تُظهر الصين، عبر التدريبات العسكرية الجديدة التي بدأتها أمس السبت، والتي تركز على "تطويق كامل" لجزيرة تايوان باسم "السيف الحادّ المتّحد"، التزاماً بتنفيذ استراتيجيتها القائمة منذ العام الماضي على مواصلة "دوريات الاستعداد القتالية المنتظمة" في المنطقة التي تشهد توتراً متصاعداً.
وعلى الرغم من أن بكين لم تحدد مواقع التدريبات بدقة، إلا أنها ذكرت أن المناورات ستستمر حتى يوم غد الاثنين. وتُعدّ الخطوة الجديدة تصعيداً آخر من الصين، رداً على سلسلة اللقاءات الرسمية بين مسؤولين أميركيين وتايوانيين، في تايوان والولايات المتحدة.
وتأتي في سياق التوتر المستمر، بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي السابق، نانسي بيلوسي، إلى تايبيه، في أغسطس/آب الماضي. وهي الزيارة التي شهدت إطلاق الجيش الصيني خمسة صواريخ بالستية، عبرت أربعة منها أجواء تايوان، وفق وزارة الدفاع اليابانية في حينه.
تدريبات صينية لتطويق تايوان
وذكر تلفزيون "سي سي تي في" الحكومي الصيني أن "التدريبات اليوم (أمس) تركز على القدرة على السيطرة على البحر والمجال الجوي والاتصالات، لإحداث قوة رادعة وتطويق كامل" لتايوان. ولم يحدد موقع التدريبات بدقة.
وأوضح أن التدريبات تجري بمشاركة مدمرات وزوارق سريعة قاذفة للصواريخ ومقاتلات وطائرات تموين وأجهزة تشويش. وقال المتحدث باسم الجيش الصيني شي يي في بيان، إن هذه المناورات تشكل "تحذيراً جدياً من التواطؤ بين القوى الانفصالية التي تسعى إلى استقلال تايوان والقوى الخارجية، وكذلك من أنشطتها الاستفزازية".
وأوضح أن المناورات التي تشمل "دوريات ضرورية لحماية سيادة الصين ووحدة وسلامة أراضيها". وأفادت السلطات البحرية في فوجيان، شرقي الصين، بأن مناورات بالذخيرة الحية ستجرى غداً الاثنين، في مضيق تايوان بالقرب من ساحل هذه المقاطعة التي تقع مقابل الجزيرة.
اخترقت 71 طائرة صينية الخط الأوسط لمضيق تايوان أمس
وحذّر المحلل العسكري سونغ تشونغبينغ، في حديثٍ لوكالة "فرانس برس"، من أن هذه التدريبات ذات البعد "العملياتي"، تهدف إلى إثبات أنه "إذا تكثفت الاستفزازات" فإن الجيش الصيني سيكون مستعداً "لتسوية مسألة تايوان بشكل نهائي".
أما تايبيه فاعتبرت أن المناورات تهدد "الاستقرار والأمن" في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. ودانت رئيسة تايوان تساي إينغ وين، أمس، ما وصفته بـ"النزعة التوسعية الاستبدادية" للصين، مؤكدة أن الجزيرة "ستواصل العمل مع الولايات المتحدة ودول أخرى، للدفاع عن قيم الحرية والديمقراطية".
أما وزارة الدفاع التايوانية فأكدت أنها "تتابع الوضع"، وكلّفت الجيش "الرد" على النشاطات العسكرية الصينية، من دون توضيح هذا الردّ. وإلى جانب الإعلان عن التدريبات، فقد أرسلت بكين 8 سفن حربية و71 طائرة باتجاه الجزيرة، أمس، وفقاً للحكومة التايوانية.
وعبرت الطائرات الخط الأوسط للمضيق الذي يفصل الجزيرة عن البر الرئيسي، بحسب وزارة الدفاع التايوانية. وقالت الوزارة إن الطائرات شملت مقاتلات "تشنغدو جيه – 10" و"شنيانغ جي – 11" و"شنيانغ جي – 16".
وللتدريبات الصينية التي تركز على حصار تايوان أهمية قصوى إقليمياً، وذلك لانتشار جزر فيليبينية ويابانية بالقرب من تايوان. وتقع جزر يوناغوني (الأقرب إلى تايوان)، وتاكيتومي وإيشيغاكي وتاراما ومياكوجيما اليابانية شرقي البحر التايواني، فيما تقع جزيرتا إيتبايات (الأقرب إلى تايوان) وباسكو الفيليبينيتان، في غرب تايوان.
ولبكين علاقات غير مستقرة أصلاً مع طوكيو ومانيلا، تُرجمت بحراك ميداني في الأشهر الأخيرة. وازداد التشنّج بين الصين واليابان، بعد إعلان الأخيرة وثيقة استراتيجية الأمن القومي اليابانية، أواخر العام الماضي، تسمح لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945) للجيش بالقيام بـ"ضربات مضادة" ضد قوى معادية، ورصد ميزانية عسكرية بقيمة 320 مليار دولار بين عامي 2022 و2027.
