مقترحات روسية لمنع العملية التركية: صراع مصالح دولي

10 ديسمبر 2022
يؤكد "الجيش الوطني" المعارض استعداده لأي عملية عسكرية (عمر حج قدور/فرانس برس)
+ الخط -

لا يزال الترقب يلف مصير الشمال السوري، في ظل مفاوضات تركية روسية حول هذه المنطقة التي تهدد أنقرة بشن عملية عسكرية برية فيها لطرد "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) منها وإبعادها عن حدودها.

وفي حين لم يخرج أي شيء رسمي حتى عصر أمس الجمعة حول المباحثات التي يجريها في إسطنبول وفد روسي برئاسة نائب وزير الخارجية سيرغي فيرشينين مع المسؤولين في الخارجية التركية، منذ يوم الخميس الماضي، فإن التسريبات التي خرجت بشأن مقترح من موسكو بانسحاب "قسد" من مدينتي منبج وعين العرب، طرحت أسئلة إضافية حول إمكان تطبيق هذا المخرج بحال التوافق عليه، في ظل الصراع على النفوذ بين أطراف مختلفة في تلك المنطقة.

مقترح روسي بانسحاب "قسد"

وذكرت قناة "الجزيرة" نقلاً عن مصادر تركية مساء الخميس، أن روسيا قدّمت مقترحاً جديداً لتركيا في ما يتعلق بالمناطق التي تُسيطر عليها "قسد" شمال شرق سورية، يقوم على انسحاب "قسد" من مدينتي منبج وعين العرب (كوباني) بريف حلب الشرقي، وذلك تجنباً للعملية العسكرية التي هددت بتنفيذها تركيا.

ونقلت عن المصادر أن العرض الروسي "يقترح الإبقاء على قوى الأمن الداخلي التابعة للأكراد (الأسايش) بعد دمجها بالمؤسسة الأمنية للنظام السوري". وأشارت المصادر إلى أن "الوفد الروسي أكد موافقة قسد على المقترح شرط عدم حصول اجتياح تركي"، مضيفة أن أنقرة تدرس المقترحات التي قدّمها الوفد الروسي.

روسيا قدّمت مقترحاً جديداً لتركيا، يقوم على انسحاب "قسد" من مدينتي منبج وعين العرب بريف حلب الشرقي

وفي حين لم يصدر أي تأكيد أو نفي لهذه المعلومات حتى عصر أمس، رأى الكاتب المتخصص في الشأن الروسي، طه عبد الواحد، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "في مثل هذا الاقتراح تعوّل روسيا على توسيع نفوذها في الأراضي السورية، وتساعد نظام بشار الأسد في بسط سيطرته على المزيد من الأراضي، وهدفها أن يستعيد النظام السيطرة على كامل الأراضي السورية". وأضاف أن هذا الأمر "يصب في خدمة مصالح موسكو، لأنها ستتعامل مع شخص واحد مطيع مستعد لتلبية جميع طلباتها فقط من أجل أن يحافظ على كرسيه".

واعتبر عبد الواحد أن "موسكو تعمل بشكلٍ جاد على حلحلة الوضع في شمال وشرق سورية، وربما المؤشر الأبرز على ذلك هو المحادثات التي أجراها يوم الخميس الماضي وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونائبه ميخائيل بوغدانوف مع أحمد الجربا، الذي يمثل إحدى منصات المعارضة السورية"، مضيفاً أن "هذه المحادثات تأتي في سياق التحضيرات لهذا الوضع، لا سيما أن الجربا له تأثير معين وامتداد في مناطق شمال وشرق سورية عبر علاقته مع العشائر".

وأشار عبد الواحد إلى أنه "حتى لو أعلنت قسد الموافقة على المقترح المقدّم من موسكو، أشك بأن تنسحب وتلتزم بالاتفاق"، معتبراً أن "المسألة لا تتوقف على قسد فقط، بل إن المنطقة اليوم هي منطقة صراع على النفوذ ما بين روسيا والولايات المتحدة بالدرجة الأولى، وتركيا".

وتابع: "لا أعتقد أن أنقرة ستقبل بمثل هذه الاقتراح، ولديها خططها الخاصة النابعة من النظرة القومية لبنية الدولة التركية كما يراها الرئيس رجب طيب أردوغان، وتريد أن يكون لها نفوذ في هذه المناطق، وإبقاء وجود لها في سورية يضمن ترك منطقة موالية لها"، مضيفاً: "الأمور أبعد من مجرد انسحاب قسد".

