مواقف سياسية لبنانية بين التصعيد الحكومي و"النفطي"

14 يوليو 2022
يُحبِّذ الرئيس عون الحكومة الموسعة (حسين بيضون)
+ الخط -

في وقتٍ لم تهدأ الساحة اللبنانية بعد من ردود الفعل "المُهلِّلة" وتلك "المُمْتعِضة" من إرساء أمين عام "حزب الله"، حسن نصر الله، في إطلالته، أمس الأربعاء، معادلة "حرب" جديدة من بوابة حقل "كاريش" النفطي، لا تزال طبول المعركة تُقرَع على جبهتَيْ رئيس الجمهورية ميشال عون، والرئيس المُكلَّف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي، بحيث يتمسَّك كل طرفٍ بـ"معادلته الحكومية" ويرفضان التنازل وسياسة الفرض التي تزيد من تعقيدات عملية التأليف وتفاقم الخلاف الذي يُبقي البلاد في حالة "تصريف أعمالٍ".

وبعدما أكد ميقاتي، أمس، في بيانٍ أن التشكيلة الوزارية التي قدمها هي "الإطار المناسب للبحث مع عون، خاصة أنها تنسجم مع مسؤوليته وطروحاته والأهداف الواجب تحقيقها في هذه المرحلة الضيقة جداً"، وفق تعبيره، شدد رئيس الجمهورية، اليوم الخميس، على أنه "ليس في وارد" التخلي عن شراكته الدستورية الكاملة في تأليف الحكومة وليس في حسابه قبول سياسة الفرض.

وقال عون، في بيان وزعه مكتبه الإعلامي: "لا يكفي أن يقدم الرئيس المكلف تشكيلة حكومية هي خلاصة اقتناع تولد لديه نتيجة المعطيات المتوافرة ومواقف الكتل والنواب والقيادات والشخصيات السياسية، بل إن لرئيس الجمهورية رأيه وملاحظاته، فهو مسؤول تجاه قسمه الدستوري وأمام الشعب، كما أن رئيس مجلس الوزراء مسؤول أمام مجلس النواب، وليس في الوارد لدى الرئيس عون التنازل عن هذه المسؤولية لأي سبب كان، تماماً كما ليس في حسابه قبول سياسة الفرض".

وحدّد الرئيس اللبناني المعطيات التي ينطلق منها في مسألة تشكيل الحكومة، أبرزها الدستورية، انطلاقاً من المادة 53 التي تنص على أن رئيس الجمهورية يصدر بالاتفاق مع رئيس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة ومراسيم قبول استقالة الوزراء وإقالتهم.

ورداً على تسريبات تناقلتها أوساط ميقاتي بأن الرئيس المُكلَّف طلب موعداً من عون ولم يتلقَّ إجابة بعد، مع الإشارة إلى أن اللقاء الأخير عقد قبل أسبوعين بين الرئيسين، أكد عون أنه "لم يقفل يوماً باب القصر أمام أحد، فكيف أمام الرئيس المُكلَّف؟"، وكان ينتظر مقاربة جديدة من ميقاتي في ضوء الملاحظات التي كان قد أبداها على التشكيلة، تحصيناً لها في ضوء المهام المنتظرة من الحكومة العتيدة في ظل التحديات والأوضاع الحساسة والخطيرة على أكثر من صعيد التي تعصف بالبلاد والعباد، والتي لا تحتمل تأبيد التصريف والرهانات الخاطئة.

وأوضح مكتب عون الإعلامي أن رئيس الحكومة المكلف اتصل بالرئيس عون قبل سفره، وأفاده بأنه "سيأتي لزيارته فور العودة".

وكرّر عون تحديد مواصفات الحكومة الجديدة التي تنطبق على تلك التي يتمسك بها صهره رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، وهي أن تكون "مكتملة الأوصاف الدستورية، وقادرة على اتخاذ القرارات التنفيذية وليس إلى بيانات من هنا وتسريبات من هناك تزيد الأمور تعقيداً"، على حدّ تعبيره.

ويُحبِّذ الرئيس عون الحكومة الموسعة، وهو ما يرفضه الرئيس ميقاتي الذي قدم تشكيلة حكومية عشرينية، في حين لاقت الصيغة امتعاضاً من جانب فريق رئيس الجمهورية، وخصوصاً باسيل، لا سيما أنها أبعدت وزير الطاقة المحسوب عليه وليد فياض، واستبدلته بشخصية سياسية معارضة لخطه السياسي ومن الطائفة السنية، ولا يزال ميقاتي متمسكا بعدم رغبته بوجود فياض على رأس الوزارة، والخلافات كانت ظاهرة وعلنية بين الرجلين.

