منتدى فلسطين: مقاربات بحثية في 70 ورقة علمية

10 فبراير 2024
تختتم دورة المنتدى الثانية الاثنين المقبل (العربي الجديد)
+ الخط -

عقد المنتدى السنوي لفلسطين، الذي انطلقت دورته الثانية، اليوم السبت، في العاصمة القطرية الدوحة، جلستين تناولت كل واحدة أربعة مسارات فرعية متوازية، ناقشت كل منها عنواناً محدداً، وشارك في كل مسار ثلاثة متحدثين. 

وتتضمن دورة المنتدى الثانية، التي تختتم الاثنين المقبل، 70 ورقة علمية محكّمة، اختيرت من ضمن 520 طلبًا للمشاركة (قُبل منها 200 مقترح)، إضافةً إلى عدد من الندوات العامّة.

وفي جلسة عنوانها "فلسطين في السياق الدولي"، تناول مدير المركز الأوروبي للدراسات الفلسطينية في جامعة إكستر في المملكة المتحدة، إيلان بابيه، (السلطة والمال والأخلاق: اللوبي المؤيد للصهيونية على ضفّتي الأطلسي)، مشيراً إلى أنّ الصهيونية كانت مشروعًا مسيحيًا إنجيليًا قبل أن تصبح مشروعًا يهوديًا، وأنه عندما اندمج اللوبيان الإنجيلي المسيحي والصهيوني في "لوبي" واحد على ضفّتي المحيط الأطلسي، أصبح قويًا بما فيه الكفاية للتأثير في السياسة البريطانية تجاه فلسطين العثمانية.

وبينما تطرّقت الباحثة ماندي تيرنر، إلى الصراع بين النخب السياسية ومجموعات المجتمع المدني الداعمة للصهيونية وإسرائيل من جهة، والجمهور ومجموعات المجتمع المدني الساعين إلى تغيير فهم الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني في المملكة المتحدة من جهة أخرى، وعرجت إلى تطورات هذا الصراع وتسارعه بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

منتدى فلسطين (العربي الجديد)

ولفت المحاضر في معهد العلوم السياسية في الجامعة الألمانية في ميونخ، يان بوصة، إلى أنّ استراتيجية التدويل التي بدأتها منظمة التحرير الفلسطينية في سبعينيات القرن العشرين، قد أدت لاحقًا إلى اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بفلسطين دولة مراقبة غير عضو، ورأى أنه رغم أن فلسطين ليست كاملة العضوية في الأمم المتحدة، إلا أن الدبلوماسية الفلسطينية أثّرت في نظرة النظام العالمي برمّته.

حركات التضامن العربي

وشارك ثلاثة باحثين في مسار "فلسطين وحركات التضامن العربية"، وتناول الباحث والأكاديمي المغربي، عمر إحرشان، "حركات التضامن مع فلسطين: دراسة حالة المغرب"، لافتاً إلى أن ثمّة تمايزا، يصل في كثير من المحطات إلى تناقض، بين مغرب رسمي يتحلل من التزاماته تجاه القضية الفلسطينية، ومغرب "غير رسمي" يستمر في تضامنه معها، لكنّ تفاعله يخفت بسبب عوامل متعددة في مقدمتها الإفراط في استعمال الأيديولوجيا والسياسة وتعدد إطارات التضامن وصعوبة التنسيق بينها".

وقدم أستاذ التاريخ في جامعة أم البواقي في الجزائر، ورقة عن" القضية الفلسطينية بين الموقف الشعبي والخطاب الرسمي الجزائري: مقاربة تاريخية"، رصد فيها وعي الجزائريين وتفاعلهم مع القضية الفلسطينية، وكيفية احتلالها صدارة اهتمام الحركة الوطنية، ومن ثم تفاعل الموقف الشعبي وتشكّل الخطاب الرسمي الجزائري تجاه القضية الفلسطينية.

