تساءلت أربع منظمات حقوقية، هي مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ومركز النديم، ومبادرة الحرية، والجبهة المصرية لحقوق الإنسان، عمّا شهده مقر الأمن الوطني في العريش شماليّ سيناء، من اشتباكات مسلحة أدت، بحسب مصادر إعلامية، إلى مقتل أربعة من عناصر الأمن على الأقل، بينهم عقيد، في 30 يوليو/تموز الماضي، مطالبة السلطات المصرية بكشف حقيقة ما حدث، ورفع التعتيم الإعلامي المفروض على سيناء.
وتضاربت الروايات حول الأطراف المتورطة في الاشتباكات، وما إذا كان من بين المصابين والقتلى معتقلون مدنيون أو جهاديون. وبينما تلتزم السلطات المصرية الصمت حتى الآن بشأن الواقعة، ويصعب توفير أية معلومات موثوقة عن الاشتباكات، أو فحص أداء الحكومة المصرية فيها، بسبب التعتيم الإعلامي الذي فرضته السلطات المصرية على شمال سيناء، ومنع المراقبين المستقلين والصحافيين والمراسلين من الوصول إليها، أصدرت المنظمات الأربع بياناً مشتركاً، اليوم الخميس، أثارت فيه العديد من التساؤلات عن الوضع الأمني وسط التعتيم الإعلامي.
تعمّد السلطات المصرية حجب الحقيقة حول طبيعة هذه الاشتباكات يقوّض حق المواطنين في المعرفة والتحقيق وتقييم حجم امتثال السلطات المصرية لدورها في تحقيق الأمن ومكافحة الإرهاب بشكل صحيح. إذ تواجه قوات الأمن المصرية، منذ عام 2013 الجهاديين في سيناء، وتتعامل مع المنطقة باعتبارها منطقة عسكرية مغلقة.
المنظمات الموقعة على البيان، طالبت السلطات المصرية بالكشف عن حقيقة ما حدث أخيراً في شمال سيناء، امتثالاً لحق المواطنين في الوصول إلى المعلومات، وطالبت أيضاً بسرعة "وقف جميع الانتهاكات الحقوقية المرتكبة في سيناء، ورفع القيود المفروضة على وسائل الإعلام عموماً، وفي ما يتعلق بتغطية الأوضاع في سيناء خصوصاً".
جدير بالذكر أن هذه الاشتباكات وقعت في المجمّع الحكومي الرئيسي في شمال سيناء، الذي يضمّ مديرية الأمن، ومكتب المخابرات العامة، ودار القضاء، ومقر المحافظة.
ورغم مرور 10 أيام على الواقعة، لم تعترف السلطات المصرية رسمياً بوقوع الاشتباكات، ولم تتمكن معظم المنافذ الإعلامية المستقلة من الإبلاغ عنها. وفي ظل غياب المعلومات الرسمية والتقارير المستقلة، انتشرت الشائعات، وتواترت التساؤلات عن حقيقة ما حدث بالفعل.
وقالت المنظمات: "يُعَدّ غياب الشفافية حول حقيقة الأوضاع في سيناء جزءاً من قيود أوسع فرضتها الحكومة المصرية على الوصول إلى المعلومات ووسائل الإعلام المستقلة في مصر، ليس فقط في القضايا المتعلقة بالأمن، وإنما أيضاً طريقة إداراتها للأزمة الاقتصادية. إذ تجرّم المادة الـ 35 من القانون رقم 94 لسنة 2015 بشأن مكافحة الإرهاب؛ نشر أو تداول أية أخبار تتعارض مع تصريحات وزارة الدفاع بشأن هجمات المسلحين في مصر، وبالتالي احتكرت السلطات وحدها المعلومات كافة حول سيناء والوضع الأمني فيها".
وفي يونيو/حزيران 2020، هدد المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، أعلى هيئة منظمة للإعلام، باتخاذ إجراءات قانونية بحق الصحافيين ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، إذا تعارضت تقاريرهم حول سيناء مع رواية الحكومة. وبموجب المادة الـ 94 من القانون رقم 180 لسنة 2018 بشأن تنظيم الصحافة والإعلام، يحق للمجلس حظر المحتوى الإعلامي أو الأمر بحذفه، وفقاً لمعايير غير محددة بدقة.
وتابعت المنظمات المذكورة في بيانها: "يفاقم من صعوبة الوصول إلى معلومات دقيقة حول الوضع في سيناء، القيود المفروضة منذ عام 2013 على الوصول المادي لشبه جزيرة سيناء، وخصوصاً لوسائل الإعلام المستقلة، ومنظمات المجتمع المدني. وفي بعض الأحيان تفرض السلطات المصرية حظراً تاماً على وصول المصريين إلى سيناء من طريق البر، مكتفية باستثناءات محدودة لأولئك الذين يمكنهم إثبات محل إقامتهم أو عملهم في سيناء".
كذلك، "تخضع سيناء فعلياً لحالة الطوارئ منذ ما يقرب من عقد كامل. وتمنح المادة الـ53 من قانون مكافحة الإرهاب، الرئيس الحق في اتخاذ تدابير للحفاظ على الأمن والنظام العام، بما في ذلك إخلاء أو عزل بعض المناطق، وفرض حظر التجوال، ومهدت الطريق للقرار الجمهوري رقم 442/2021 الذي فرضت من خلاله السلطات إجراءات أمنية مشددة على سيناء".
وأضافت المنظمات: "ورغم القيود المفروضة على الوصول إلى المعلومات، وثقت وسائل إعلام مستقلة ومنظمات حقوقية، مجموعة من الانتهاكات الجسيمة بحق المدنيين في سيناء، سواء ارتكبتها قوات الأمن المصرية أو المليشيات الموالية للجيش أو الجهاديين. وتتضمن هذه الجرائم: التهجير القسري وهدم المنازل والاعتقالات التعسفية الجماعية والتعذيب والقتل خارج نطاق القانون. كذلك عانى سكان سيناء من قيود شديدة على التنقل، وتعليق متكرر لخدمات الإنترنت والاتصالات. ومع ذلك، لا يمكن الكشف عن الحجم الحقيقي لانتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في سيناء في ضوء حملة السلطات القمعية على وسائل الإعلام المستقلة والمجتمع المدني، وغياب الشفافية".
وقالت المنظمات إن "الحق في الوصول إلى المعلومات مكفول بموجب المادة الـ19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، المنضمة إليه مصر".
وبحسب التعليق العام رقم 34 للجنة المعنية بحقوق الإنسان، الهيئة الأممية الرسمية المسؤولة عن تفسير العهد الدولي "يشمل الحق في الحصول على المعلومات حق وسائط الإعلام في الحصول على معلومات حول الشؤون العامة، وحق الجمهور في تلقي ما تنتجه وسائط الإعلام. ولإعمال الحق في الوصول إلى المعلومات، ينبغي للدول الأطراف أن تتيح للعموم بصورة استباقية معلومات حكومية ذات أهمية عامة. وينبغي للدول الأطراف أن تبذل كل الجهود لضمان الحصول على هذه المعلومات بطريقة سهلة وفورية وفعالة وعملية".
كذلك، فإن ممارسة هذا الحق، بحسب التعليق، قد تكون محدودة في ظروف معينة، بما في ذلك حماية أمن الدولة، ولكن يجب أن ينص القانون على هذه القيود، وأن تكون ضرورية لحماية المصالح المشروعة، ومتناسبة. ولكنّ عقداً كاملاً من حظر التغطية الإعلامية في سيناء لا يفي بهذه المعايير.