منظمة التحرير الفلسطينية... آن أوان المراجعة

19 يناير 2024
فلسطينيون في رفح، الأربعاء (عبد زقوت/الأناضول)
+ الخط -

في 26 ديسمبر/كانون الأول الماضي أعلنت منظمة التحرير الفلسطينية رفضها مقترحات متداولة عن "اليوم التالي للحرب"، وبينها "حكومة تكنوقراط تتولى إدارة الضفة الغربية وقطاع غزة وإعادة الإعمار والإيواء". وشددت المنظمة على أن المقترحات تندرج "خارج إطار مسؤوليتها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني".

وليس ثمة شك في أن الاحتلال الإسرائيلي لا يعنيه وجود حركة تحرر وطني فلسطيني، مفترض أن يكون لها اليد الطولى في لجم تقرير مصير ملايين على أرضهم، وبينها إعادة استنساخ "روابط القرى العميلة"، التي أنشأتها في سبعينيات القرن الماضي في مدن الضفة الغربية المحتلة للتساوق مع كامب ديفيد.

والطرح الحالي يقوم على الرؤية الصهيونية ـ الدينية باعتبار الشعب الفلسطيني "بقايا استعمار عربي"، وبأنهم "سكان" يجب حصرهم في كانتونات منعزلة ومحاصرة (على طريقة تعاطي أميركا وكندا مع بقايا السكان الأصليين) ريثما ينضج مشروع الترانسفير، لترسيخ مشروع "أرض إسرائيل".

وطرح فكرة "تكنوقراط" ليس هو المشكلة، إن كان الأمر في مصلحة التحرر والاستقلال، وباختيار حر وطوعي للحركة الوطنية، التي تمثل سيادة الشعب على مصيره وأرضه، وليس لأي طرف في هذا الكون أن يقرر نيابة عنه. لكن الكثيرين يُدركون، في الشارع وفي الفصائل التي رفضت اتفاقية أوسلو 1993، كالجبهتين الديمقراطية والشعبية، وآخرين، أن تلك الأطروحات ليست جديدة.

فقد مورست محاولات بضغوط أميركية هائلة، وبتصنيفات سخيفة عن "الإرهاب" و"التشدد" طاولت الرئيس الراحل ياسر عرفات، حين جرت محاصرته في مقره برام الله (بعد انتفاضة أكتوبر/تشرين الأول 2000)، لفرض ما يسمى "معتدلين"، أي متساوقون مع مرحلة مستمرة منذ 20 سنة، وبناتج صفري على مستوى حل الدولتين وتجسيد "الدولة الفلسطينية المستقلة"، وبعد 3 عقود على متاهة أوسلو. فهدف الاحتلال من حصر "الأزمة" في حركة حماس، وما يسمى "اليوم التالي"، هو ببساطة محاولة تحقيق ما لم يحققه في الحرب الطويلة على الشعب الفلسطيني.

ومن المؤسف أن تخرج أصوات هنا وهناك، ومن أعضاء في منظمة التحرير، والسلطة الفلسطينية، أشبه ما تكون متماشية مع إعادة التسويف الأميركي، وتبديد التضحيات الفلسطينية الهائلة، لإنقاذ الاحتلال من ورطة مواجهة الحقيقة، عن استحالة ديمومة الاحتلال من دون دفع أثمانه، بمقاومة بكل الوسائل.

عموماً، أمام منظمة التحرير، بفصائلها المختلفة، فرصة المشاركة جنباً إلى جنب مع شعبها في صد العدوان في غزة والضفة والقدس، ووقف تلاشي دورها، ومنع إدخال الفلسطينيين في متاهة بعيدة عن الهدف الرئيسي في التحرر والاستقلال الوطني. ذلك لا يكون سوى بالعودة إلى مشروع القواسم المشتركة المستند إلى تضحيات شعبهم، وليس إلى أوهام ووعود فارغة المضمون في التطبيق.

فإذا كانت منظمة التحرير الفلسطينية، بفصائلها المختلفة، ما تزال تقرأ نفسها كممثل شرعي ووحيد، ومعبّر عن مرحلة التحرر الوطني، وليس أحد ملحقات "السلطة" الناجمة عن أوسلو، التي يرفضها أساساً بنيامين نتنياهو ومعسكره الصهيوني ـ الديني، فربما صار لزاما عليها مراجعة أدواتها واستراتيجياتها وتكتيكاتها.

وليس للمنظمة سوى شعبها، الذي منه "حماس" وغيرها ممن هم خارج المنظمة، للاستفادة من تضحياته الضخمة وصموده على أرضه منذ 75 سنة. ولا يحتاج الفلسطينيون "وسطاء" أو إلى تظهيرهم كقصّر عاجزين عن الالتقاء على مشروع وطني واضح. وبالتأكيد هذا الشعب الفتي والصلب لا يمكن أن يُعبّر عنه ببرامج وشخوص مرتبكة وضعيفة، بل يقين ممثليه بأنه شعب يستحق أن تكون حركة تحرره الوطني بقدر صموده وتضحياته وحقوقه، التي هي ليست منّة لا من الأميركي ولا من غيره دولياً وإقليمياً.