نددت 21 جمعية ومنظمة حقوقية وهيئات وطنية في تونس بالقمع البوليسي الذي استهدف المتظاهرين في ذكرى الثورة التونسية الجمعة الماضي، مؤكدة أن "القمع سيظل وصمة عار في تونس"، فيما أكدت أن القمع "يؤشر لسعي السلطة للتحكم في تونس بآليات غير ديمقراطية ومدنية لن تؤدي إلا إلى تغذية الغضب تجاه المؤسسة الأمنية، وإلى تعميق الأزمة بين المواطنين والدولة".
وحمّلت المؤسسات، في بيان أمس السبت، كلا من رئيس الجمهورية قيس سعيد ووزير الداخلية توفيق شرف الدين مسؤولية ما حدث يوم الجمعة من منع للمتظاهرين من الوصول إلى شارع الثورة، و"من استعمال شتى أشكال السب والشتم والإذلال النفسي، إضافة إلى استعمال خراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع والرصاص الصوتي لمنع تقدم المتظاهرين والاعتداء الهمجي بالضرب والاعتقالات التعسفية".
ومن بين الجمعيات والمنظمات التي وقعت على البيان، المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، ومنظمة البوصلة، ومنظمة محامون بلا حدود، وجمعية بيتي، والجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية، والنقابة التونسية للصحافيين.
وأعلنت عن عقد مؤتمر صحافي يوم الثلاثاء المقبل بمقر النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، لـ"تقديم معطيات إضافية عن التعاطي الأمني مع المتظاهرين يوم عيد الثورة وطرق الرد الجماعي عليه".
من جانبه، ندد عضو الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية أنور الزياني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، بالممارسات البوليسية التي حصلت يوم 14 يناير/ كانون الثاني، والتي طاولت نشطاء وباحثين وحقوقيين والعديد من المتظاهرين، مشيرًا إلى أنه "لم يكن هناك مبرر للقمع الذي حصل لا من الناحية السياسية ولا القانونية".
وأضاف الزياني أن "منع التظاهر فسح المجال للقوات الأمنية لاستعمال القوة"، مؤكدًا أن "حق التعبير والتظاهر في تونس لا يخضع لتراخيص من وزارة الداخلية. حرية التظاهر هي حرية مطلقة، ولا يمكن تسليط رقابة عليها من قبل السلطة السياسية".
وأوضح أن "القوات الأمنية تعاملت مع المحتجبن بطريقة همجية ووحشية، وبطريقة تعود إلى سنوات الاستبداد"، مبينًا أنه "لا مجال للعودة إلى هذا المربع".
وأشار إلى أن المحتجين رشقوا القوات الأمنية بالألوان (مواد طلاء) في نفس الفترة تقريبًا من العام الماضي، إلا أنه لم يجر التعامل مع المتظاهرين بردة الفعل التي تعامل معها الأمن خلال تظاهرات الجمعة، مضيفا أن "السلطة السياسية اليوم عادت بتونس إلى مربع الاستبداد".
بدورها، دانت رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات نائلة الزغلامي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، عنف القوى الأمنية يوم الجمعة، مشيرًة إلى أن "حق التظاهر مكفول بالدستور وبالمواثيق الدولية، ولا يمكن العدول عن المكاسب التي تحققت خلال الثورة مهما كانت الأسباب"، مبينة أن "قمع أي متظاهر، سواء كان ضد أو مع السلطة، غير مقبول".
ولفتت إلى أن "التعلل بالوضع الصحي لمنع التظاهر غير صحيح، لأن هناك تجمعات في وسائل النقل والأسواق الأسبوعية وفي المدارس العمومية ولم يتم منعها"، مؤكدة "عدم وجود مبرر لاستعمال الأمن المياه والرصاص الصوتي والعنف المفرط".
وقالت المتحدثة: "لا مبرر للقوة وللقمع"، مؤكدة أن "السياسي الذي يمنع التظاهر مخطئ، لأنه يمنح مشروعية للمتظاهرين على أنهم على حق وهو على باطل، كما أن التظاهر بالفعل حق. فلماذا يحرم الناس من حقوقهم؟ وكأن قدر المناطق التي شهدت ثورات عربية التنكر للثورة ولدماء الشهداء بدل الحوار والتشاركية".
في غضون ذلك، أكّدت الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب أنّها رصدت خلال مراقبتها لسير تظاهرات يوم 14 يناير/ كانون الثاني بالعاصمة "إفراطا في استخدام القوّة ضدّ المتظاهرين، وإمعانا في إهانة وتعنيف من تمّ إيقافهم حتّى بعد السّيطرة عليهم وتقييد حركتهم".
وبينت الهيئة، في بيان لها أمس السبت، أنها عاينت استخداما للقنابل المسيلة للدّموع والمفرقعات الصّوتيّة وخراطيم المياه لتفريق المتظاهرين، إضافة إلى "الاعتداء اللّفظي والبدني على العديد من المواطنين والإعلاميّين والحقوقيّين"، مؤكدة أنه "تمّ اختراق صفوف المتظاهرين بواسطة الدرّاجات الناريّة والسيّارات الأمنيّة، الأمر الذي أسفر عن إصابة عدد منهم".
وتابعت: "التواجد الأمني كان مكثفا وسط العاصمة، ولا سيما في محيط شارع الحبيب بورقيبة الذي تمّ تطويقه بالكامل وإغلاق كلّ المنافذ المؤدّية إليه"، كما سجلت الهيئة "تأخير السّماح للمحامين بالدخول إلى المقرّات الأمنيّة لحضور عمليّة بحث منوّبيهم"، مشيرة إلى أنّ أعضاء الهيئة تعرضوا إلى التضييق من بعض الأمنيّين غير المؤطرين أثناء أدائهم لواجبهم المهني، رغم حملهم الشارات المهنيّة وارتدائهم ملابس مميّزة وظاهرة للعيان.
وأكدت الهيئة أنّها "تمكّنت من مقابلة الموقوفين في مقرّ الإدارة الفرعيّة للبحث في القضايا الإجراميّة بحيّ الخضراء، وكذلك الأمنيّين المشتكين الذين تعرضوا لإصابات أثناء تدخلهم لفضّ الاحتجاجات"، مبينة أنه "تمّ تعطيل دخول فريق زيارة تابع لها إلى المقرّ المذكور".
وأعلنت الهيئة أنّ "نتائج رصدها لممارسة الحريات في الفضاء العام ستكون موضوع تقرير مستقل ينشر لاحقا".