كذلك، شكل منح ميقاتي حصصاً وزارية لأحزاب سياسية حتى تلك التي لم تسمّه في الاستشارات النيابية الملزمة امتعاضاً عند التيار، فهو أعاد طرح المداورة في الحقائب الوزارية للتخلي عن وزارة الطاقة واضعاً نصب عينه وزارة الداخلية، التي هي من حصة ميقاتي، ووزارة المال التي منحها الأخير لـ"حركة أمل" (بقيادة نبيه بري)، التي بدورها تعتبرها بمثابة خط أحمر لا يمكن الاقتراب منه.

وكان مكتب ميقاتي الإعلامي أصدر، أمس بياناً، اعتبر فيه أن "التحديات الداهمة التي يمر بها الوطن لا تسمح بأي تأخير أو تلكؤ عن دعم مساعيه في تشكيل الحكومة، ولا بوضع الشروط والعراقيل وحجج المحاصصة التي يحاول البعض افتعالها بالتوازي مع حملات إعلامية لن تغيّر قيد أنملة في قناعات ميقاتي وخياراته".

وأشار إلى أن "الإساءات المُتكررة طيلة الأيام الماضية إلى مقام رئاسة مجلس الوزراء، بما يمثله على الصعيد الوطني وإلى شخص دولة الرئيس، تمثل انحطاطاً في مستوى التخاطب وتسيء للجميع على المستوى الوطني".

واعتبر أن "رئاسة الجمهورية معنية بوقف ممارسات وتدخلات بعض المحيطين بها، والذين يمعنون في الإساءة والعرقلة"، غامزاً بذلك من قناة باسيل، الذي يتهمه معارضوه بأنه الرئيس الظل للبلاد والمعرقل الأساسي لتشكيل الحكومة.

على صعيد آخر، توالت ردود الفعل السياسية حول خطاب نصر الله، إذ قال رئيس "حزب الكتائب اللبنانية" سامي الجميل إن نصر الله "نصّب نفسه مرة جديدة رئيساً، رئيس حكومة، وقائداً للجيش في آن معاً، مورطاً شعب لبنان بمغامرة جديدة قد يدفع ثمنها دون استئذانه"، مشدداً على أن استعادة السيادة تبقى القضية الأم من دونها لا وجود للدولة.

من جهته، قال رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط إن "تصريح نصر الله وضع حداً لإمكانية التفكير بالوصول إلى تسوية حول الخط 23 (لترسيم الحدود البحرية جنوباً)، ولقد دخل لبنان في الحرب الروسية الأوكرانية، لذا وتفادياً لاندلاعها، فهل يمكن للسيد أن يحدد لنا ما هو المسموح وما هو الممنوع، وذلك أفضل من أن نضيع الوقت في التخمين واحتياط المصرف المركزي يذوب كل يوم".

وهدد نصر الله بأنه لن يتمكن أحد من استخراج الغاز والنفط أو بيع المادتين إذا ما مُنع لبنان من الاستفادة من النفط والغاز قبالة سواحله، معتبراً أن قوة لبنان الوحيدة في مقاومته.

ودعت كتلة حزب الله النيابية "الوفاء للمقاومة"، اليوم، إلى "تسريع الخطوات واستخدام كل الخيارات والأساليب المتاحة والضاغطة لتأكيد حق لبنان في حفظ وحماية مياهه الإقليمية، وتحصين قدرته على استثمار ثروته من النفط أو الغاز من دون شرط، ورفض أي ربطٍ لتحقيق مصالح لبنان بأي تنازل سياسي عن حقه الوطني المشروع، والتنبه إلى ضيق الوقت ووجوب الحذر من مكر الأميركيين وخداعهم ومراوغتهم".

وكان لافتاً موقف باسيل اليوم في مقطع مصوّر، قال فيه إن "ورقة المقاومة عنصر قوّة للبنان إذا عرفنا كيف نستخدمها في ترسيم الحدود واستخراج الموارد وتحصيل الحقوق"، مضيفاً: "مثلما هناك معادلة واضحة بالأمن على البر، يجب أن تصبح واضحة أيضاً بالغاز على البحر، إذا أردتم غازكم نريد غازنا، هكذا تتصرف الدولة القوية وتُحفَظ الكرامة الوطنية وهكذا تكون السيادة".

أما على مقلب مواقف الرئيس اللبناني اليوم في خلال استقباله مستشار النمسا كار نيهامر، قال عون إن "لبنان بلد محب للسلام، ومتمسك بسيادته الكاملة وبحقوقه في استثمار ثرواته الطبيعية، ومنها استخراج النفط والغاز في المنطقة الاقتصادية الخالصة في الجنوب".

المساهمون