تواصلت اليوم، الإثنين، أعمال الدورة السابعة لمنتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية، الذي ينظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، حيث بحث في جلسته الأولى، التي ترأستها هند المفتاح، موضوع "صناديق الثروة السيادية والسياسات الاستثمارية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية".
وعرض نائب رئيس كلية المجتمع في قطر خالد شمس العبد القادر، في الجلسة التي بثت بسبب جائحة كورونا عبر منصة "زوم" وحسابات المركز العربي على مواقع التواصل، تجارب دول مجلس التعاون واستراتيجياتها في إدارة صناديقها، ودورها في تعزيز اقتصاديات الدول المالكة لها، مسلطاً الضوء على كيفية مساهمتها في تحسين مؤشرات اقتصادية مهمة، مثل دورها في التصنيف الائتماني، وفي تعزيز الإنفاق الحكومي، واستقرار اقتصاداتها.
ولفت العبد القادر إلى أن الثروة المالية التي أسستها الصناديق السيادية لموازنات دول المجلس أضحت تخدم الاقتصاد العالمي بصفة ملحوظة، من خلال دعم الأسواق المالية والأصول الحقيقية في تلك الدول المضيفة لأموال تلك الصناديق. لكنه قال إن "دول المجلس أصبحت تستعمل الصناديق السيادية من أجل تحقيق مآرب سياسية، بعدما اعترتها الخلافات في التوجهات السياسية ضمن البيت الخليجي، وذلك بتوظيفها أداةً من أدوات القوة الناعمة".
وناقش الأستاذ المشارك في قسم الاقتصاد في كلية العلوم الإدارية بجامعة الكويت نايف نزال الشمري "السياسات الاستثمارية لصناديق الثروة السيادية الخليجية: بين الاستدامة والتحديات المستمرة"، بوصف الصناديق السيادية "موردًا استثماريًا يعزز الاقتصاد الوطني ويساهم في تحقيق الاستقرار والتنمية الاقتصادية، بعيدًا عن مورد النفط، فلا تبقى الصناديق رهينة التقلبات الحادة في أسعار النفط على المدى الطويل، والذي ينعكس على وضع الموازنة العامة، ولا سيما مع وجود اقتصادات غير قادرة على التنوع".
وفي واقع التحديات التي تواجهها الصناديق السيادية، يرى الشمري أن هناك تهديدًا رئيسًا لاستدامة صناديق الثروة السيادية لدول الخليج العربية على المدى البعيد، يتعاظم مع تراجع العائدات النفطية، وتواضع أداء الاستثمارات الأجنبية المباشرة، واستمرار التعقيدات في الإجراءات البيروقراطية، فضلًا عن استمرار التحديات الأخرى المتمثلة في انكشاف مصدر التمويل لنشاطات صناديق الثروة السيادية لدول الخليج العربية على التقلبات في الإيرادات النفطية، وذلك إلى جانب غياب الشفافية والحوكمة في ممارسة نشاطات الصناديق، على نحو قد يجعل الغموض المحيط بنشاطاتها عائقًا للاستمرار في النجاح، لا سيما مع وجود ضغوط دولية مستمرة، والضغوط الناشئة من تمويل العجز في الموازنة العامة، ووضع الاقتصادات الخليجية من حيث استقرارها المالي والاقتصادي وتنافسية القطاعات في الاقتصاد.
وقال الشمري إن "القيام بإصلاحات سياسية واقتصادية في دول الخليج، مع وجود إرادة حكومية جادة، من شأنه أن يدفع ببرامج مالية واستثمارية نافعة للاقتصاد، لتتوافق مع تحقيق أهداف تأسيس الصناديق السيادية في سبيل تنويع مصادر الدخل".
من جهتها، تناولت الباحثة في مركز الجغرافيا الاقتصادية ومركز الطاقة العالمي لدى المجلس الأطلسي، ومعهد دراسات الخليج العربي في واشنطن سارة بازبوندي، في ورقة قدمتها في المنتدى، تاريخ صناديق الثروة السيادية والرؤى الوطنية الخليجية على مدى العقدين الماضيين، حيث أدت زيادة عائدات تصدير النفط والغاز إلى زيادة تراكم الأصول الخاضعة لإدارة هذه الصناديق، التي تُصنّف بعضها بأنها أكبر صناديق ثروة سيادية قائمة على السلع في العالم.
ورأت بازبوندي أنه نتيجة لذلك "ابتعدت بعض الدول عن الاستعانة بمصادر خارجية لإدارة ثرواتها، وبدأت في تطبيق استراتيجيات عملية تتطلب توسيع قدراتها التنظيمية وخبراتها المحلية، حيث أدت هذه التوسعات إلى إنشاء مؤسسات جديدة، تضاف إلى صناديق الثروة السيادية الرئيسة لتلك الدول، تُستخدم غالبًا للاستثمار في قطاعات محددة ولأغراض محددة، من بينها إنشاء الإمارات العربية المتحدة شركة مبادلة للاستثمار كأحد أشهر صناديق الثروة السيادية فيها، وذلك لتسهيل نقل المعرفة والتكنولوجيا من خلال الاستثمارات".