ولفت إلى أن "المسألة اليوم لم تعد متوقفة بأي شكل على القوى المحلية السورية، سواء من النظام أو المعارضة أو قسد، والقرارات تتخذ بشأن سورية في عواصم خارجية وليست في مقرات القوى التي تمثل الأطراف السورية".

وحول تعزيز قوات النظام وروسيا في المدن والبلدات التي تُسيطر عليها "قسد"، لا سيما عين العرب وتل رفعت ومنبج، أوضح عبد الواحد أن ذلك "من الممكن أن يأتي في إطار التحضيرات للخطة المقترحة، وأن القوات موجودة وجاهزة للانتشار في هذه المناطق"، مضيفاً: "من جانب آخر، هذه رسالة للأتراك أن العملية العسكرية في هذه المنطقة قد لا تكون سهلة، وقد تؤدي إلى مواجهات مع أطراف أخرى مثل قوات النظام وتوتر مع القوات الروسية".

وكانت الفرقة الأولى، والفرقة الثالثة، والفرقة الخامسة، والفرقة التاسعة، والفرقة 11، والفرقة 14، والفرقة 15، والفرقة 18، والفرقة 25 مهام خاصة، والحرس الجمهوري، التابعة لقوات النظام، والبعض منها مدعوم من روسيا، قد أرسلت قوات إلى محاور عين عيسى بريف الرقة، ومنبج وعين العرب والمناطق المحاذية لها في ريف حلب الشرقي، وناحية تل تمر بريف الحسكة الشمالي.

وتضمنت هذه التعزيزات دبابات من طرازات متنوعة، وراجمات صواريخ، ومدافع ميدانية، ورشاشات ثقيلة ومتوسطة، في ظل المقترح الروسي المطروح بانسحاب "قسد" من عين العرب، ومنبج.

أهداف تركية قديمة في سورية

من جهته، قال الباحث في العلاقات الدولية والشأن التركي طه عودة، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "هناك تسارعاً في الخطى الأميركية والروسية في الفترة الأخيرة لثني أنقرة عن العملية العسكرية"، لافتاً إلى أن "تركيا أبطأت التحركات العسكرية تاركةً المجال لهذه المفاوضات التي تجري ما بين الأطراف سواء مع روسيا من جهة أو الولايات المتحدة من جهة أخرى".

وأشار عودة إلى أنه "على ضوء المباحثات التي تُجرى مع الروس، من الممكن أن تتضح الصورة خلال الساعات أو الأيام القليلة المقبلة في ما يخصّ الخطوات التركية المتعلقة بالعملية العسكرية"، مضيفاً: "في حال لم تتحقق المطالب التركية، سيحصل المزيد من العمليات العسكرية ضد قسد".

ورأى أن "تركيا تركت الباب على مصراعيه لإيجاد حل لهذه المشكلة، ولكن هذا لا يعني أنها تخلت عن هذه العملية البرية التي هدد بها الرئيس أردوغان منذ أشهر وصعّد نبرته حولها خلال الأيام والأسابيع الأخيرة".

عودة: في حال لم تتحقق المطالب التركية، سيحصل المزيد من العمليات العسكرية ضد قسد

ولفت عودة إلى أن "الهدف التركي من كل هذه التحركات ليس شنّ عملية برية، وإنما الهدف الأساسي هو تحقيق المطالب القديمة الجديدة، بمعنى أن أنقرة طلبت من الولايات المتحدة ومن الروس إبعاد المليشيات الكردية عن حدودها، وسحب السلاح الثقيل، وتأمين وتحصين الحدود التركية".

وأوضح أنه "في حال تحققت هذه البنود، فإن أنقرة ستتخلى عن هذه العملية العسكرية، خصوصاً أن أردوغان الذي يحاول التفرغ للداخل التركي، يريد تحصين الجبهة الخارجية قدر المستطاع حتى لا يقع أي تطور كما تفجير إسطنبول قبل نحو شهر، لا سيما أن أنقرة مقبلة على انتخابات برلمانية - رئاسية حاسمة خلال الأشهر المقبلة".

المساهمون