ملاحقة منظمة ميموريال… موسكو تحتكر الذاكرة التاريخية

15 نوفمبر 2021
تعمل "ميموريال" على حفظ ذاكرة القمع بعهد الاتحاد السوفييتي (Getty)
+ الخط -

في مؤشر جديد على تضييق السلطة الروسية الخناق على منظمات المجتمع المدني، تواجه منظمة "ميموريال الدولية" الحقوقية خطر الإغلاق، بعد تقدم النيابة الروسية بدعوى أمام المحكمة العليا لتصفيتها، وسط مخاوف الحقوقيين من أن تشكل هذه الخطوة انتقالاً إلى مرحلة جديدة من المواجهة بين السلطة والمجتمع المدني، وسعي الدولة لاحتكار الذاكرة التاريخية.
وجاءت مطاردة "ميموريال" بذريعة مخالفتها القانون المثير للجدل الخاص بالمنظمات "العميلة للخارج"، كما تم تصنيف المنظمة من قبل وزارة العدل الروسية. ومن المقرر أن تعقد الجلسة الأولى للمحاكمة في 23 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي.

تشمل مهام "ميموريال" نشاطاً حقوقياً متعلقاً بالإسهام في بناء مجتمع مدني متطور ودولة ديمقراطية

وتُعد "ميموريال" أعرق وأقدم منظمة حقوقية في روسيا، إذ يعود تاريخ تأسيسها إلى نهاية الحقبة السوفييتية في عام 1987، بهدف حفظ ذكرى ضحايا القمع في عهد الاتحاد السوفييتي، والذي بلغ ذروته في عهد جوزيف ستالين، وطاول ملايين الأشخاص، ولم يتم الكشف عن نطاقه إلا بعد وفاته في عام 1953. وما زاد من مكانة "ميموريال" على الساحتين الروسية والدولية هو انتخاب مخترع القنبلة الهيدروجينية، أندريه ساخاروف، الحائز على جائز نوبل للسلام في عام 1975، كأول رئيس لها.
وحالياً لم تعد المهمة المعلنة لـ"ميموريال" تقتصر على حفظ ذكرى ضحايا القمع، بل تشمل أيضاً نشاطاً حقوقياً متعلقاً بـ"الإسهام في بناء مجتمع مدني متطور، ودولة ديمقراطية يسودها القانون وتستبعد احتمال العودة إلى الشمولية"، وفق النبذة التعريفية على موقع المنظمة. وفي هذا الإطار، اعتبرت الناطقة باسم "ميموريال"، ناتاليا بيتروفا، أن التضييق على المنظمة ينقل المواجهة بين الدولة والمجتمع المدني إلى مستوى جديد، يصل إلى حد المساس بالذاكرة التاريخية للمجتمع. وقالت بيتروفا، في حديث لـ"العربي الجديد": "تشكل هذه الخطوة، إن تحققت على أرض الواقع، إغلاق أكبر وأعرق منظمة معنية بحفظ الذاكرة التاريخية والدفاع عن حقوق الإنسان، ما سيزيد حتماً من حدة العلاقة المتوترة أصلاً بين المجتمع والسلطة. ستكون هناك حياة مختلفة بعد التضييق على الحق في الذاكرة والتاريخ".

وحول دوافع السلطة الروسية للتضييق على "ميموريال"، أوضحت بيتروفا: "يعكس عبث الذرائع أن ميموريال لا تتناسب مع الهيكل الحالي للسلطة. نشأت منظمتنا كحركة لتخليد وحفظ ذكرى ضحايا القمع الذي كاد ألا يترك بيتاً واحداً في البلاد، وإذا لم نحفظ الذاكرة، فليس هناك ما يضمن أن ذلك لن يتكرر، وهو ما تسعى إليه السلطة، على ما يبدو".
وأثارت ملاحقة "ميموريال" موجة من التضامن في الأوساط الحقوقية والفنية والصحافة الروسية المستقلة، إذ أعرب مجلس حقوق الإنسان التابع للرئاسة الروسية عن قلقه من الوضع، مؤكداً إجراء المشاورات وعزمه على اتخاذ خطوات لتسويته. وقال مجلس حقوق الإنسان، في بيان أخيراً: "يعتبر المجلس التصفية الإلزامية بحق أقدم منظمة مجتمعية إجراء استثنائياً. في الوقت الحالي، يعتبر المجلس أن العقوبة المقترحة غير متناسبة مع مجموع المخالفات وغير عادلة، حيث إنه على مدى الأشهر الـ14 الماضية، لم ترصد الجهات الرقابية أي مخالفة لـ"ميموريال" الدولية لالتزاماتها من جهة الوفاء بالقانون، بينما تم رصد مخالفتين صغيرتين فقط لمركز ميموريال الحقوقي التابع إلى ميموريال الدولية".
أما الكاتبة المسرحية ليودميلا بيتروشيفسكايا فأعلنت عن تنازلها عن جائزة الدولة احتجاجاً على محاولات النيابة العامة تصفية "ميموريال" ومحو ذكرى ضحايا القمع. بدورها، نشرت صحيفة "ريبابليك" الإلكترونية المستقلة، والمصنفة كـ"عميلة للخارج" أيضاً، مقالاً للصحافي المعارض أوليغ كاشين، بعنوان "أنتم موجودون هنا. روسيا بلا ميموريال"، اعتبر فيه أن السلطة الروسية لم تعد تخفي طموحاتها في أن تكون المصدر الوحيد للذاكرة التاريخية. وأشار كاشين إلى أن "التهديد بتصفية ميموريال يسقط من السلسلة العامة لهجمات الدولة على المؤسسات المجتمعية الروسية، ويبدو غير مسبوق وفريد من نوعه"، مشبهاً إياه "بهدم كنيسة أو إطفاء نار خالدة أو نهب قبر". 

ناتاليا بيتروفا: إذا لم نحفظ الذاكرة فليس هناك ما يضمن أن ذلك لن يتكرر
 

وكانت النيابة العامة الروسية تقدمت، الخميس الماضي، إلى المحكمة العليا، بدعوى لتصفية منظمة "ميموريال" بذريعة المخالفات المتكررة لقانون "العملاء للخارج". وقالت "ميموريال"، في بيان نشر على موقعها آنذاك: "تلقينا إخطاراً من المحكمة العليا بأن النيابة العامة تقدمت بدعوى لتصفية "ميموريال الدولية" بسبب المخالفات النظامية لقانون العملاء للخارج (من جهة عدم وضع وصمة بهذا الخصوص على مواد المنظمة)". واعتبرت "ميموريال" أن "قانون (العملاء للخارج) اختُرع أصلاً كأداة لتصفية المنظمات المستقلة"، مذكرة بأنها أصرت مراراً على إلغاء القانون، لكنه لا يزال قائماً، فتضطر "ميموريال" للوفاء بمطالبه، ومعتبرة أن هذا القرار سياسي بلا مسوغات قانونية لتصفية المنظمة. وبدأ تضييق الخناق على "ميموريال" منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حين حضر أفراد من قسم مكافحة الجرائم الاقتصادية بمديرية الشؤون الداخلية في موسكو إلى مكتبها، مطالبين بتقديم قائمة طويلة من الوثائق. كما تم استدعاء رئيس المنظمة يان راتشينسكي إلى مقر الشرطة لإجراء محادثة معه.

المساهمون