موسكو تضغط على أكراد سورية: تحذير من سيناريو أفغانستان

03 سبتمبر 2024
عنصران من قسد في الحسكة، 25 يناير 2022 (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **تحذير لافروف ودعوة للحوار:** وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حذر "قوات سوريا الديمقراطية" من مصير مشابه للقوى الأفغانية، داعياً الأكراد للحوار مع النظام السوري لضمان حقوقهم ضمن دولة موحدة، واتهم الولايات المتحدة بمحاولة إنشاء "كيان شبه دولة" في شمال شرقي سورية.

- **ردود الفعل الكردية:** القيادية إلهام أحمد أكدت دعمها للحوار مع جميع السوريين، بما فيهم النظام، ورفضت اتهامات التبعية لأميركا، مشيرة إلى أن العلاقة مع واشنطن ترتبط بمحاربة الإرهاب.

- **التوترات والعلاقات الروسية-الكردية:** العلاقة بين الروس وأكراد سورية شهدت تقلبات، من التنسيق العسكري إلى التراجع بعد تفاهمات روسية-تركية، مع استمرار موسكو كوسيط بين "قسد" والنظام، رغم الشروط المتبادلة التي تعرقل الحوار.

يحمل تحذير وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) وإدارتها الذاتية من مصير مشابه لمصير القوى الأفغانية التي وثقت بواشنطن بعد الغزو الأميركي لأفغانستان في 2001، ضغطاً على أكراد سورية و"قسد" المدعومة من الولايات المتحدة، للشروع في حوار مع النظام السوري ينتهي بتسليمه الشمال الشرقي من سورية وفق شروطه.

لافروف يدعو أكراد سورية للحوار

وفي مقابلة تلفزيونية بُثّت أول من أمس الأحد، دعا لافروف أكراد سورية (تسيطر قسد على الشمال الشرقي من سورية) إلى إدراك أن مستقبلهم يكمن في وحدة البلاد، وليس في الاعتماد على الحماية الأميركية، وحثّهم على الدخول في مفاوضات مع النظام السوري للتوصل إلى اتفاق يضمن حقوقهم بوصفهم مجموعة قومية. واتهم المسؤول الروسي الجانب الأميركي بـ"جرّ أكراد سورية إلى لعبته" شمال شرقي سورية، متهماً واشنطن بمحاولة إنشاء "كيان شبه دولة" في المنطقة التي باتت تعرف بشرقي الفرات، وتعد منطقة نفوذ لها.

أعرب لافروف عن أمله في أن يتفق الأكراد على شروط حياتهم ضمن الدولة السورية الموحدة مع دمشق

وحذّر لافروف قادة "قسد" من مصير مشابه للحكومة الأفغانية التي كانت حليفة للأميركيين، آملاً أن "يتعلم شركاؤنا الأكراد من التجربة التاريخية ويعودوا إلى مسار الحوار الوطني، متفقين على شروط حياتهم ضمن الدولة السورية الموحدة مع دمشق". وكانت الولايات المتحدة قد انسحبت على عجل من أفغانستان منتصف عام 2021، ما أدى إلى استعادة حركة طالبان السيطرة على البلاد، وفرار أعضاء الحكومة التي كانت مدعومة من واشنطن.

كما اتهم لافروف الجانب الأميركي بإفشال جولات حوار جرت بين أكراد سورية والنظام بدفع من موسكو، متهماً الأميركيين و"أتباعهم" بالاستحواذ على الثروات النفطية والزراعية في شمال شرقي سورية.

ولم يتأخر ردّ "الإدارة الذاتية" وحزب الاتحاد الديمقراطي، أبرز الأحزاب الكردية شمال شرقي سورية. وقالت القيادية في "الإدارة الذاتية" والحزب، إلهام أحمد، في لقاء مع إحدى الفضائيات العربية، إنهم مع الحوار مع كل السوريين، بمن فيهم النظام، مشيرة إلى أن "قوات سوريا الديمقراطية" "حافظت على وحدة سورية". واعتبرت اتهامات المسؤول الروسي لـ"قسد" بالتبعية للجانب الأميركي "غير مقبولة"، مشيرة إلى أن النظام منفتح للحوار مع دول تحتل أجزاء من سورية (في إشارة إلى تركيا) ويرفض الحوار مع السوريين. وربطت أحمد العلاقة بين أكراد سورية والجانب الأميركي بـ"محاربة الإرهاب"، ومواجهة تنظيم داعش شمال شرقي سورية.

