ملاحقة مرشحين محتملين للانتخابات الرئاسية في تونس: إزاحة للمنافسين؟

ملاحقة مرشحين محتملين للانتخابات الرئاسية في تونس: إزاحة للمنافسين؟

21 يناير 2024
أثارت ملاحقة عدد من السياسيين جدلاً في تونس بين معارضي قيس سعيّد ومناصريه (Getty)
+ الخط -

أثارت ملاحقة عدد من السياسيين ممن أعلنوا نياتهم للترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة جدلاً في تونس بين معارضي الرئيس قيس سعيّد، الذين دانوا محاولات إزاحة المنافسين وترهيب المعارضين، ومناصريه الذين اعتبروها خطوة نحو تنقية المناخ السياسي والانتخابي.

وأعلنت النيابة العمومية في القطب القضائي المالي في تونس قبل يومين فتح تحقيق قضائي في شبهات تبييض وغسل أموال في حق أكثر من 20 شخصاً، من بينهم وزراء سابقون ورجال أعمال ونشطاء سياسيون وإعلاميون، ومن بين المتهمين شخصيات وقيادات سياسية أعلنت منذ أشهر نيتها الترشح للانتخابات الرئاسية في تونس، التي يفترض أن تجري في خريف العام الحالي.

وشملت القائمة المنشورة كلاً من رئيسة حزب الجمهورية الثالثة، ألفة الحامدي، ومؤسس حركة قرطاج الجديدة نزار الشعري، والوزير والرئيس السابق لحزب آفاق تونس، فاضل عبد الكافي، ووزير السياحة في عهد بن علي، المنذر الزنايدي، الذي تناقلت كواليس الإعلام المحلي أنه ينوي الترشح بدعم من عدد من التيارات السياسية في تونس.

وعلاوة على المرشحين المحالين في القضايا الجديدة، يقبع في السجن عدد من الشخصيات التي أعلنت بدورها توجهها للترشح في سباق التنافس الرئاسي، على غرار رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي، وقيادات حزبية معارضة تمثل ثقلاً على المستوى الانتخابي، على غرار رئيس حزب النهضة راشد الغنوشي وقيادات بارزة من حزبه، بالإضافة إلى رئيس الحزب الجمهوري، والأمين العام السابق للتيار الديمقراطي وقيادات في جبهة الخلاص المعارضة.

وبرز أخيراً الحراك السياسي لكل من ألفة الحامدي ونزار الشعري، اللذين يقدمان نفسيهما مرشحين لفئات الشباب وحاملين لقاضياهم، منتقدين بشدة خيارات الرئيس سعيّد وسياساته.

ورغم أنّ الرئيس قيس سعيّد لم يعلن رسمياً نيته الترشح في الانتخابات المقبلة، التي قالت هيئة الانتخابات إنها موعد دوري سيكون خلال نهاية العام الحالي، فإن الرئيس سعيّد ألمح مراراً في تصريحاته إلى أن "المسؤولية التاريخية أمام الله والشعب، تقتضي أن لا يترك البلاد"، قائلاً خلال إحياء ذكرى الاستقلال العام المنقضي: "إن مسألة الترشح سابقة لأوانها"، مشدداً بالقول: "لا أشعر أني في منافسة أي كان، أشعر أنني أتحمّل المسؤولية ولن أتخلى عنها".

تصحير المشهد الانتخابي في تونس من أي تنافس جدي

وأكد المتحدث باسم الحزب الجمهوري، وسيم الصغير، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "المناخ السياسي القائم أبعد ما يكون عن مناخ مؤهل لانتخابات رئاسية تؤسس لمستقبل تونس، نحن نعيش عاماً انتخابياً، ولكننا واقعياً نعيش على وقع الملاحقات الأمنية والتتبعات وقضايا التآمر والتحقيقات والقيادات السياسية في السجون، وبالتالي المناخ لا يستوعب تنافساً انتخابياً لاختيار رئيس جمهورية يكون جامعاً للتونسيين ويحظى بأغلبية قبول الشعب".

وشدد الصغير على أنه "لم يعد هناك عاقل يفكر في الترشح للانتخابات الرئاسية، فعنوان المرحلة أصبح كل من يفكر في الترشح سيجد نفسه ملاحقاً قضائياً، في مناخ قائم على الترهيب وتصفية كل من تخول له نفسه منافسة رئيس الجمهورية الحالي في الاستحقاقات الانتخابية القادمة، يعني مناخ قائم على سياسة تصحير المشهد من أي تنافس جدي قادر على خلق مضامين وبرامج جدية قادرة تنهض بالبلاد".

وأشار إلى أنه "ليس هناك من خيار سوى النضال والصمود في حالة التصحير السياسي الذي أقدمت عليه منظومة الحكم الحالية".

من جانبه، قال القيادي في جبهة الخلاص، وعضو شورى حزب النهضة، محسن السوداني، في تصريح لـ"العربي الجديد": "لا أعتقد أن المناخ السياسي الحالي مهيّأ لإجراء انتخابات رئاسية تتوافر فيها شروط النزاهة والشفافية وتحفّز التونسيين على المشاركة الواسعة".