في السياق ذاته، تناول الأستاذ في جامعة باجي مختار بعنابة، مصطفى بوصبوعة، أسباب دعم الألتراس في الجزائر للقضية الفلسطينية عبر خطاباتهم اللفظية والبصرية، مجادلًا أن الألتراس في نضالهم ضد الحرمان والإقصاء يجدون في نضالات الفلسطينيين ضد الاحتلال نموذجًا يعبّر عنهم ويُعبّرون عنه في كل مباراة برفع علم فلسطين وهتافات لدعم المقاومة الفلسطينية. 

حق العودة

وضمت جلسة "في حق العودة الفلسطيني"، ثلاث أوراق، إذ قدّم المحاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط والعلوم السياسية في جامعة رتغرز في نيوجيرسي، عبد الحميد صيام الورقة الأولى التي تناول فيها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 والتفاصيل التي وردت فيه، وكيفية ربطها الاعتراف بإسرائيل بهذا القرار وقرارها الخاص بالتقسيم رقم 191، وتتبع فيها حق العودة في إطار القانون الدولي.

ورأى صيام أن حق العودة هو جوهر القضية "وأن التنازل عن حق العودة هو تنازل عن القضية الفلسطينية". وفي سياق متصل، تناول المحامي ناصر ثابت في ورقته، إمكانية معاقبة القيادة الإسرائيلية على استمرارها في حرمان اللاجئين الفلسطينيين من حقهم في العودة باعتباره جريمة ضد الإنسانية أمام المحكمة الجنائية الدولية.

وسلطت الباحثة في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، نورس المناصرة، الضوء على حالة قرية فوكين الفلسطينية، التي هجّر الاحتلال الإسرائيلي أهلها عام 1953، ليستطيعوا العودة إليها عام 1972 في حدث استثنائي وبطولة غير مسبوقة، لتكون القرية الفلسطينية الأولى والوحيدة التي استطاع أهلها العودة إليها بعد نكبة 1948.

الأرشيف المسروق

وانعقد المسار الأخير للجلسة الأولى، تحت عنوان "استعادة الأرشيف المسروق"، وتحدثت مخرجة الأفلام الوثائقية، عزة الحسن، عن "منهجية جديدة لاستكشاف الصور والأفلام الناجية من النهب الاستعماري"، وقالت إنّ نهب الدولة الإسرائيلية وتدميرها المنهجي للأفلام والصور الفلسطينية يؤثران في الصور والأفلام الناجية من هذا النهب، ويغيّران كيفية ارتباط المجتمع والثقافة الفلسطينيين معها.

أمّا الأستاذ في دائرة التاريخ والآثار في جامعة بيرزيت، نظمي الجعبة، والذي أطل من القدس عبر تقنية الاتصال المرئي، فعرض في ورقته مجالات استخدام أرشيف دائرة الآثار الفلسطينية في حقبة الانتداب البريطاني في كتابة تاريخ فلسطين الحديث والمعاصر.

وقدمت مديرة المكتبة والأرشيف في الجامعة العربية الأميركية في فلسطين، رولا شهوان، ورقة بعنوان "الأرشيف الفلسطيني المنهوب موضوعا رئيسا في الأفلام الوثائقية الإسرائيلية"، وأظهرت كيفية استخدام صانعي الأفلام الإسرائيليين للأفلام الوثائقية لإنتاج سردية تاريخية تعتمد على الأرشيفات الفلسطينية المنهوبة والمخزّنة في أرشيفات الدولة الإسرائيلية، موضحةً دور الهيمنة على الأرشيفات في التحكم وتقديم السردية التي تتماشى مع خطاب السلطة الجامعة.

ومن أجل فهم أعمق للأسباب الكامنة وراء تقديم هذا الخطاب المختلف الذي يتعارض في ظاهره مع الخطاب الاستعماري السائد في إسرائيل، فككت شهوان الخطاب السردي المغاير للرواية الرسمية الإسرائيلية المقدم في ثلاثة أفلام وثائقية إسرائيلية، هي: "المنهوب والمخفي" Looted and Hidden لرونا سيلا، و"الغنيمة" Shalal لكارنيت عاندال، و"الطنطورة" Tantura لألون شفارتز.

