب أن يصدر عنها ما يعبّر عن الموقف اللبناني الرسمي، الذي يؤكد ضرورة النأي بالنفس عن الصراعات، فليلتزموا بذلك"، ويسأل "لماذا تصدر وزارة الخارجية اللبنانية بياناً بلا مشورة من شأنه أن يحمّل البلاد تبعات نزاع دولي كبير؟".
موقف وزارة الخارجية اللبنانية توقف عنده أيضاً وزير التربية عباس الحلبي (محسوب على الحزب التقدمي الاشتراكي برئاسة وليد جنبلاط)، وذلك في تغريدة عبر حسابه على "تويتر" سأل فيها "ألم يكن من مصلحة لبنان أكثر الحياد من أن يأخذ موقفاً منحازاً والدعوة إلى حل الصراع بالطرق السلمية وعن طريق الحوار؟".
ألم يكن من مصلحة لبنان أكثر الحياد من أن يأخذ موقفاً منحازاً والدعوة الى حل الصراع بالطرق السلمية وعن طريق الحوار؟
— Abbas Halabi (@HalabiAbbas) February 25, 2022
وأشار الحلبي لدى تلاوته مقررات جلسة مجلس الوزراء إلى أن موضوع بيان وزارة الخارجية لم يثر في الجلسة إلا من باب إبداء الاستغراب الذي عبّر عنه وزير العمل، لافتاً، في السياق، إلى أن هناك انقساماً في الرأي حول ما صدر عن الوزارة.
ونقلت وسائل إعلام لبنانية عن وزير الخارجية عبد الله بو حبيب، لدى خروجه من جلسة مجلس الوزراء، قوله "أنا لابس درع، قوصوا عليي وحدي بموضوع البيان".
ونأى رئيس مجلس النواب نبيه بري بنفسه أيضاً عن بيان وزارة الخارجية اللبنانية، إذ أكدت أوساط مقرّبة منه أن لا علم لديه بالموضوع ولم يكن على بيّنة مما سيصدر عن الوزير عبد الله بو حبيب.
وعلى خط "حزب الله" أيضاً، قال وزير الثقافة محمد المرتضى، في تغريدة على "تويتر"، إن "المادة 65 من الدستور اللبناني تنيط بمجلس الوزراء وضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات، فلا يمكن لوزير الخارجية أن يصدر أي موقف حول أي نزاع من دون الرجوع إلى مجلس الوزراء، وإلا يكون قد حدد منفرداً السياسة العامة للدولة، وهي صلاحية لا يحوزها".
كذلك، اعتبر نائب رئيس المجلس التنفيذي في "حزب الله" الشيخ علي دعموش، في خطبة الجمعة، أن "موقف الخارجية اللبنانية من الصراع في أوكرانيا لافت، ويطرح أكثر من علامة استفهام حول خلفياته، إذ ما هي مصلحة لبنان في الانحياز للموقف الأميركي في الصراع الدائر بين روسيا والغرب في أوكرانيا؟".
ومن المواقف السياسية أيضاً، طالبت أمانة الإعلام في "حزب التوحيد العربي" وزارة الخارجية بـ"سحب بيانها، وتقديم اعتذار لروسيا الاتحادية".
وقال رئيس "الحزب الديمقراطي اللبناني" النائب طلال أرسلان إن "بيان الخارجية اللبنانية لا يعبر عن موقف لبنان الذي يعتز بالعلاقات التاريخية مع روسيا الاتحادية، الأجدى بنا التفرغ لمشاكلنا وأزماتنا والعمل على معالجتها".
وأدان "تجمع العلماء المسلمين" بيان وزارة الخارجية، معتبراً أنه يأتي تنفيذاً لإملاءات الولايات المتحدة الأميركية ويناقض المصالح الوطنية اللبنانية العليا ويضر بها، داعياً في بيان إلى "تصحيح هذا الموقف بالاعتذار من روسيا وتحميل من أصدر البيان المسؤولية، ولو اقتضى الأمر إقالة وزير الخارجية".
في المقابل، تلقى بو حبيب إشادة فرنسية ألمانية ربطاً ببيان وزارة الخارجية اللبنانية من الاجتياح الروسي لأوكرانيا.
واستقبل وزير الخارجية اللبناني سفيري فرنسا آن غريو وألمانيا أندرياس كيندل لدى لبنان، اللذين شكرا لبنان على بيانه، وتمنيا استمرار لبنان على موقفه هذا، وطلبا مشاركة لبنان في تبني القرار المقدّم أمام مجلس الأمن حول الأزمة والتصويت عليه في الجمعية العامة لاحقاً.
وأبلغ بو حبيب السفيرين امتناع لبنان عن المشاركة في تبني القرار المقدم أمام مجلس الأمن، وأنه ستجرى دراسة الموقف اللبناني لناحية التصويت في حال إحالة القرار على الجمعية العامة بالتشاور مع المجموعة العربية.
وأوضح بو حبيب أن الموقف اللبناني ليس موجهاً ضدّ روسيا أو أي دولة أخرى صديقة، وإنما هو موقف مبدئي وراسخ اتخذه وسيتخذه لبنان في كل أزمة مشابهة، مشيراً إلى أنه التقى بالأمس سفير روسيا لدى لبنان، وأعرب له عن أسفه، وأن لبنان بصدد إصدار بيان إدانة للعملية العسكرية الروسية، وأن هذا الموقف غير موجّه ضد دولته ولا نرغب في أن يؤثر على العلاقة الثنائية الوطيدة.