تكشف تشكيلة الوفد الروسي المشارك في المباحثات المرتقبة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي جو بايدن، في مدينة جنيف السويسرية، عن أهم الملفات التي سوف تحظى باهتمام كبير بين الطرفين، ويمكن أن يتطرق لها الرئيسان بالتفصيل.
من المتوقع أن يطرح ريابكوف رؤية لتخفيف التوتر حول الهجمات السيبرانية وصفقة لتبادل السجناء
وبحسب مساعد الرئيس الروسي للسياسة الخارجية، يوري أوشاكوف، يشارك في المباحثات في القمّة المنتظرة، وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، والسفير الروسي لدى واشنطن أناتولي أنطونوف، ورئيس هيئة الأركان العامة فاليري غيراسيموف، ونائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف، ونائب مدير ديوان الرئاسة الروسية دميتري كوزاك، والمبعوث الروسي للتسوية السورية ألكسندر لافرينتييف.
1. أناتولي أنطونوف
تشير مشاركة السفير الروسي لدى واشنطن أناتولي أنطونوف، في المباحثات الموسعة، إلى أن تحسين العلاقات الثنائية ووقف "الحرب الدبلوماسية"، سيحظيان بنقاشات مستفيضة، والتي ربما تحتاج إلى موافقة الرئيسين على ما توصلت إليه اللجان التحضيرية للقمة. ومعلوم أن أنطونوف غادر واشنطن، وعاد إلى موسكو في 20 مارس/ آذار الماضي، بعد موافقة بايدن على وصف بوتين بـ"القاتل" أثناء لقاء تلفزيوني. ولا يقتصر دور السفير الروسي لدى واشنطن على مناقشة العلاقات الدبلوماسية، بل سيكون حاضراً بقوة في مناقشة قضايا التسليح والتوازن الاستراتيجي، خصوصاً أنه شغل بين عامي 2004 و2011 منصب رئيس دائرة الأمن وخفض التسليح في وزارة الخارجية الروسية، وشارك بفعالية في إعداد الوثائق لتمديد اتفاقية "ستارت 3" في عام 2010، وشغل بين عامي 2011 و2017 منصب نائب وزير الدفاع، وتولى الإشراف على مراقبة تنفيذ المعاهدات والاتفاقات الخاصة بتقليص الأسلحة.
2. سيرغي ريابكوف
يشارك نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، في المباحثات الثنائية في جنيف، وهو مسؤول عن ملف العلاقات مع الولايات المتحدة وأميركا الشمالية والجنوبية في الوزارة، وكذلك ملف مراقبة ضبط التسلح، والملف النووي الإيراني. ولعب ريابكوف دوراً مهماً في مفاوضات التوصل إلى الاتفاق النووي مع إيران، فضلاً عن مشاركته في جميع المفاوضات حول اتفاقات الحدّ من التسلح مع الولايات المتحدة وأوروبا. ومن المتوقع أن يطرح ريابكوف رؤية لتخفيف التوتر في ما يخص الهجمات السيبرانية وصفقة لتبادل السجناء بين البلدين.
3. فاليري غيراسيموف
يكتمل الثلاثي المعني بمناقشة ملف الأسلحة الاستراتيجية ومنع الانزلاق إلى سباق تسلح جديد، بمشاركة رئيس هيئة الأركان العامة الروسية، فاليري غيراسيموف، ما يشير إلى الأهمية الكبيرة لهذا الملف.
وفي الأيام الأخيرة، رجّح كثير من الخبراء حدوث اختراق لإدارة "الحرب الدبلوماسية" بين البلدين وعودة السفيريْن قريباً، إضافة إلى فتح نقاش على مستوى الخبراء في وزارتي الدفاع والخارجية لكلا البلدين، لحل بعض القضايا المتعلقة بالاستقرار الاستراتيجي. وكشفت تصريحات مسؤولي البلدين، عن الحاجة الوثيقة للتعاون في التصدي للتحديات الخارجية المشتركة مثل الإرهاب الدولي وتغيرات المناخ والتهديدات السيبرانية. لكن نقطة الخلاف تكمن في التوصل إلى آليات مناسبة للطرفين وتوحيد للمفاهيم والمخاطر.