 ويقول المتقاعد سمير مصطفى أبو دهيس، (مواليد حيفا 1937)، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن العصابات الصهيونية "الهاغانا" نهبت إبان النكبة عام 1948 ما يزيد عن 130 ألف كتاب من المكتبات الفلسطينية في جميع مدن وقرى فلسطين المهجرة أودع منها ما يقارب 90 ألفاً في المكتبة الوطنية الإسرائيلية، والباقي سرق أو فقد في الطريق.

وقال إنه في سنة 1950 قررت المكتبة الإسرائيلية التخلص من 30 ألف كتاب لأنها تتعارض مع المعتقدات الصهيونية وقامت بتقطيعها وبيعها كنفايات ورقية.

كما أجرت إدارة المعارف الصهيونية بمطلع سنوات الستين، مزادا لبيع الكتب التي حفظتها بمخازنها، ويُقدر عددها بـ40 ألف كتاب بعد أن مزق أكثر من نصفها. 

وأوضح أبو دهيس أنه لغاية عام 2011، لم يحصل سوى على ست كتب عن مرحلة ما قبل النكبة، كاشفا أن شغفه بجمع التراث الفلسطيني، قاده في 2012، لشخص وضع إعلاناً على موقع بالشبكة العنكبوتية، بأنه يملك نسخة من "صحيفة الدفاع" الصادرة في يافا عام 1945، وبعد التواصل معه، أقر بأنه يملك الكثير من الكتب والمطبوعات الفلسطينية

ويضيف: "اشتريت منه 200 كتاب و200 جريدة، وجدت عليهم أختامًا عبرية، وإهداءات من أسماء معروفة في فلسطين لكن باللغة العبرية، واستغربت كيف وصلت هذه الكتب إلى هذا الشخص الذي ادعى أنه اشتراها عبر مزاد أعلنت عنه المكتبة الوطنية الإسرائيلية".

وبقي أبو دهيس يشتري من هذا الشخص لغاية 2023، حتى أصبح لديه في المتحف قرابة 600 كتاب و600 جريدة من المطبوعات التي سرقت عام 1948. وأصدر كتابًا حمل عنوان "سرقة الكتب الكبرى – فلسطين 1948، الاسترداد"، صدرت طبعته الأولى في عمّان 2023.

سياسة الهيمنة

وانعقدت الجلسة الثانية للمنتدى في أربعة مسارات فرعية متوازية أيضًا. في جلسة "النكبة: رؤى من خلال سجلات الأرشيف"، أضاء الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بلال شلش على بعض جوانب النقد الذاتي من أهل فلسطين أثناء حرب 1947-1949، من خلال إبراز أصوات مقاتليهم في المنطقة الوسطى، ونظرتهم إلى موقفهم في الحرب وحدود الدور العربي فيها.

وتتبع الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، محمود محارب، في ورقته كيفية تمكن الحركة الصهيونية وإسرائيل من تجنيد نحو 26700 فرد للجيش الإسرائيلي من خارج البلاد في أثناء حرب 1948، والدور الذي أدّوه في تأسيس العديد من الأسلحة وتزويد الجيش الإسرائيلي بالعديد من الخبرات العسكرية.

أمّا الباحث هاشم أبو شمعة، فتطرق إلى قصة مجزرة الطنطورة، مجادلًا بأنّ استغلال دولة الاحتلال لعمالة الفلسطينيين المقتلعين من الطنطورة يبرهن على الدور المركزي لمنظومة العمالة في التحكم في الفلسطيني واقتلاعه من أرضه.

وفي جلسة "الاستيطان في الضفة"، بيّن الباحث في المركز العربي للبحوث الاجتماعية والتطبيقية، مدى الكرمل في حيفا، إمطانس شحادة، ومسؤولة النشر في المركز نفسه، إيناس خطيب، أنّ إسرائيل تستخدم سياسات اقتصادية اجتماعية متنوعة تتلاءم مع احتياجات المشروع الاستعماري الاستيطاني، إذ تتبنى الحكومات الإسرائيلية سياسة اقتصادية نيوليبرالية صهيونية داخل الخط الأخضر، بينما تتبنى سياسة اقتصادية اجتماعية صهيونية في المستوطنات.

