تواجه الحكومة العراقية المنتهية ولايتها، برئاسة مصطفى الكاظمي، اتهامات بالتنصل من وعود قطعها الأخير مع أول أيام منح حكومته الثقة في البرلمان، منتصف العام الماضي، بالكشف عن مصير الناشطين المدنيين المختطفين من بغداد ومدن جنوبي ووسط البلاد، إذ انتهت الصلاحيات التنفيذية الكاملة لهذه الحكومة بعد إجراء الانتخابات التشريعية، في العاشر من شهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي، من دون أن تقدم أي إجابات بشأن مصير المختطفين من الناشطين، أو المتورطين بقتل عدد منهم. وخلال الأسبوع الماضي، أضيف إلى لائحة ضحايا الخطف من الناشطين الصحافي والمدون باسم الزعاك، الذي اختفى خلال تغطيته احتجاجات القوى الخاسرة في الانتخابات أمام المنطقة الخضراء في بغداد. وكان الزعاك في بث مباشر على صفحته الشخصية على موقع للتواصل الاجتماعي، قبل أن يقترب منه شخصان اثنان، ويبادرانه بالسؤال عن الجهة التي يعمل لها، ليتوقف البث بعد ذلك، ولم يظهر الزعاك حتى اليوم.
تتحدث آخر الأرقام عن أن هناك قرابة 25 ناشطاً مختطفاً، غالبيتهم من المؤثرين في المشهد المدني العراقي
ويمثّل ملف المختطفين العراقيين الذين غيّبوا خلال التظاهرات الشعبية، التي عمّت 11 محافظة ومدينة عراقية جنوبي ووسط البلاد إلى جانب بغداد منذ أكتوبر 2019، واحدة من القضايا الإنسانية التي يتفاعل الشارع العراقي معها بشدة. ويتهم ذوو المختطفين مليشيات حليفة لإيران بالوقوف وراء اختطاف أبنائهم، وهو ما يجعل الحكومة تتردد في الكشف عن مصيرهم أو الجهة التي تتورط في إخفائهم.
ولا توجد إحصاءات رسمية لعدد الناشطين المختطفين، لكن الأرقام الأخيرة تتحدث عن أنهم قرابة 25 ناشطاً، غالبيتهم من المؤثرين في المشهد المدني العراقي ومعارضين سلطةَ ونفوذَ الأحزاب الدينية ونظام التحاصص الطائفي في العملية السياسية. ومن أبرز الناشطين المختطفين، الكاتب والناشر البارز مازن لطيف، والصحافي المتخصص في التحقيقات الاستقصائية توفيق التميمي، والناشط المدني عبد المسيح روميو سركيس، وحيدر البابلي، وعلي ساجت، بالإضافة إلى المحامي علي جاسب، الذي قتل والده جاسب الهليجي أيضاً على يد مسلحين بعد أيام من اتهامه مليشيا مسلحة بالوقوف وراء خطف ابنه، وأيضاً، الناشط من مدينة الناصرية سجاد العراقي، إلى جانب آخرين غُيبوا قبلهم، مثل جلال الشحماني وفرج البدري. في موازاة ذلك، التزم ناشطون تم الافراج عنهم الصمت وتواروا عن الأنظار، مثل الناشط البيئي سلمان خير الله وميثم الحلو ومحمد موديل، الذين غابوا تماماً عن المشهد الاحتجاجي بعدما أفرج عنهم، وهو ما يشرح قساوة ما تعرضوا له، بحسب مراقبين.
وتلتزم حكومة الكاظمي في هذا الملف الصمت، ورفض أكثر من مسؤول في وزارة الداخلية العراقية التحدث لـ"العربي الجديد" عن آخر ما تم التوصل إليه بشأن مصير المختطفين. في الأثناء، يواصل ذوو المختطفين المناشدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي والفضائيات المحلية العراقية، والمطالبة بالكشف عن مصير أبنائهم، فضلاً عن تنظيم وقفات بين الحين والآخر للتذكير بقضيتهم. وفي هذا الإطار، ظهرت أخيراً شقيقة الناشط من بغداد عبد المسيح روميو في مقطع مصور، موجهة خطابها إلى رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، ومذّكرة بأن شقيقها اختطف في الأول من مارس/ آذار 2020 خلال فترة الاحتجاجات، ومبينة أن والديها "تعبا، وزادت حالتهما الصحية سوءاً، وهما ينتظران عبد المسيح ويبحثان عن أي أثر له".
ولدى تواصل "العربي الجديد" مع أسرة الكاتب والناشر العراقي مازن لطيف، الذي جرى اختطافه في الأول من فبراير/شباط 2020، قال فرد من العائلة إن "لطيف لم يظهر منذ أن تم اختطافه وسط بغداد في سيارة سوداء اللون رباعية الدفع، وقد نفت جميع المحاكم والسلطات الأمنية والمستشفيات أي معلومة عن وجوده في أي مؤسسة حكومية"، مبيناً أن "لطيف كان تعرض لتهديدات قبل اختطافه، وذلك من قبل فصائل مسلحة اتهمته بالعمالة لصالح الولايات المتحدة". كما أن أسرة المختطف علي جاسب أكدت، لـ"العربي الجديد"، أنها لم تتمكن لغاية الآن من معرفة مصير ابنها المختطف، مجددة اتهامها لمليشيا "أنصار الله الأوفياء" بالوقوف وراء خطفه، وأيضاً قتل والده بعدما قدم إفادة اتهمها فيها بالوقوف وراء خطف ابنه.
