أكدت منظمات وجمعيات تونسية، خلال ندوة عقدت اليوم الجمعة في الذكرى الـ12 للثورة، ضرورة تحقيق استحقاقات الثورة التي من أجلها ناضل الشعب التونسي، في ظل التراجع الكبير للحقوق والحريات، مؤكدة أن الشعارات التي رفعت إبان الثورة "لم يتحقق منها شيء".
وقال رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بسام الطريفي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن أوضاع الحريات اختلفت في عدد من المراحل خلال 12 عاما، إذ عرفت مراحل ازدهار على مستوى الحقوق والحريات، في حين شهدت مراحل أخرى تعديا عليها وانتهاكا لها.
وأشار الطريفي إلى وجود مخاوف حقيقية على المكتسبات التي "تتآكل يوما بعد يوم"، وخاصة الحقوق المدنية والسياسية، مبينًا أن "هناك إقصاء واضحا للأحزاب وتقليلا من قيمة العمل السياسي".
وفيما أكد وجود تضييقات عدة على العمل السياسي التي ازدادت بشكل كبير في ظل المرسوم 54، أوضح أن المطالب التي خرج من أجلها المواطنون بعد ثورة "الحرية والكرامة" ليست بصدد التحقق، "فلا شغل ولا حرية ولا كرامة وطنية"، مبينا أن "المواطن التونسي لا يشعر اليوم بالأمن ويزيد فقرا والحقوق تتدهور".
وتنص المادة 24 من المرسوم عدد 54 لسنة 2022 الصادر في 13 سبتمبر/ أيلول الماضي على عقوبة "السجن مدة 5 أعوام وبغرامة قدرها 50 ألف دينار (نحو 16 ألف دولار) كل من يتعمّد استعمال شبكات وأنظمة معلومات واتّصال لإنتاج، أو ترويج، أو نشر، أو إرسال، أو إعداد أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو وثائق مصطنعة أو مزوّرة أو منسوبة كذبا للغير بهدف الاعتداء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني أو بث الرعب بين السكان".
وبحسب رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان، فإن "المناخ والبيئة غير سليمين للعيش.. تونس اليوم بعيدة جدا عن تحقيق الجيل الثالث والرابع لحقوق الإنسان، أي الحقوق البيئية والثقافية وغيرها"، مشيرًا إلى وجود عدة تخوفات على واقع الحريات.
وحول المبادرة التي دعت إليها منظمات وجمعيات لإنهاء الأزمة السياسية، قال رئيس الرابطة إن المبادرة "ستسعى إلى فتح باب الحوار للارتقاء بالوضع العام ومحاولة إخراج البلاد من الأمة التي تعيشها"، مؤكدًا أن المبادرة ستقتصر على المنظمات، وقد توسّع دائرة التشارك لاحقًا لتشمل الأحزاب، و"الاستماع إلى رؤيتها، فلا بديل عن الحوار".
وبشأن تعدد المبادرات، وإن كانت تشتت الجهود، بين أن "هذا التوجه لن يشتت الجهود، فكل المبادرات تشترك في الهدف، وهو إخراج البلاد من الأزمة التي تعيشها".
من جانبه، أكد رئيس الهيئة الوطنية للمحامين حاتم مزيو، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن المكسب في ثورة "الحرية والكرامة" الذي تحقق لا يمكن التفريط فيه، داعيا إلى "إعداد خريطة طريق جديدة لتنفيذ إصلاحات هيكلية".
وتضم المبادرة التي أُعلن عنها 4 منظمات في الوقت الحالي، وهي اتحاد الشغل والهيئة الوطنية للمحامين والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، فيما أكد مزيو الانفتاح على عدة جمعيات ترغب في الانضمام للمبادرة.
وقال رئيس الهيئة الوطنية للمحامين: "لا بد من تنفيذ سياسة حكومية تتناغم مع خطابات رئيس الجمهورية، لا أن تبقى الخطابات في جهة والسياسات في جهة أخرى.. تحقيق عدالة حقيقية لا تقوم على إثقال كاهل المواطن بالجباية، وتفقير الشعب المفقر أصلا"، مبينا أن "العزوف الكبير عن المشاركة في الانتخابات كان رسالة لا بد من تلقيها، ولا بد من سياسات إصلاحية، فالجميع تقريبا يتفق على تشخيص الوضع، وعلى أن الأزمة غير مسبوقة".
"الخطاب الشعبوي لن يصلح الأوضاع"
وأكدت رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، نائلة الزغلامي، أن "الذكرى الـ12 للثورة تمر باهتة، في ظل أزمة سياسية حادة وفقدان الثقة بين المواطنين والشعب"، مؤكدة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "هذه الذكرى تأتي في ظل أزمة على جميع المستويات، اجتماعية واقتصادية وسياسية"، مشيرة إلى أنهم "سيبقون صمام الأمان ولن يسمحوا بانهيار الدولة".
وأوضحت الزغلامي أن "المرور بالقوة لن ينجح ولن تفلح عملية فرض أجندات لا علاقة لها بالشعب التونسي"، مضيفة أنه "جرى إقصاء النساء والشباب عمدا من المشهد السياسي"، وأنهم سيكونون موجودون في ذكرى الثورة السبت، ولديهم تجمع احتجاجي ببادرة من الائتلاف المدني أمام نقابة الصحافيين، ثم سيتوجهون إلى شارع الثورة، شارع الحبيب بورقيبة، لأنه "لا يمكننا التخلف عن هذا الموعد، فلا بد لصوتنا أن يصل إلى السلطة بأن النساء رقم صعب على السلطة السياسية".
وشددت على أنه "لا مجال للعودة للوراء، ولا سبيل للخروج من الأزمة إلا بالحوار، ولا يمكن السكوت أمام الإنتهاكات مثل التي ترتكب ضد القضاة وعمليات التنكيل المتواصلة"، مشيرة إلى أن "الخطاب الشعبوي لن يصلح الأوضاع".
وأوضحت أن "انسداد الأفق والاتهامات المجانية وخطاب التخوين تؤكد الفشل السياسي الذريع في إدارة الدولة"، مبينة أن "المطلوب رصّ الصفوف والإيمان بالطاقات وتحقيق العدالة الاجتماعية.. النضال متواصل وسيكون دائما ضد الاستبداد".
ويرى عضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية علاء الطالبي، خلال حديث مع "العربي الجديد"، أن هذه الذكرى "تأتي في ظل وضع غير مسبوق وعدم التزام سياسي بوضع مسار تنموي جديد يحقق العدالة الاجتماعية، ويطبق الاتفاقات المنصوص عليها"، مشيرًا إلى "وجود حالة من السخط العام جراء الأزمة الخانقة.. هناك انسداد أفق، ما يكشف عن أن سنة 2023 ستكون سنة احتقان اجتماعي كبير".