وركزت الباحثة في مركز معلومات وادي حلوة في القدس، ملكة عبد اللطيف، على ظاهرة الاستيطان الديني في القدس باعتبارها ظاهرة تمخضت عن مركزية تيار الصهيونية الدينية في الآونة الأخيرة، من خلال دراسة حالة جمعية إلعاد، التي تُعدُّ ذراعًا حكومية تساند إسرائيل في برامجها الاستيطانية من خلال الأدوار التربوية والتعليمية والسياحية التي تقوم بها.

وقدم الورقة الأخيرة في هذه الجلسة، الباحث فراس القواسمي، جادل فيها بأنّ التغيير البنيوي في بعض وزارات حكومة الاحتلال المرتبط بالاستيطان، وتحديدًا وزارة الأمن، المتمثل في وجود بتسلئيل سموتريتش وزيرًا ثانيًا يُشرف على الإدارة المدنية المنوط بها إدارة التوسع الاستيطاني، ما هو إلا أداة لتطبيق معتقدات عميقة لديه بضرورة وجود ثورة في الاستيطان.

القدس

أمّا جلسة "القدس: سياسات المحو والمقاومة"، فضمّت ثلاث أوراق، وقدّمت الباحثة نادرة شلهوب كيفوركيان الورقة الأولى، التي طرحت فيها مصطلح "الإهالة" اعتمادًا على أصوات المقدسيين، وتحلله بصفته حيزًا متغير الدلالات، يُمكّن من كشف التغييرات في ديناميات القوى في واقع استعماري استيطاني يحاول فيه المستوطن استلاب المجتمع المحلي من خلال عنف الاقتصاد السياسي (المحلي والعالمي) للدولة الصهيونية.

وتطرقت الباحثة كيت روحانا إلى العوائق التي تحول دون حصول الفلسطينيين في القدس على تمثيل سياسي مناسب، وتتبعت الفرص الممكنة التي يتعيّن على الفلسطينيين المقدسيين الانخراط فيها بحريّة، في الانتخابات المحلية والوطنية، من أجل اختيار تمثيلهم السياسي.

وناقشت الباحثة سبينوزا النجار، من خلال حالة حي وادي الحلوة في قرية سلوان المقدسية، دور المجتمع المدني الاستيطاني الإسرائيلي في عمليات تهميش الفلسطينيين، والتهويد، واستخدام علم الآثار والسياحة التراثية من أجل ذلك.

وانعقد المسار الأخير للجلسة الثانية بعنوان "نظام الأبارتهايد والهيمنة الاستعمارية الإسرائيلية"، فرصد مدير المركز العربي لحقوق الإنسان "المرصد في الجولان، نزار أيوب، أبرز معالم نظام الفصل العنصري "الأبارتهايد" الإسرائيلي في فلسطين في القانون والممارسة، الذي يستهدف الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، واللاجئين الفلسطينيين المحرومين من ممارسة حقهم المشروع في العودة إلى ديارهم.

ومن خلال تناول حالات الجزائر وجنوب أفريقيا وفلسطين وربط القانون المقارن بسياق تاريخي، قال الباحث ساري عرّاف، في ورقته، إنّ الفصل العنصري في جوهره تحديث لنظام قانوني محكوم بالمخاوف الديمغرافية المبنيّة على أساس عنصري في مستعمرات الأقليّات الاستيطانية.

وفي سياق متصل، عالجت الباحثة أريج صباغ - خوري، طبيعة التفاعلات بين المستعمرين اليهود والسكان الفلسطينيين الأصلانيين، وكيفية صياغة فاعلية الفلسطينيين في المشهد السياسي في إسرائيل، في ظل الطابع الجدلي للتغيير السياسي في السياق الكولونيالي الاستيطاني.