تثير قرارات القضاء التونسي بمنع المعارضين السياسيين في تونس من الظهور في الأماكن العامة تساؤلات حول هذه التدابير وتبعاتها، خصوصاً بعد التشكيك في قانونيتها وخلفياتها.
وقرر قاضي التحقيق بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب، أمس الثلاثاء، إبقاء وزير حقوق الإنسان السابق ورئيس هيئة الدفاع عن القضاة المعزولين، العياشي الهمامي في حالة سراح بعد الاستماع له، أمس الثلاثاء، وفق ما جاء في بلاغ لهيئة الدفاع عن الموقوفين في ما يُعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة".
وقالت هيئة الدفاع عن الهمامي إنها فوجئت باتّصال قاضي التّحقيق (هاتفياً) بمنسّقها بعد حوالي السّاعة والنّصف من انتهاء الجلسة وإمضاء المحاضر، لإعلامه بقرار منع موكلها من السفر والظّهور في الأماكن العامّة"، معتبرة أن هذا القرار "غير قانوني في شكله ومضمونه ومثير للشّبهات في توقيته".
وعبرت هيئة الدّفاع عن استنكارها لهذا القرار الذي وصفته بـ"التّعسّفيّ والاعتباطيّ والمخالف للقانون"، معلنة عزمها إسقاطه عبر الطّعون القانونيّة وباعتماد كلّ الوسائل المشروعة".
وصدرت قرارات مماثلة أخرى تقضي بإبقاء كل من المحامي لزهر العكرمي والقيادية في جبهة الخلاص شيماء عيسى المتهمين بدورهما في "قضية التآمر" بحالة إطلاق سراح، لكن مع منعهما من الظهور في الأماكن العامة.
وأكد وزير حقوق الإنسان الأسبق، وعضو هيئة الدفاع، المحامي سمير ديلو، في تصريح لـ"العربي الجديد، أن "هذا الإجراء غير قانوني وليس له أي سند قضائي وهو يتعارض حتى مع دستور 2022".
وفسر ديلو أن "هذا الإجراء يتجاوز الوضع قيد الإقامة الجبرية الذي يخص قطرا معينا محددا لا يغادره المعني"، مبيناً أنه "من حسن الحظ لم يتم تطبيق هذا التدبير حرفيا، لأن المنع يشمل كل مكان فيه أناس، أي أنه لن يستطيع العمل أو قضاء شؤونه وقتها"، مشدداً على أن "هذا التدبير بمثابة السجن على الحساب الخاص، والفرق بينهما أن السجن تتكفل به الإدارة العامة للسجون، وفي هذا القرار يتكفل المعني بمصاريفه بشكل خاص".
وأشار ديلو أنه "عمليا لم يطبق هذا التدبير على المحامي لزهر العكرمي الذي يتنقل إلى المحكمة ويعمل، لأن القصد منه عدم مشاركة المعني في التظاهرات السياسية أو المجتمعية أو الإدلاء بتصريحات"، مشدداً على أن "الهدف من هذا الإجراء هو التضييق والمقصود منه أن يتوقف العياشي الهمامي عن الدفاع عن القضاة وعن مناصرتهم".
ويرى قانونيون أن "المنع من الظهور في الأماكن العامة، تدبير غير مسبوق مطلقاً، بل هو تدبير مستحدث، إذ لم يرد في أيّ نص قانوني أو في قرار مكتوب حتى زمن نظام زين العابدين بن علي".
وحدد الفصل 86 من مجلة الإجراءات الجزائية 5 تدابير احترازية يمكن فرضها للإفراج عن المظنون فيهم، (المتهمون) ولم يرد في أيّ منها تدبير "منع الظهور في الأماكن العامة" بينما التدبير الوحيد الذي يشبهه هو الذي جاء في النقطة الثالثة في قائمة الفصل المذكور وهو "المنع من الظهور في أماكن معيّنة".
ويرى خبراء أن هذا التدبير أكثر تعسفا وتضييقا من الوضع قيد الإقامة الجبرية التي تسمح بظهور الشخص في أماكن علنية باعتبار أن الإقامة الجبرية قد تنحصر في منطقة ترابية محددة أو بلدة معيّنة فقط.
ويقول مراقبون إن "هذا التدبير يخالف المواثيق الدولية والحقوق والحريات المنصوص عليها حتى في دستور الرئيس قيس سعيد الذي صدر في 2022 حيث يكفل البند 30 منه حرية التنقل وحقّ الشخص في اختيار مقرّ إقامته وفي التنقل داخل الوطن، كما يتناقض مع الضوابط الدستورية لتقييد الحريات العامة الواردة في البند 55 أيضاً من الدستور حيث لا يجوز تقييد أيّ حرية إلا بمقتضى قانون وبغاية مشروعة يقتضيها نظام ديمقراطي".
وأكد القاضي السابق وأستاذ القانون عمر السيفاوي، في تصريح لـ"العربي الجديد" أنه "لا يوجد في المجلة الجزائية أي تنصيص على تدبير احترازي يقضي بعدم الظهور في الأماكن العامة، كما لا يمكن تطبيق تدابير احترازية على شخص في حالة سراح بل حتى على موقوف في وضع تحفظي أفرج عنه مع وضع تدابير احترازية منصوص عليها في المجلة الجزائية".
وخلص السيفاوي إلى أن "قرار المنع من الظهور في الأماكن العامة هو منع من الظهور في وسائل الإعلام يتنزل في سياق التعتيم وتكميم أفواه المعارضين والمخالفين" مشدداً على أنه "منع مقنّع من ممارسة أي نشاط سياسي أو مدني أو مجتمعي، بل هو تحييد واضح عن أي نشاط مدني".
وشدد على أن "هذا التدبير يأتي في إطار محاصرة المعارضة والتضييق عليها وتكبيلها"، مشيراً إلى أنه "إمعان في قتل السياسة وتجريف لكل الساحة السياسية وتضييق على كل معارضة جدية". وتابع: "هي رسالة تخويف أيضاً لكل معارض وطريقة لاستهداف كل نفس معارض".