موفد بايدن إلى تل أبيب ورام الله: المرسال يحمل رسالة على قدّه

13 مايو 2021
صور البنايات المنهارة جراء العدوان الإسرائيلي في غزة أحرج الإدارة (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -

أخيراً، بعد أن تكاثرت الضغوط والمآخذ وصار خيار التفرّج عبئاً، تحرّكت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بصورة أرادت بها الإيحاء بأنها قررت النزول إلى الساحة لوقف الحرب الإسرائيلية – الفلسطينية. لكن تحرّكها بدا بصيغته ودرجته أقرب إلى مخاض الجبل الذي ولّد فأراً. فبدلاً من ذهاب مسؤول وازن من عيار صناع القرار مثل وزير الخارجية إلى المنطقة للقيام بهذه المهمة الصعبة، اكتفت الإدارة بتكليف دبلوماسي من الدرجة الرابعة في وزارة الخارجية لتولّي هذا الدور.

 الاختيار بهذا المستوى يدل بحدّ ذاته على عدم الجدّية، بصرف النظر عن كفاءة نائب مساعد وزير الخارجية للشؤون الإسرائيلية – الفلسطينية، هادي عمرو، الذي أوفده وزير الخارجية أنتوني بلينكن "على الفور" إلى المنطقة. وهو دبلوماسي متمرس سبق أن عمل في البيت الأبيض في زمن الرئيس باراك أوباما. لكنه، بحكم مرتبته، لا يحمل صلاحيات تزيد على مهمته كمرسال يحمل رسالة محددة لإبلاغها في إطار "انخراط" الإدارة المعروفة حدوده، التي لا يبدو من هذا التكليف أنها رفعت من درجته.

هذه الصحوة المفاجئة على خطورة الوضع، أثارت علامات استفهام. فالأمور كان من الواضح أنها تسير في هذا الاتجاه. أو على الأقل كانت مرشحة للتصعيد منذ لحظة اقتحام القوات الإسرائيلية لحرم المسجد الأقصى. مع ذلك، بقيت عند حدود الدعوة إلى "خفض العنف" والتشديد على "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها". وفي كل حال، جاء دخولها على خط الأزمة متأخراً وبأقل من المطلوب، وبعد أن تجاوزته الأحداث. والإدارة تعلم ذلك.

وليس صحيحاً أن التطورات فاجأتها بسرعة توسع دائرة نيرانها. فهي تدرك من تجربتها مدى قابلية الوضع للالتهاب. والرئيس بايدن يعرف أنّ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، المحشور سياسياً وقضائياً، يبحث عن تفجير كبير لخلط الأوراق. لكنه من البداية آثر النأي عن مشكلة تحمّل كل عوامل التفجير لو تركت من غير تطويق مبكر. مع أنّ العدوان فيها صارخ، وكان من السهل قطع الطريق على تفاقمها لو جرى التعامل معها بمستوى جدارة مخاطرها.

إذاً، لماذا نأت الإدارة عن المشكلة وتركتها تتفاعل وتنفتح على الأدهى؟ المرجَّح أن موقفها محسوب أكثر مما هو مسألة قصور وخطأ في الحسابات.  

من الاحتمالات أنها تجاهلت الموضوع وتركته يتفاعل ويكبر، علّه يؤدي في النهاية إلى مدخل لإحياء الاتصالات وتحريك حل الدولتين. وقد يعيّن البيت الأبيض مبعوثاً خاصاً لـ"عملية السلام"، أو على الأقل تفتح الإدارة الباب لتجديد العلاقات مع الجانب الفلسطيني كترضية، من خلال إعادة فتح المؤسسات التي أغلقتها الإدارة السابقة، مثل القنصلية الأميركية في القدس الشرقية والبعثة الفلسطينية في واشنطن.

الاحتمال الثاني الأقرب إلى الواقع، أنّ الإدارة عينها الآن، وحتى إشعار آخر، على مفاوضات النووي في فيينا، وبالتالي تعمّدت الابتعاد عن التدخل في المواجهة الفلسطينية – الإسرائيلية كمقايضة لتبادلها إسرائيل بالابتعاد عن الموضوع الإيراني الذي تعطيه الإدارة الأولوية في حساباتها الإقليمية. يرجّح ذلك أنّ الإدارة حرصت من البداية على التعاطي مع قضية حيّ الشيخ جراح بكثير من المداراة للموقف الإسرائيلي، بالرغم من طابعه العدواني المفضوح. ثم سارعت، ومعها معظم الكونغرس، ولا سيما الجمهوريون، إلى تحويل القضية إلى مواجهة مع غزة وإدانة "حماس"، بعد أن بدأت صواريخها تستهدف تل أبيب والقدس.

إرسال موفد أميركي إلى المنطقة على هذه الخلفية ووسط هذه الأجواء، لا يبدو أنه يتعدّى رفع العتب

إرسال موفد أميركي إلى المنطقة على هذه الخلفية ووسط هذه الأجواء، لا يبدو أنه يتعدّى رفع العتب. وفي أحسن الحالات لا تزيد الغاية منه على العمل على فرملة التمادي الميداني الإسرائيلي. صور البنايات على شاشات التلفزة وهي تتهاوى تحت قصف الطيران الإسرائيلي في غزة، أحرج الإدارة التي لا يخلو تصريح واحد لمسؤوليها من التذكير "بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، وإن مع لفت نظرها، بصورة خجولة، إلى "العبء الإضافي الذي تتحمله لتجنب وقوع ضحايا مدنيين"، كما قال الوزير بلينكن. ما عدا ذلك لم يضع أي قيود.

المساهمون