ومع انسحاب روسيا من معاهدة "الأجواء المفتوحة" منذ أيام، تبقى اتفاقية "ستارت 3" الأخيرة في مجال التوازن الاستراتيجي بين البلدين. ويأمل الجانب الروسي في مناقشة قضايا التسليح، لضمان عدم الانجرار إلى سباق تسلح جديد، ويدخل بوتين القمّة واثقاً من أن ما لديه من صواريخ وأسلحة جديدة قادرة على ضمان أمن بلاده والتفوق لسنوات، في حين يشارك بايدن في القمة بعد 3 قمم أعادت ترميم علاقات واشنطن مع حلفائها في حلف شمال الأطلسي الـ"ناتو" وفي أوروبا، بعد تراجع علاقاتها نتيجة تصرفات إدارة دونالد ترامب.
وإضافة إلى اختلافات تقنية حول تصنيف الأسلحة الهجومية ومنصّات الإطلاق للصواريخ الاستراتيجية متوسطة المدى، وضرورة إدراج الأنظمة الصاروخية الدفاعية فيها، يبدو أن إلزام الصين بأي اتفاقات ومعاهدات جديدة لا يزال نقطة خلافية كبرى بين روسيا المتحالفة مع الصين، والتي لا ترى فيها خطراً بالمطلق، وواشنطن التي تركز مع حلفائها في الـ"ناتو" وجنوب شرقي آسيا على تزايد قدرات بكين العسكرية.
وتكمن أهمية مشاركة غراسيموف أيضاً، في بحث موضوع التنسيق بين الولايات المتحدة وروسيا في الملف السوري لمنع التصادم بين عسكريي البلدين، وبحث مواضيع إعادة الإعمار وعودة اللاجئين، نظراً لأن وزارة الدفاع الروسية تتولى الإشراف على مركز مشترك مع النظام السوري لتسهيل عودة اللاجئين وإعادة الإعمار، وتُصدر بيانات شبه يومية عن جهودها في هذا الاطار، تعلن فيها عن عدد العائدين من لبنان وغيره من دول الجوار والعالم. كما أن غراسيموف رافق لافروف في جولة أوروبية منتصف 2018، عرض فيها المسؤولان الروسيان خطة روسية لعودة اللاجئين وإعادة الإعمار، لكنها لم تحظَ بموافقة برلين وباريس حينها، ولاقت بروداً في العواصم الإقليمية التي زارها الوفد.
4. ألكسندر لافرنتييف
مما يشير أيضاً إلى أن تفاصيل الموضوع السوري ستكون حاضرة بقوة على طاولة البحث، مشاركة ألكسندر لافرنتييف، المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سورية، في مباحثات جنيف. وربما تسعى موسكو إلى طرح خطة تفصيلية لتفاهمات مستقبلية ترسم القمة المنتظرة خطوطها العامة. وقبل أقل من شهر على انتهاء التفويض الأممي بإدخال المساعدات إلى سورية، تركز الولايات المتحدة على الجانب الإنساني وتشدد على ضرورة فتح معابر إضافية للمساعدات في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام. وتستغل موسكو هذه النقطة للضغط على الجانب الأميركي للحصول على تنازلات، من ضمنها تخفيف "قانون قيصر" (العقوبات الأميركية على النظام) الذي يعطل مشروعات إعادة الإعمار وضخ استثمارات في سورية، وتسعى موسكو إلى فكّ عزلة النظام عربياً ودولياً، وتحسين الظروف المعيشية والاقتصادية في مناطق سيطرة النظام، والبدء بإعادة الإعمار، وضخّ الاستثمارات وعودة اللاجئين. ولكن نظراً لكونها لا تملك الموارد المالية الكافية بسبب الأزمة الاقتصادية، فإن تخفيف "قانون قيصر" أو إلغاءه، يعدّ هدفاً أساسياً لموسكو لإتمام مخططاتها في سورية، ومنع انزلاقها في مستنقع جديد. ويبدو أن موسكو استطاعت فرض الملف السوري على القمة من البوابة الإنسانية، وفي الوقت ذاته، من المرجح أن التصعيد الأخير في محافظة إدلب السورية، شكل رسالة مزدوجة للجانبين الأميركي والتركي، للتحذير من إمكانية التوصل إلى تفاهمات ثنائية لا تكون موسكو حاضرة فيها، في ملفي إدلب والمنطقة الأمنة شمالي سورية.
