ارتفعت وتيرة الاحتكاكات بين الروس والأميركيين خلال الشهر الحالي في السماء السورية، وهو ما ينذر بحدوث مواجهة يحرص الطرفان، كما يبدو حتى اللحظة، على تجنبها، كي لا ينزلقا في صراع عسكري مباشر، أو عبر وكلاء لهما في شرق البلاد، يصعب تطويق تداعياته.
وأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأول من أمس السبت، أن موسكو لا تسعى إلى صدام مع قوات حلف شمال الأطلسي "ناتو" في سورية، مضيفاً خلال مؤتمر صحافي: "إذا أراد أحد ذلك فإن روسيا مستعدة".
من جهته، دعا وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، السبت الماضي، خلال مؤتمر صحافي عقده أثناء زيارته إلى أستراليا، القيادة الروسية لـ"التأكد من أنها تصدر توجيهات لقواتها للالتزام بقوانين السماء والتأكد من وقف هذا السلوك غير المسؤول".
وجاء كلام المسؤول الأميركي الرفيع بعد تعرض طائرة أميركية مسيّرة لأضرار بالغة، بعدما أصيبت بشعلة من طائرة مقاتلة روسية في الأجواء السورية، في 25 يوليو/ تموز الحالي، وفق القوة الجوية المركزية الأميركية، التي أكدت أن طائرة مسيّرة تتبع لها تعرضت لـ"أضرار جسيمة" إثر "سلوك غير مهني لطائرة روسية في سورية".
يُنذر تبادل التهم بين موسكو وواشنطن باحتمال وقوع مواجهة عسكرية بين الطرفين بالوكالة
من جهته، قال نائب رئيس "مركز المصالحة الروسي" في سورية أوليغ غورينوف، في بيان، إنه "تم مرة أخرى تسجيل اقتراب خطير لمسيّرة MQ-9 التابعة لما يسمى "التحالف الدولي" الذي تقوده أميركا، من مقاتلة "سو 34" التابعة للقوات الجوية الروسية في منطقة قرية نفلة بمحافظة الرقة".
ولفت إلى أن "الطيارين الروس اتخذوا الإجراءات اللازمة في الوقت المناسب لتلافي الاصطدام مع مسيّرة "التحالف"، مضيفاً أن روسيا "تشعر بقلق من الطبيعة الاستفزازية والعدوانية الواضحة لإجراءات المسيّرات في تعاملها مع القوات الجوية الروسية".
وأعلن مركز المصالحة الروسي في سورية التابع لوزارة الدفاع الروسية، أمس الأحد، أن حصيلة الانتهاكات الأميركية التي أحصتها في سورية خلال يوليو/ تموز الحالي لبروتوكولات "منع التصادم" تجاوزت 300، فيما أجرى طيران التحالف 23 مواجهة خطيرة هذا العام مع الطائرات الروسية في سماء سورية. وكانت طائرة روسية قد حلّقت بشكل "خطير" في 18 الشهر الحالي بالقرب من مسيّرات أميركية، وهو ما اعتبرته وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) في حينه "سلوكاً متهوراً".
إمكانية وقوع صدام عسكري بـ"الوكالة"
ويُنذر تبادل التهم بين موسكو وواشنطن باحتمال وقوع مواجهة عسكرية بين الطرفين بـ"الوكالة"، من خلال الصدام بين مليشيات إيرانية ومحلية مدعومة من الروس في محافظة دير الزور من جهة، وبين "مجلس دير الزور" العسكري التابع لـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) المدعومة من الأميركيين من جهة أخرى.
وعلى مدى السنوات الماضية، حافظ الروس والأميركيون على بروتوكولات خاصة بعدم الاشتباك داخل الأراضي السورية لتجنّب صدام مباشر، يمكن أن يؤدي إلى مواجهة عسكرية مفتوحة على كل احتمال، خصوصاً أن الجانبين لديهما قوات على الأرض في مناطق متقاربة ومتداخلة داخل محافظات الرقة ودير الزور والحسكة في شرق وشمال سورية.
ولا يمكن عزل حوادث الاحتكاك في سورية بين الروس والأميركيين عن توتر العلاقات بين موسكو والغرب منذ فبراير/شباط 2022، حين بدأت الحرب الروسية ضد أوكرانيا. وتدعم روسيا النظام السوري، في حين تؤكد الولايات المتحدة أن وجودها في سورية ينحصر في مواجهة تنظيم "داعش"، وخطره على المنطقة.
