تنظم القوات المسلحة الملكية المغربية والقيادة العسكرية الأميركية لأفريقيا "أفريكوم"، بدءًا من اليوم الإثنين، مناورات "الأسد الأفريقي 22" العسكرية، وهي الأكبر من نوعها في القارة السمراء، مع تدريبات في مناطق متفرقة من البلاد ومنطقة المحبس في الصحراء، أقرب نقطة لمخيمات تندوف في الأراضي الجزائرية، حيث معقل جبهة "البوليساريو" الانفصالية.
وبميزانية قدرها 36 مليون دولار أميركي، تجمع الدورة الثامنة عشرة من مناورات "الأسد الأفريقي" 7500 جندي يمثلون 18 دولة، من أبرزها البرازيل وتشاد وفرنسا وإيطاليا وهولندا والمملكة المتحدة وتونس وغانا ودول أخرى، في حين ينتظر مشاركة مراقبين عسكريين من نحو ثلاثين دولة من أفريقيا والعالم.
وتتضمن المناورات 22 تمرينا لقيادة قوة عملياتية مشتركة، وتمرينا مشتركا بالذخيرة الحية للأسلحة، وتمرينا بحريا، وتمرينا جويا يشمل قاذفات القنابل، وتمرينا ميدانيا مشتركا مع المظليين، بالإضافة إلى برامج للرد والتدخل في حالة اندلاع هجمات كيميائية وبيولوجية وإشعاعية ونووية، كما ستتم تعبئة حوالي 80 طائرة (طائرات ومروحيات) وسفينتين في إطار هذا التمرين المشترك.
وإلى جانب التمارين العسكرية الحربية والعمليات الأمنية التي تهدف إلى تقوية قدرات الجيوش المشاركة والتنسيق البيني، من أجل مواجهة كافة التحديات الأمنية، وتعزيز قدرات تدخل القوات الأميركية في القارة الأفريقية، سيشمل التدريب أيضا مهام إنسانية وطبية.
وتجرى مناورات هذه السنة في مناطق التدريب بمحافظة القنيطرة (شمال) وجنوب البلاد في أغادير وطانطان وتارودانت وفي منطقة المحبس بالصحراء على الحدود مع الجزائر، حيث تنظم هذه المناورات للسنة الثانية على التوالي.
وكان الموقع الرسمي للجيش الأميركي قد قال، في وقت سابق، إن مناورات سنة 2022، والتي بدأ التنسيق لها ابتداء من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ستكون واحدة من أفضل المناورات العسكرية منذ انطلاق تدريبات "الأسد الأفريقي".
ونقل الموقع عن الرائد العسكري الأميركي جيمس غوغليلمي قوله، إن تدريبات "الأسد الأفريقي" لسنة 2022 ستكون أوسع وأكبر من التدريبات التي أجريت العام الماضي، مضيفا أنها "ستكون أفضل تدريب عسكري حتى الآن".
وبحسب فرقة العمل في جنوب أوروبا- أفريقيا التابعة للجيش الأميركي، فإن "(الأسد الأفريقي) هو دليل على الالتزام الاستراتيجي للشركاء بالاستقرار الإقليمي في شمال أفريقيا، وفرصة ممتازة لإجراء استعداد واقعي وديناميكي وتعاوني في بيئة قاسية".
وانطلقت أول نسخة من مناورات "الأسد الأفريقي" بين المغرب والولايات المتحدة عام 2007، حيث تشارك فيها دول أوروبية وأفريقية، وهي تُجرى سنوياً، لكن أقيمت أحياناً أكثر من نسخة في العام الواحد.
وتعد مناورات هذه السنة منعطفا هاما في مجال التعاون العسكري بين الرباط وواشنطن، خاصة منذ توقيع البلدين، في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2020، على خارطة طريق تتعلق بمجال الدفاع العسكري على امتداد السنوات العشر المقبلة، وتتمحور على تأكيد الأهداف المهنية المشتركة، لا سيما تحسين درجة الاستعداد العسكري، وتعزيز الكفاءات، وتطوير قابلية التشغيل البيني للقوات. في حين يقترح الجانب المغربي تعزيز التعاون، من خلال النهوض بمشاريع مشتركة للاستثمار بالمغرب في قطاع صناعة الدفاع.
وفي السياق، يبدو لافتا أن المناورات الحالية ستعرف قيام كتيبة مكونة من 65 فردا من الفوج الأول للهجوم والاستطلاع للفيلق 211 للطيران التابع للحرس الوطني، بعدة مناورات لتقديم مروحيات "أباتشي" أمام الجانب المغربي، في إطار عمليات التحضير لصناعة وتسليم هذا النوع من المروحيات الهجومية للقوات الملكية الجوية، بدءا من النصف الثاني لسنة 2024 أو النصف الأول من 2025.
إلى ذلك، يرى الباحث في العلاقات الدولية بوبكر أونغير، أن تنظيم المغرب بشكل دوري ومستمر طيلة سنوات لمناورات "الأسد الأفريقي" يحمل دلالات عدة، من أبرزها أن الرباط تحظى بثقة الشركاء الدوليين، وأنها تلعب أدوارا مهمة في حفظ الأمن والاستقرار الدوليين.
ولفت، خلال حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن ازدياد عدد الدول المشاركة في المناورات كل سنة يعبر عن تعاظم الشراكة الاستراتيجية التي تربط المغرب بعدد من الدول القوية والفاعلة على الساحة الدولية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية.
واعتبر أونغير أن ضم منطقة المحبس بالصحراء إلى المناورات العسكرية للمرة الثانية على التوالي، يكرّس الاعتراف الدولي، بما فيه الاعتراف الأميركي، بمغربية الصحراء، لافتا إلى أن "المغرب يسعى كذلك إلى استثمار التعاون العسكري مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية بالقدر الذي يجعل نفوذه أكثر تأثيرا على المستويين القاري والدولي".
ويأتي تنظيم النسخة الجديدة من مناورات "الأسد الأفريقي" في وقت يستمر فيه التوتر بين المغرب والجزائر، إذ اتخذ خلال الأسابيع الأخيرة صبغة التنافس على إجراء المناورات والتدريبات العسكرية في المناطق الحدودية، حيث نظم الجيش الجزائري، في السادس من الشهر الحالي، تمرينا عسكريا بالذخيرة الحية بالقطاع العملياتي الجنوبي في تندوف، بإشراف قائد أركان الجيش، الفريق السعيد شنقريحة.