وجاءت تصريحات المسؤول الروسي في خضم مساعي موسكو لتجسير هوّة الخلاف بين دمشق وأنقرة التي تريد التخلص من "قسد" التي تُعتبر بنظر الأتراك خطراً يهدد أمنها القومي باعتبارها نسخة سورية من حزب العمال الكردستاني.

عائق الشروط المتبادلة

وتعليقاً على تصريحات لافروف، رأى المحلل السياسي المختص بالشأن الروسي طه عبد الواحد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن موسكو "تريد دفع الأكراد السوريين إلى حوار يثمر نتائج مع النظام السوري"، مضيفاً أنها "تستفيد هنا من السلوك الكارثي في السياسة الأميركية تجاه الحلفاء وما جرى في أفغانستان خير دليل". ورجّح عبد الواحد استجابة النظام و"قسد" للدعوات الروسية المتكررة للحوار بينهما، مستدركاً بالقول إن "المشكلة تكمن في الشروط المتبادلة، فضلاً عن المعضلة الأميركية: فهل ستسمح واشنطن باتفاق بين النظام و"قسد" برعاية روسية؟".

ومرّت العلاقة بين الروس وأكراد سورية بالكثير من المنعرجات خلال سنوات الحرب السورية، وصلت في عام 2016 إلى حدّ التنسيق العسكري واسع النطاق في شمال سورية. واستفاد أكراد سورية من تردي علاقة الروس والأتراك عقب إسقاط طائرة روسية بصاروخ تركي أواخر عام 2015 داخل الأراضي السورية، حيث وفّرت موسكو لهم غطاء نارياً في الربع الأول من 2016، للسيطرة على مناطق واسعة في ريف حلب الشمالي، أبرزها مدينة تل رفعت التي كانت تسيطر عليها فصائل مدعومة من الجانب التركي. وسمحت موسكو في العام ذاته لأكراد سورية "ممثلين بالإدارة الذاتية" بافتتاح ممثلية لهم في روسيا، في خطوة كان الهدف منها مناكفة الأتراك سياسياً في سورية.

طه عبد الواحد: موسكو تستفيد من السلوك الكارثي في السياسة الأميركية تجاه الحلفاء

بيد أن العلاقة بين "الإدارة الذاتية" وموسكو سرعان ما تراجعت بعد زيارة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في ذلك العام إلى العاصمة الروسية موسكو في خطوة أسّست لتنسيق وتفاهم واسع بين أنقرة وموسكو حول الأوضاع في سورية. وفي مطلع عام 2018، منح الروس الجانب التركي الضوء الأخضر للدخول إلى منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية في ريف حلب الشمالي الغربي، والتي كانت تعتبر معقلاً بارزاً للوحدات الكردية، الذراع العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، والنواة الرئيسية لقوات سوريا الديمقراطية. واعتبر الأكراد التصرف الروسي "طعنة"، إلّا أنهم لم يجدوا بداً من الاستعانة بموسكو أواخر 2019 لإيقاف التمدد التركي شرقي نهر الفرات، حيث اضطروا إلى توقيع اتفاق عسكري مع الروس فتح لهم الباب واسعاً أمام إنشاء قواعد لهم شمال شرقي سورية، بحيث باتوا لاعبين رئيسيين في مشهد هذه المنطقة الأهم اقتصادياً في سورية إلى جانب الأميركيين.

ودخل الروس وسطاء بين "قسد" والنظام في الكثير من حالات التوتر التي تشوب العلاقة بينهما بين وقت وآخر، آخرها اندلاع اشتباكات الشهر الماضي بين هذه القوات ومجموعات محلية تابعة للنظام، ما دفع الجانب الكردي إلى محاصرة مربعين أمنيين للنظام في الحسكة والقامشلي.

ويصرّ النظام على استعادة شمال شرقي سورية من دون شروط، بينما تبحث "قسد" عن اعتراف دستوري بها وبـ"الإدارة الذاتية" مع دخولها في المنظومتين العسكرية والأمنية في الدولة، وهو ما يرفضه النظام بالمطلق حيث يعرض حقوقاً ثقافية فقط للأكراد السوريين. وما يزال النظام يعتبر "قسد" أداة "رخيصة" بيد الأميركيين، وفق توصيف وزارة خارجية النظام الشهر الماضي، وهو ما يعرقل أي محاولات لحوار يرقى إلى مستوى التفاوض لحسم مصير الشمال الشرقي من سورية، والذي يشكل أكثر من ثلث مساحة البلاد وتسيطر عليه "قسد" بشكل شبه كامل.

المساهمون