مساء غد الثلاثاء، يتبارى المرشح الديمقراطي جو بايدن مع الرئيس دونالد ترامب في مناظرة تلفزيونية لمدة ساعة ونصف، كلاهما يقدم خلالها ما عنده من طروحات وما يسجله على خصمه من مآخذ.
والأهم أنه يحاول تلميع تمايزه وجدارته بالمنصب من خلال إبراز مؤهلاته ومواصفاته الرئاسية، فالمناظرة بالنهاية هي عملية تسويق تجمع بين الترغيب بالذات والتنفير من الآخر، وبذلك يلعب فيها الأداء دوراً لا يستهان به، خاصة إذا ما اقترن بعرض بضاعة انتخابية تشد الناخب المتردد إلى خندق صاحبها وتبعده عن الخصم، وهذا يحتاج إلى كاريزما وحضور جذاب في العرض.
تمايز تحلى به مثلاً الرئيس جون كينيدي في أول مناظرة متلفزة في تاريخ الرئاسة، ضد منافسه ريتشارد نيكسون سنة 1960. ساعدته يومذاك شخصيته المؤثرة وأسلوبه المغري في العرض والرد، على كسب الجولة وبما نقله من نقاط متعددة وراء نيكسون إلى نقيضها بعد المناظرة. كذلك كان الأمر مع الرئيس رونالد ريغان في مناظرته سنة 1980 مع الرئيس جيمي كارتر، حيث مكّنه أداؤه الموفق من تسجيل قفزة إلى الأمام انتهت بفوزه بالبيت الأبيض.
جو بايدن ليس من هذا الصنف، يفتقر لجاذبية الزعامة، متمرس في السياسة والحكم، لكنه لا يتقن مهارة التسويق الرئاسي. دخل معركة الرئاسة سنة 1988، لينسحب بعد 3 أشهر وسط اتهامه بانتحال مقطع من خطاب زعيم حزب العمال البريطاني. عاود الكرّة عام 2008، لكن ضعف رصيده حمله على الخروج من المعركة ليختاره أوباما نائباً له.
مشكلة ترامب أنه لا يُنازل جو بايدن، بقدر ما يقاتل ضد أكوام من العوائق والمتاعب العالقة برئاسته
هذه المرة من حسن حظه أن الظروف معه وقد رجّحت الكفة لصالحه حتى الآن. منافسه ترامب مقارنة به، بارع في الأداء أثناء المناظرات، بصرف النظر عن المضمون. لكن مشكلته أنه لا يُنازل جو بايدن بقدر ما يقاتل ضد أكوام من العوائق والمتاعب العالقة برئاسته.
فلم يسبق أن خاض رئيس معركة تجديد رئاسته في ظل وباء تعدت وفياته حتى الآن 200 ألف والعدّاد شغّال مع بطالة بجوار 10% وحالة اقتصادية مترنحة ووضع متوتر بسبب العنصرية، عدا عن القصص والتسريبات المحرجة التي تدحرجت بدون توقف في الآونة الأخيرة، والتي كان آخرها اليوم في ما كشفت عنه "نيويورك تايمز" بأن الرئيس "تهرب من دفع الضرائب لعشر سنوات ولم يدفع غير 750 دولاراً في 2016"، عندما انتخب رئيساً ولو أن البيت الأبيض نفى الخبر.
تراكم هذه المشاكل والتخبط في التعامل معها، أديا إلى تجمّد رصيده تحت 45% منذ مطلع العام الجاري. العروض المشهدية التي لجأ إليها (إلقاء خطاب قبول الترشيح الحزبي من البيت الأبيض والاحتفال بتعيين قاضٍ جديد في المحكمة العليا)، لا يبدو أنها ساهمت في حلحلة وضعه.
وفي ضوء المعطيات واستفحال كورونا وضيق الوقت(شهر وأسبوع)، لم يبق لترامب سوى التعويل على المناظرات الثلاث مع بايدن، على الأقل لتضييق الفارق. والمراهنة في هذا الخصوص تدور على تلبّك بايدن في مداخلاته وردوده على الأسئلة، وسوابقه معروفة من هذه الناحية.
المفترض أن بايدن يخضع كما ترامب، لتمرينات مكثفة لتحاشي الوقوع بسقطة أو زلة لسان من العيار الثقيل، مثل تلك التي وقع فيها الرئيس جيرالد فورد خلال مناظرته مع جيمي كارتر عام 1976 عندما قال إن "بولندا لا تدور في الفلك السوفياتي"!
صحيح أن معظم الناخبين قد حسموا أمرهم بشأن التصويت، لكن المتبقي على قلته، حولي 4% حسب التقديرات، قد يكون له أثره في انتخابات يحكمها فارق بسيط من 6 أو 7 نقاط. ذلك أن تقليص هذه التقاط قد يؤدي إلى نتائج متنازع عليها لو أن قسما هاما من عملية التصويت جرى بالبريد بسبب كورونا، والذي يحذر الرئيس ترامب مسبقاً من عدم التزامه بنتائجه وبما يؤدي بالانتخابات إلى القضاء للبتّ في أمرها. أو قد تذهب إلى كونغرس الولايات المتنازع على نتائجها، لحسمها بصورة سياسية مما قد يدفع بالأزمة إلى نفق خطير.
المناظرة امتحان جدارة في أساسها، وقد لا تقدم أو تؤخر في حال التكافؤ في اجتناب الأخطاء والإحراجات. مع ذلك، فهي من المناسبات القليلة التي يشاهدها ملايين الأميركيين. سنة 1960 شاهدها ثلثهم، 66 من بين 180 مليوناً وكان لها أثرها. في 2016 شاهدها 84 مليوناً من دون أن تكون لافتة. في التقدير ألّا يكون العدد أقل من ذلك مساء الثلاثاء. وبحضور من هذا الحجم يكون للغلطة ثمنها. وبايدن لا يتحمل ذلك.