وأضاف السوداني أن "تتالي الاعتقالات السياسية يُفقد الأمل في كل ممارسة سياسية للإصلاح، فالملاحظ أن الايقافات طاولت كل الأطياف، كما أن الاستهداف طاول كل الأسماء المرشحة للرئاسة، سواء بالاعتقال أو بإثارة قضايا وتتبعات قانونية وأمنية، وذلك دون سند راسخ كما يقول المحامون الذين يتابعون الملفات بدقة".

السوداني: تتالِي الاعتقالات السياسية يُفقد الأمل في كل ممارسة سياسية للإصلاح

وتابع: "سبق للشعب التونسي أن أقبل على صناديق الاقتراع في الاستحقاقات الانتخابية بعد الثورة، سواء التشريعية أو الرئاسية أو المحلية، بنسب مرتفعة ومحترمة. وكانت هناك مصداقية كاملة يشهد لها الداخل والخارج. وهذه الحماسة نفتقدها منذ 25 يوليو 2021، حيث هجر التونسيون الشأن العام وأعرضوا عنه وقاطعوا كل دعوات الرئيس، ولم تنفع النداءات المتكررة ولا الحملات الكبيرة التي قامت بها السلطة، هناك أزمة ثقة عميقة في البلاد".

وتابع القيادي في "جبهة الخلاص": "أعتقد أن الوضع يحتاج إلى تنقية المناخات وإجراء مصالحة شاملة، فليس هناك طريق أخرى لخروج البلاد من هذه الأزمة الاقتصادية والمالية والسياسية العميقة سوى الحوار والاتفاق على ميثاق وطني جامع، فالانتخابات ليست مجرد إجراء يذهب فيه المواطن إلى مكتب الاقتراع ليدلي بصوته. وإنّ ما حدث يمكن وصفه بأنّه مهرجان أو عرس للديمقراطية. وأما إذا جرت في متاهات من الشد والتنافي والشك والقلق وغياب الثقة ومقاطعة الهيئات الرقابية المشهود لها بالاستقلالية فإنها ستكون حدثًا يزيد في تعميق الأزمة".

تقارير عربية
التحديثات الحية

مسألة قضائية

في المقابل، اعتبر الكاتب العام الوطني، لحزب مسار 25 يوليو، (مساند للرئيس قيس سعيّد) بدر الدين غرسلاوي، في تصريح لـ"العربي الجديد" أنه "لا وجود لأي تضييقات على النشاط الحزبي والسياسي في تونس، وليس مطروحاً تماماً ما يتم الترويج له من الأحزاب المعارضة"، مشيراً إلى أنّ "المناخ السياسي في تونس يتسم بالديمقراطية والشفافية والنزاهة وحرية التعبير وحرية الإعلام وحرية التظاهر".

وشدد غرسلاوي على أن التتبعات التي تشمل بعض السياسيين بسبب قضايا تآمر على أمن الدولة، "هي مسألة قضائية بحتة ولا علاقة للسلطة التنفيذية بها".

وحول التحقيقات التي شملت عدداً من السياسيين الذين أعلنوا نيتهم الترشح للرئاسة، أكد غرسلاوي أن "تلك قراءة المعارضة وتفسيرهم الخاص بهم ويلزمهم وحدهم، والتفسير الصحيح تمتلكه النيابة العمومية والقضاء، وبالتالي الأحزاب المعارضة تحاول دائماً تحويل التتبعات القضائية حول شبهات الفساد إلى أسباب سياسية".

وأكد أن "هذه القراءة والتأويلات بعيدة عن المنطق والواقع، ولا وجه للحقيقة في أنه تصفية للخصوم وتنقية للساحة من المنافسين"، مشيراً إلى أن "الواضح اليوم أنّ الجميع أصبحوا تحت طائلة القانون ويخضعون للقانون دون تمييز، بمن فيهم الأحزاب والمسؤولون السياسيون، وهذه هي الديمقراطية الحقيقية، الجميع سواسية ولا أحد فوق القانون".

أما القيادي في حزب مسار 25 يوليو، فقال إن "قراءتنا القانونية للانتخابات الرئاسية تفيد بأن موعد إجرائها يكون في عام 2027 إذا أردنا تطبيق الدستور الحالي 2022، فلا معنى لأن نطبقه في انتخابات تشريعية ومحلية ثم في انتخابات الرئاسة نطبق دستور 2014"، حسب تعبيره.

ودوّن وزير الخارجية الأسبق، ورئيس شبكة الوعي العربي، رفيق عبد السلام، على صفحته الرسمية، قائلاً: "نزار الشعري مجرد أن خطر في باله إمكانية الترشح للانتخابات الرئاسية، حتى اهتزت الأرض من تحت قدميه ووجد نفسه وكل عائلته متهمين بالتآمر وتبييض الأموال، بل لم تسلم حتى بنته القاصر والبالغة من العمر 14 سنة من المتابعات والهرسلة "المضايقات".

وتابع: "الرسالة وصلت: أي واحد يفكر في منافستي بالصندوق سيجد سيف الملاحقات فوق رأسه. الدولة دولتي، والقضاء قضائي، والبوليس بوليسي...(..)". حسب توصيفه.

المساهمون