ودفع الإعلان الياباني الصين لإجراء مناورات عسكرية بالقرب من جزيرة أوكيناوا في 21 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ردّت عليها طوكيو بتوجيه سفينتين حربيتين لجمع المعلومات عن المناورات. كما حلّقت مسيّرة صينية من طراز "دبليو زد ـ 7" في 1 يناير/ كانون الثاني الماضي، قرب جزيرتين يابانيتين، لكنها لم تخترق المجال الجوي الياباني.
وبالنسبة إلى العلاقة الصينية ـ الفيليبينية، فإن لقاء القمة الذي جمع رئيسي البلدين، الصيني شي جين بينغ، والفيليبيني فرديناند ماركوس جونيور، في بكين في مطلع يناير الماضي، لم ينجح في رأب الصدع بينهما، على خلفية النزاع على الحدود البحرية في بحر الصين الجنوبي.
وبرز انعدام الثقة بين البلدين بموافقة مانيلا، مطلع فبراير/شباط الماضي، على السماح للجيش الأميركي باستخدام 4 قواعد عسكرية فيها، ليرتفع عدد القواعد التي ينتشر فيها الأميركيون في الفيليبين إلى تسع.
وفد أميركي في تايبيه
في غضون ذلك، التقت رئيسة تايوان وفداً من الكونغرس الأميركي، يضمّ أعضاء في الحزبين الجمهوري والديمقراطي، يزور الجزيرة. وأكد رئيس الوفد، النائب الجمهوري مايكل ماكول، وهو المسؤول عن مبيعات المعدات العسكرية الأميركية إلى دول أجنبية بصفته رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي أن واشنطن تعمل على إمداد تايبيه بالأسلحة بسرعة.
وقال في هذا الإطار: "نفعل ما بوسعنا في الكونغرس لتسريع هذه المبيعات ومدّكم بالأسلحة التي تحتاجون إليها للدفاع عن أنفسكم وسنؤمن تدريباً لجيشكم، ليس من أجل الحرب بل من أجل السلام".
واعتبر أن "إظهار الضعف لا يؤدي إلا إلى العدوان والصراع، وإن إبراز القوة يوفر الردع ويعزز السلام". وخلال مأدبة غداء استضافتها تساي للوفد، قال ماكول: "أعدك، سيدتي الرئيسة، بأننا سنسلم تلك الأسلحة".
وتشكو تايوان منذ العام الماضي من تأخير في تسليمها أسلحة أميركية مثل صواريخ "ستينغر" المضادة للطائرات، مع تحويل المصنّعين الإمدادات إلى أوكرانيا لدعم دفاعها ضد روسيا.
وفي حين انتهى اتفاق دفاعي بين تايوان والولايات المتحدة في عام 1979، عندما قطعت واشنطن العلاقات الدبلوماسية الرسمية لصالح بكين، فإن العلاقة العسكرية الوثيقة لا تزال قائمة والولايات المتحدة هي المصدر الأجنبي الرئيسي للأسلحة لتايوان.
ومنذ أغسطس الماضي، سعت تساي إلى توثيق علاقات تايوان مع واشنطن، فعدا استقبال بيلوسي في تايبيه، زارت تساي ولاية كاليفورنيا الأميركية، والتقت رئيس مجلس النواب، الجمهوري كيفن مكارثي، الخميس الماضي، وذلك بعد جولتها على دولتي بيليز وغواتيمالا في أميركا الوسطى.
مايك ماكول لتساي: نفعل ما بوسعنا في الكونغرس لتسريع مدّكم بالأسلحة التي تحتاجون إليها للدفاع عن أنفسكم
وأثار اللقاءان، مع استقبال وفد الكونغرس الأميركي في تايبيه، الغضب الصيني، من محاولة تايوان الدفع قدماً باتجاه إعلان استقلالها. وتعتبر بكين تايبيه جزءاً لا يتجزأ من أراضي الصين، ولم تتمكن بعد من إعادة توحيدها مع بقية أراضيها منذ نهاية الحرب الأهلية الصينية في 1949.
واعترفت الولايات المتحدة بالصين في عام 1979، وبمبدأ "صين واحدة". مع ذلك، رفضت واشنطن الاعتراف بالسيادة الصينية على تايوان، وفق موقع مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية "سي آي أس أس" الأميركي. ويعني هذا أن واشنطن لا توافق على مطالبة بكين بالسيادة، ولا تتفق مع تايبيه على أن "جمهورية الصين" (الاسم الرسمي لتايوان) دولة مستقلة.
وعلى إثر الاعتراف بالصين الشعبية، أقر الكونغرس الأميركي "قانون العلاقات مع تايوان" الذي نظم العلاقات مع الجزيرة. بالتالي، حافظت واشنطن على علاقاتها مع تايوان، مع اعتمادها سياسة "الغموض الاستراتيجي"، التي تتمحور حول التدخل العسكري الأميركي لصدّ أي غزو صيني، في مقابل ثني تايوان عن إعلان الاستقلال رسمياً.
وفي يوليو/تموز الماضي، ردّ الرئيس الأميركي جو بايدن، على سؤال حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستتدخل عسكرياً رداً على غزو صيني لتايوان، بالقول: "نعم، هذا هو الالتزام الذي قطعناه" قبل أن تخرج تصريحات من البيت الأبيض تحاول التخفيف من تصريحات بايدن وتؤكد أن لا تحولاً في سياسة الغموض الاستراتيجي.
(العربي الجديد، أسوشييتد برس، فرانس برس، رويترز)