تحديد مناطق نشاط الروس والأميركيين
ويبدو أن الطرفين وضعا خلال السنوات الماضية خرائط تحدد نشاط كل طرف، بحيث يفصل نهر الفرات بين مناطق النفوذ بينهما. فالتحالف الدولي تنحصر عملياته ضد "داعش" في منطقة شرق نهر الفرات، في حين يتولى الروس تنفيذ عمليات ضد التنظيم في البادية السورية جنوب نهر الفرات.
ولكن التحالف الدولي نفذ خلال السنوات الماضية العديد من العمليات في شمال وشمال غرب سورية، غرب نهر الفرات، استهدفت قياديين بارزين في تنظيمات إرهابية مثل "داعش"، و"حراس الدين"، في مقدمتهم أبو بكر البغدادي وهو الزعيم الأول لتنظيم "داعش".
استبعاد وقوع صدام مباشر
ورأى المحلل السياسي المختص بالشأن الروسي طه عبد الواحد أن لـ"الصدام العسكري المباشر بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية في سورية تداعيات عالمية"، مستبعداً، في حديث مع "العربي الجديد"، أن يقع أي صدام مباشر بين روسيا وأميركا في سورية، أو غيرها.
وتابع: "واشنطن وموسكو صادقتان حين تؤكدان أنهما لا تريدان مواجهة مباشرة مع الآخر، لأنهما تدركان أن افتعال أي منهما صداما مباشرا مع الآخر قد يخرج بكل بساطة عن السيطرة والتحكم، ولن يبقى محصوراً ضمن الجغرافيا السورية، وسرعان ما سيتحول إلى مواجهة مفتوحة على معظم الجبهات في الشرق الأوسط وفي أوروبا بين أكبر قوتين نوويتين عالمياً".
واعتبر أن "ما يزيد من خطورة مثل هذا الصدام في حال حدوثه، ويزيد من احتمالات خروجه عن السيطرة، أنه لو نشب في هذه المرحلة، فسيكون تحت تأثير مزاجية المواجهة الساخنة سياسياً من أجل الهيمنة العالمية وإعادة بناء بنية النظام العالمي".
استبعد طه عبد الواحد أن يقع أي صدام مباشر بين روسيا وأميركا في سورية
وأعرب عبد الواحد عن اعتقاده أن "احتمال وقوع حوادث خطيرة بين الطائرات الروسية والأميركية في الأجواء السورية قائم ما دامت طلعاتهما الجوية في ذات المجال الجوي مستمرة"، مضيفاً: "تسعى موسكو وواشنطن إلى محاصرة تداعيات أي حادث كهذا، وعدم السماح بتحوله إلى مواجهة مباشرة، ولهذا يكرر الروس والأميركيون تمسكهم بمذكرات التفاهم في سورية لمنع الصدام".
من جانبه، لا يستبعد اللواء محمد الحاج علي، وهو من المنشقين عن قوات النظام، في حديث مع "العربي الجديد"، حدوث صدام بين الروس والأميركيين في سورية "في حال احتكاك أحد الطرفين بالآخر"، مضيفاً أن الجانبين لديهما لجنة للتفاهم في سورية، لذا لن يصلا إلى مرحلة المواجهة المفتوحة.
ويمتلك الروس حضوراً عسكرياً واسعاً في سورية منذ العام 2015 حين تدخلوا لصالح النظام السوري، الذي يعتمد عليهم وعلى الإيرانيين في بقائه بالسلطة حتى اللحظة. وللروس قاعدتان مهمتان في سورية في غرب البلاد وشرقه، وهما حميميم على الساحل السوري، وفيها قيادة القوات الروسية في سورية، وفي شمال شرق البلاد داخل مطار القامشلي القريب من منطقة رميلان النفطية التي تضم وجوداً أميركياً مهما.
وللتحالف الدولي أكثر من قاعدة كبرى في سورية، في مقدمتها قاعدة في حقل العمر النفطي في ريف دير الزور الشرقي، وأخرى في منطقة التنف في المثلث الحدودي السوري العراقي الأردني. وتجوب طائرات الروس والأميركيين السماء السورية، وهو ما يعزز فرص الاحتكاك على ضوء التوتر الذي يضرب علاقات البلدين على المستويات كافة منذ أكثر من عام.