وقبل أيام، قال محمد عبد الصمد، وهو شقيق الصحافي والناشط أحمد عبد الصمد الذي اغتيل، في يناير/كانون الثاني 2020 خلال حضوره جلسة محاكمة المشتبه في وقوفهم خلف اغتيال شقيقه أثناء التظاهرات مطلع العام الماضي، إن أحد المتهمين اعترف بالجريمة، وقال إن سبب ذلك "فتوى من خارج العراق"، بحسب ما نقلت وسائل إعلام عراقية عن محمد الذي حضر المحاكمة مع والدته.
مصادر في بغداد: الفريق الحكومي التابع للكاظمي تراجعت آماله في العثور على المختطفين أحياء
ورداً على اتهامات أهالي المختطفين بتنصل الكاظمي من وعوده بالكشف عن مصير أبنائهم، والتي كان أطلقها مرات عدة في مؤتمرات ولقاءات في بغداد والناصرية والبصرة خلال الأشهر الـ18 الماضية، قالت مصادر في بغداد إن الفريق الحكومي التابع للكاظمي تراجعت آماله في العثور عليهم أحياء. وقال نائب في تحالف "النصر"، الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، إن "الجهات التي اختطفت الناشطين والمتظاهرين حققت معهم وأفرجت عن بعضهم، لكن بالنسبة للبعض الآخر ممن لم يظهر بعد، فهناك خشية من أنه تمت تصفيتهم بطرق متعددة والتخلص من جثثهم، كما أن هناك منهم من قضوا تحت التعذيب خلال استجوابهم". ولفت المصدر إلى أن أبرز الجهات المتهمة بالخطف هي مليشيات "كتائب حزب الله" و"عصائب أهل الحق" و"النجباء" و"كتائب سيد الشهداء"، وهو "ما تفهمه الحكومة والقوى السياسية الفاعلة أيضاً"، بحسب قوله.
وفي هذا السياق، أشار حسين الغرابي، وهو ناشط سياسي من مدينة الناصرية وصديق مقرب للمختطف سجاد العراقي، إلى أن "الحكومة العراقية تعرف كل تفاصيل قضية سجاد، إضافة إلى أن القضاء في الناصرية وقادة الأمن على علم باسم المليشيات المتورطة بالخطف، لدرجة أن المسؤولين المحليين في المدينة تفاوضوا مع عشيرة ينتمي إليها أحد قيادات المليشيا المتورطة بالخطف للتوسط، ولم يصلوا إلى نتيجة". وأضاف الغرابي في حديث لـ"العربي الجديد": "نعتقد أن سجاد العراقي وغيره من المختطفين على خلفية احتجاجات تشرين 2019 ما زالوا مختطفين في سجون سرية تمتلكها المليشيات، وقد ألمحت الحكومة في أكثر من مناسبة إلى أن هناك سجناء عند جهات خارجة عن القانون، لكن من دون اتخاذ أي قرارات صارمة ورادعة بحق هذه الجهات"، معتبراً أن "صمت القضاء العراقي عن هذه الجرائم يعني أنه شريك في الجريمة والتستر على المليشيات".
ولا يفصل الناشط من مدينة النجف علي الحجيمي ملف المختطفين من المحتجين والنشطاء عن ملف الاختفاء القسري في العراق، لا سيما مع وجود أكثر من 20 ألف مختطف خلال السنوات الخمس الماضية من مناطق شمالي وغربي العراق، وتُتهم المليشيات ذاتها بالتورط في إخفائهم. وقال الحجيمي، لـ"العربي الجديد"، إن "جميع ذوي المختطفين لديهم أدلة تثبت تورط جهات مسلحة بالجرائم التي ارتكبت، وجميع الأدلة موجودة في مكتب الكاظمي، وإن المسؤول عن متابعة هذه الملفات هو مستشاره مهند نعيم، لكن يبدو أن تأثير المليشيات أكبر بكثير من إرادة الحكومة". وأكد الحجيمي أن "الفرق القانونية وبعض المنظمات الحقوقية، التي عملت العام الماضي على متابعة ملف المختطفين، هدّدتها المليشيات أيضاً، ولم تتمكن من متابعة أعمالها، لتبقى الكرة في ملعب الحكومة والقضاء".
وكان الكاظمي قد تحدث في شهر سبتمبر/أيلول الماضي عما وصفه بـ"ممارسات غير قانونية تمارس ضد العراقيين"، واعداً بمتابعة ملف المغيبين قسراً "بشكل جدي". إلا أن مسؤولين عراقيين أكدوا أن الحكومة لم تتخذ أي خطوة تجاه الجهات المتهمة بتغييب الناشطين المشاركين والداعمين للتظاهرات، فيما يعتمد الكاظمي على مستشارين في مكتبه لإجراء حصر دقيق للمختطفين والمغيبين. وكان مجلس القضاء الأعلى العراقي قد أعلن، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، عن إطلاق سراح 2626 من المتظاهرين السلميين، من دون التطرق إلى شكاوى ذوي المختطفين المقدمة إليه.