رجّح كثير من الخبراء حدوث اختراق لإدارة "الحرب الدبلوماسية" بين البلدين وعودة السفيريْن قريباً
وعلى الرغم من اتفاق موسكو وواشنطن على أهمية الحفاظ على أمن إسرائيل في أي حل مستقبلي في سورية، إلا أنهما تختلفان في شأن إخراج إيران بالكامل من سورية، ويكرر المسؤولون الروس على كافة المستويات انتقاداتهم للوجود غير الشرعي للولايات المتحدة، ونهب ثروات سورية من النفط والغاز، وتشجيع تأسيس كيان انفصالي في شمال شرقي سورية عبر دعم الأكراد.
5. ديمتري كوزاك
وتكشف مشاركة ديمتري كوزاك نائب رئيس ديوان الكرملين، والمسؤول المباشر عن إدارة الأزمة الأوكرانية، الأهمية القصوى لهذا الملف بالنسبة إلى روسيا، الذي لن يكون "طبق حلوى" بحسب وصف أوشاكوف للملفات الإقليمية التي من المقرر أن يبحثها بوتين وبايدن، إذ تكشف تصريحات المسؤولين من الطرفين خلافات جدية حوله. وتدعم الولايات المتحدة الحكومة الأوكرانية، وأعلنت عن تزويدها بأسلحة إضافية لمواجهة الحركات الانفصالية والوقوف في وجه "التدخلات الروسية"، وتشدد على دعمها لوحدة الأراضي الأوكرانية، ولا تعترف بضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم. وما يثير حفيظة موسكو على وجه الخصوص، إعلان بايدن أخيراً، أن "استمرار النزاع في منطقة دونباس شرقي أوكرانيا، لن يكون عائقاً أمام انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي"، وتشديده على أن الولايات المتحدة والـ"ناتو" سوف يعملان ما في وسعهما "كي تكون أوكرانيا قادرة على مواجهة العدوان المباشر من قبل روسيا". في المقابل، ترفض روسيا اقتراحات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، حول مشاركة الولايات المتحدة في مجموعة "نورماندي" التي تضم ألمانيا وفرنسا وأوكرانيا وروسيا لحلّ الأزمة في دونباس، وتؤكد موسكو أنها ليست طرفاً في الحرب الدائرة بين الانفصاليين في جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك غير المعترف بهما دولياً، والحكومة المركزية في كييف. كما ترفض موسكو بشدة ضمّ أوكرانيا إلى حلف الأطلسي وتعتبره "تهديداً وجودياً"، ولوّحت أكثر من مرة بردّ حاسم في حال استمرار توسع الحلف شرقاً، الذي يعد "خطاً أحمر" لا يمكن تجاوزه.
وتعد القضية الأوكرانية من أهم الخلافات الجيوسياسية بين روسيا والغرب. وتصرّ موسكو على إخراج شبه جزيرة القرم من أي بحث حول أوكرانيا، وتؤكد أن مصيرها حسم في العام 2014، ولن تتراجع عن ضمّ شبه الجزيرة أياً كانت الضغوط والعقوبات. كما تؤكد روسيا على حقّها في حرية حركة قواتها داخل أراضيها وتوزيع هذه القوات بحسب مقتضيات أمنها، وترفض الاتهامات بأنها تنوي شنّ عملية عسكرية على أوكرانيا.
كما تكمن أهمية مشاركة كوزاك في أنه يمكن أن يبحث وينسّق مع بلدان آسيا الوسطى، وخصوصاً أوزبكستان وطاجيكستان، موضوع انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، وتأمين الأمن والاستقرار في المنطقة بعد هذا الانسحاب، نظراً إلى أنه المسؤول عن السياسة الخارجية مع بلدان "الرابطة المستقلة" والاتحاد السوفييتي السابق.
وأكدت موسكو أكثر من مرة أنها معنية بدعم الاستقرار في أفغانستان، ولكنها ترفض بناء أي قواعد أميركية في بلدان آسيا الوسطى للتدخل ودعم الحكومة الشرعية في كابول بعد اكتمال الانسحاب الأميركي. ولموسكو أيضاً بعض الاعتراضات على حكم الرئيس الأفغاني أشرف غني، وتطالب بإشراك جميع القوى السياسية، وخصوصاً في شمال أفغانستان في العملية السياسية، حيث توجد أقليات أوزبكية وطاجيكية مدعومة من روسيا، وكذلك إشراك حركة "طالبان"، لمنع انتشار تنظيم "داعش" في آسيا الوسطى.