مناورات ومراوغات حميدتي

29 نوفمبر 2022
الشعور بالمؤامرة وحده هو الذي يحرك حميدتي (محمود حجاج/الأناضول)
+ الخط -

يوم الأحد الماضي، وفي خطاب له، اعترض نائب رئيس مجلس السيادة السوداني وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) على سماح السلطات لتظاهرة بالوصول للقصر الرئاسي، وتقديم مذكرة تطالب بمحاسبة المتورطين في النزاع القبلي بمنطقة لقاواة، غرب البلاد.

اعتراض حميدتي، كما بيّنه أو لمّح إليه، يستند إلى أن السلطات التي سمحت بوصول أولئك المتظاهرين للقصر، هي ذاتها التي تمنع منذ انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 المحتجين على الانقلاب من الاقتراب من القصر، لدرجة أنهم يموتون من أجل تلك الغاية، ما يعني عنده وجود تمييز وفرز ما بين متظاهرين ومتظاهرين، حسب ما ذكره.

بذلك الاعتراض، يسعى حميدتي إلى إظهار حرص على العدل بين الناس، وتعاطفه مع المحتجين الذين حاول خطب ودهم، علماً أن حلم أولئك المحتجين ليس مجرد الوصول إلى محيط القصر، وإنما أبعد من ذلك بكثير، إذ يصل لإسقاط الانقلاب العسكري ومحاكمة قادته، ومنهم حميدتي نفسه. وإن كان له فعلاً اعتراض على منع المتظاهرين من الوصول للقصر، فعليه أن يفعل شيئاً، ولا سيما أنه الرجل الثاني في السلطة الحالية.

يظهر الخطاب الأخير للرجل أمام حشد من زعماء القبائل، وما سبقه من مواقف، الكم الهائل من التناقضات والمراوغات التي يعيشها قائد قوات الدعم السريع. فهو الذي صدع العالم بفشل الحكومة المدنية، وأقسم على الملأ بعدم الجلوس مع المدنيين حول طاولة حوار واحدة، وشاركت قواته في تنفيذ انقلاب 25 أكتوبر، وخرج للسودانيين ببيان مسجل وموثق يعلن فيه مباركته للانقلاب.

وفي الترتيبات الجديدة حجز مقعده باكراً، نائباً لرئيس مجلس السيادة، ومن ثم تفرج على قتل أكثر من 120 من المتظاهرين السلميين، وصمت عن التعامل العنيف مع أي حراك مناهض للانقلاب، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية وغيرها من الانتهاكات. 

ويأتي في هذه الأيام ليصدع الناس مرة أخرى، وبكل جرأة، بأنه مع الثورة والتغيير، ومع "الشوارع التي لا تخون"، وضد عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل العام 2019. وكل ذلك مضى فيه لولا أن تلك التظاهرة التي وصلت للقصر مست كبرياءه وغروره وشعوره بأن هناك ضرباً له تحت الحزام من داخل الصف الانقلابي، وخصوصاً أن الموكب طالب بمحاسبة قوات الدعم السريع على ما حدث في منطقة لقاواة.

نعم، الشعور بالمؤامرة وحده هو الذي يحرك حميدتي، ويدفعه إلى التمظهر والادعاء المخالف للأفعال بأنه على موقفه الداعم للثورة. ولم يثبت الرجل إلا عكس تلك الادعاءات، بدءاً من تشويهه صورة اعتصام محيط قيادة الجيش في 2019، مروراً بمشاركة قواته في فض الاعتصام، والذي كان بمثابة عمود فقري للثورة التي يتبجح حميدتي بدعمها.

من الغفلة بمكان أن تصدق القوى الثورية السودانية قائد قوات الدعم السريع مرة أخرى أو تستأمنه على أي شيء، وعليها أن تقتنع بقناعة الثوار بأن حميدتي وقواته جزء من المشكلة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون جزءاً من الحل.
 

المساهمون