وأشارت إلى أن "تراجع سوق النفط العالمية أثر في تغيير هذه الاستراتيجيات، فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، قررت دول في مجلس التعاون تعزيز المؤسسات الاستثمارية الخاضعة لسيطرة الدولة"، مضيفة أن "المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان اتخذت خطوات فعلية نحو تجميع الأصول الخاضعة لإدارة مؤسساتها الاستثمارية الأصغر، حيث أُدرجت بعض هذه القرارات في رؤى تلك الدول، وأصبحت من ثمّ جزءًا من استراتيجياتها الاقتصادية الأوسع".
دول الخليج وإيران
إلى ذلك، ناقشت الجلسة الثانية لمنتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية، التي أدارها الباحث يعقوب الكندري، علاقات دول مجلس التعاون الخليجي مع إيران، حيث تطرق أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة الكويت، محمد غانم الرميحي، لأسس العلاقات الخليجية - الإيرانية وآفاقها المستقبلية، استنادا إلى السياسة الخارجية الإيرانية، وردود فعل دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية عليها.
وقال الرميحي إن "التطلع إلى توسيع النفوذ الإيراني تجاه منطقة الخليج ليس جديدًا على السياسة الخارجية الإيرانية؛ إذ بدأ ذلك مع الشعور (القومي) الإيراني في أعقاب الثورة الإسلامية في إيران، المدفوع بالقرب الجغرافي وبفهم محدد لتاريخ المنطقة القديم، واستمر مع ظهور ثروات ضخمة في منطقة الخليج؛ بسبب اكتشاف النفط وتسويقه وتصديره إلى العديد من البلدان".
وبيّن أن حيثيات الخلاف بين دول الخليج وإيران خلاف سياسي بين مشروع إيران الذي يستند إلى التفسيرات الدينية في إدارة المجتمع والدولة والعلاقات مع الخليج والإقليم، والذي لم يعد قادرا على الوفاء بمتطلبات العصر الحديث، نظرًا إلى ارتفاع معدلات الفقر والجريمة وانعدام الحقوق المدنية وغياب الرعاية الصحية، و"مشروع خليجي حداثي يسعى إلى توفير الحد الأدنى من مقومات الدولة أو دولة الرفاه، التي ترغب في تقديم خدمات لمواطنيها وتقديم مؤسسات عامة وخاصة قوية، يرتفع فيها متوسط الدخل، ويقل مستوى الفقر، وتتوافر فيها خدمات التعليم والرعاية الصحية".
وناقش أستاذ شؤون الأمن القومي في مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية في جامعة الدفاع الوطني جودت بهجت، السياسة الخارجية الإيرانية في الخليج من محمود أحمدي نجاد إلى حسن روحاني، مشيرا الى وجود اختلافات كبيرة في سياسات طهران الخارجية والدفاعية، في عهدي الرئيسين محمود أحمدي نجاد وحسن روحاني، لكن ذلك "لا ينفي وجود قدر كبير من الاستمرارية - كما قال- فالسياسة الخارجية لأي دولة تصاغ في ضوء المصالح الوطنية المفترضة، إضافة إلى التوجه الأيديولوجي والموقع الجغرافي والتجربة التاريخية".
وعرض بهجت لأوجه التشابه والاختلاف بين الإدارتين، وتناول كذلك دوافع السياسة الخارجية والدفاعية الإيرانية، وفحوى ذلك أن سياسة إيران، مثل سياسة أي دولة أخرى، تعكس التوجه الأيديولوجي، وتصور القادة للمصالح الوطنية.
وفي هذا السياق، خلص بهجت إلى أربعة استنتاجات رئيسة في هذا الصدد، وهي أن الرئيس يؤدي دورًا في تشكيل السياسات وتنفيذها، وفقًا للدستور الإيراني، وعلى هذه الأرضية اتسمت سياسة إيران بالاتساق منذ قيام ثورة 1979، و"في ظل إدارتي أحمدي نجاد وروحاني كانت موارد إيران المالية اللازمة للاستثمار في تطوير قدراتها العسكرية أقل بكثير من إسرائيل ومعظم جيرانها العرب"، وأن الاختلاف بين الرئيسين أحمدي نجاد وروحاني، يكمن في الأسلوب، فـ"الأول يميل إلى الصدام، بينما يميل الثاني إلى التوافق".
بدوره، ناقش الأستاذ المشارك في كلية بوش للإدارة الحكومية والخدمة العامة في جامعة تكساس إي أند أم، محمد آية الله طبار، السياسة الخارجية الإيرانية بعد روحاني، مقدما تحليلا للقوى المحركة لسياسة إيران في الشرق الأوسط في عهد الرئيس الحالي، ومسارها المحتمل بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2021، لافتا إلى أن "انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، والتغيير اللاحق في ميزان القوى الداخلية الإيرانية، أديا إلى تبني طهران نهجًا أكثر تشددًا في الخليج".
كما تناول الدور المركزي للعراق في سياسة إيران الإقليمية، منبها إلى أن عاملين آخرين مهمين سيتركان أثرًا في سياسة إيران الإقليمية في السنوات المقبلة، أولهما العلاقات بين إيران والصين وروسيا، أما الثاني فيتمثل في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة.