يُشكل مفقودو الحرب اليمنية معاناة إنسانية نجمت عن المعارك المندلعة منذ تسع سنوات، إذ فقدت آلاف الأسر اليمنية أبناءها من دون معرفة مصيرهم، فلا هم بالنسبة لها أسرى لدى الطرف الآخر، ولا هم قتلى استلمت جثامينهم ودفنتهم.
هذه المأساة الإنسانية برزت بشكل خاص في العامين 2015 و2016، حين أدى اشتداد وتيرة المعارك العسكرية إلى وقوع الكثير من المقاتلين في الأسر، أو سقوطهم قتلى، دُفنوا في مقابر غير معلومة وبشكل جماعي.
وقد بقي مصير هؤلاء مجهولاً، في ظل جهود يبذلها الصليب الأحمر الدولي في اليمن لمعرفة ما حلّ بمئات المقاتلين الذين يصنفون في عداد المفقودين.
أشرف النهاري، قريب أحد المفقودين في الحرب، قال لـ"العربي الجديد"، إن قريبه أنس الصبري "كان صغير السن وطالباً في الصف التاسع في صنعاء عندما فُقد".
وأضاف أنه "كان في رحلة مدرسية إلى منطقة الراهدة (وسط البلاد)، مع مجموعة طلبة ومعلم، هو مشرف الرحلة، ليقرر الأخير المواصلة إلى عدن، ومنذ ذلك الوقت فقدنا التواصل معه تماماً، ولا نعرف مصيره حتى الآن".
ولفت إلى أنه تكلم "مع أحد الأصدقاء من أبناء يافع (عشيرة) وهو عسكري في عدن بمتابعته (أنس) في السجون، لكنه لم يعثر على اسمه، فيما قال إن الأطفال جرى ترحيلهم إلى معهد تعليم ديني في الصبيحة (منطقة بمحافظة لحج جنوب اليمن)". وذكر النهاري أن أنس اختطف منذ عام 2015، وهو في الصف الأول الثانوي.
مفقودو الحرب اليمنية ملف معقد
مفقودو الحرب اليمنية "ملف معقد وشائك"، وفق ما قاله المتحدث باسم الوفد الحكومي المفاوض في ملف الأسرى، ماجد فضائل، في حديث لـ"العربي الجديد"، مضيفاً أنه قد نوقش "في الجولات السابقة (المفاوضات) قبل الجولة الأخيرة (يونيو/ حزيران الماضي)، فيما تم الاتفاق على تشكيل لجنة خاصة لاحقاً، للنظر بشأن المفقودين وجثامين القتلى منهم".
فضائل: عمليات البحث عن المفقودين والرفات تحتاج إلى جهود كبيرة
وأوضح أن عمليات البحث عن المفقودين والرفات تحتاج إلى جهود كبيرة، واختصاص محدد في مجال الأحماض النووية DNA، والكثير من الأمور الفنية".
وأضاف أنه "لم يتم الدخول في التفاصيل أو الاتفاق على كيفية عمل اللجنة، وموعد مباشرة عملها"، لكن ما يجري حالياً هو تحديد هوية المفقودين من مختلف الأطراف، وفق قوله.
وأشار فضائل إلى أن عددهم كبير جداً لافتاً إلى أنه "يصل إلى الآلاف". وأوضح أن الحوثيين يطالبون بعشرات الآلاف من المفقودين الذين يقولون إنهم ما زالوا أسرى أو مختطفين، بينما في الحقيقة "قد يكونون مفقودين في الجبهات أو غيرها".
وأضاف أن "لدينا نحن المئات من المفقودين قد يصل عددهم للآلاف، لكننا لا نملك إحصائية دقيقة"، موضحاً أنه "لا توجد لدى أي أحد إحصائية لأنها متغيرة، ولا يوجد آلية محددة لاستقبال البلاغات عن المفقودين، والمخفيين والمختطفين".
الصليب الأحمر وسيطاً في ملف المحتجزين في اليمن
وكان مفقودو الحرب اليمنية، في صلب أحد محاور اتفاق استوكهولم المبرم في ديسمبر/ كانون الأول 2018، بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثيين، والذي ينص "على إطلاق سراح جميع الأسرى والمعتقلين والمفقودين والمحتجزين تعسفياً والمخفيين قسراً".
وقد عملت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وفق الاتفاق كوسيط محايد فيما قدمت الدعم عدة مرات منذ عام 2019، لتسهيل إفراج أطراف النزاع المتزامن أو الأحادي الجانب لمحتجزين سابقين، ونقلهم إلى ديارهم.
كما تؤدي اللجنة دوراً في تسهيل إطلاق سراح المحتجزين السابقين أو إعادتهم إلى ديارهم بعد التوصل إلى اتفاق بين الأطراف المعنية.
المعمري: الرقم الدقيق لعدد الأشخاص المفقودين غير معلوم
اسكندر المعمري، مسؤول الإعلام في اللجنة الدولية للصليب الأحمر باليمن، قال لـ"العربي الجديد"، إن الرقم الدقيق لعدد الأشخاص المفقودين "غير معلوم علناً، فمن المعتقد أن الآلاف من الأشخاص قد فقدوا نتيجة للنزاع في اليمن".
مفقودو الحرب اليمنية، وفق المعمري مسألة "لا تسبب معاناة هائلة لأسرهم فحسب، بل ينتج عنها تحديات اقتصادية وقانونية".
ولفت إلى أنه "بموجب القانون الدولي الإنساني، على الأطراف المشاركة في النزاع اتخاذ التدابير اللازمة لمنع حالات الاختفاء، وتقديم المعلومات للتأكد من مصير ومكان وجود الأشخاص المفقودين، كما تتمتع العائلات بحق لا غنى عنه في معرفة مصير أحبائها المفقودين".
مفقودو الحرب اليمنية: إحصائية غير رسمية
وأشار إلى أن لجنة الصليب الأحمر "لا تستطيع تقديم إحصاء دقيق للمفقودين"، فيما "يُعتقد أن أكثر من 2500 عائلة لا تزال تجهل مصير أكثر من 2800 من أقاربها، وهي غير متأكدة مما إذا كانوا محتجزين أو جرحى أو متوفين".
وهذه الأرقام، وفق المعمري، من المرجح أنها "لا تمثل سوى جزء صغير من العدد الفعلي، إذ إن العديد من العائلات لا تتواصل مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بل تواصل بحثها المستقل عن مفقوديها من خلال وسائلها وقنواتها الخاصة".
وشدّد على أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر ملتزمة بالقيام بدورها "كوسيط محايد في تسهيل إطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، ونقلهم وإعادتهم إلى ديارهم، فيما يقود مكتب المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن (هانس غروندبرغ)، المفاوضات المتعلقة بأسماء المحتجزين المقرر إطلاق سراحهم".
وأضاف أنه "بمجرد التوصل إلى اتفاق، تنفذ اللجنة الدولية للصليب الأحمر عملية النقل"، وهي "ليس لها أي تأثير على اختيار من سيُطلق سراحهم"، ولا تشارك في المفاوضات المتعلقة بقائمة أسمائهم، "أو الجوانب السياسية لعملية السلام الأوسع".
وذكر أن مسؤولية تحديد أسماء وأعداد وتوقيت إطلاق سراح المحتجزين، تقع على عاتق أطراف النزاع.
وفي وقت عبّر فيه عن أمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع وفقاً لاتفاق استوكهولم، قال المعمري إنها "على استعداد لتسهيل إطلاق سراحهم وفقاً لممارساتها المعمول بها والقوانين الدولية".
ولفت إلى أنها أدت "دوراً مماثلاً في عملية الإفراج عن المحتجزين الكبيرة في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، والتي أسفرت عن عودة 1081 محتجزاً سابقاً إلى ديارهم من خلال عملية إطلاق سراح متزامنة". يأتي ذلك بالإضافة إلى تسهيل "إعادة المحتجزين الذين أُطلق سراحهم من جانب واحد من المملكة العربية السعودية في مايو/ أيار 2022".
وذكر أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر "تجري حوارات ونقاشات ثنائية غير علنية مع كل من الدول والجماعات المسلحة غير الدولية، بشأن حماية المتضررين من النزاع المسلح والمدنيين والمحتجزين وغيرهم من الأفراد المنفصلين عن أسرهم، وكذلك بشأن منع حالات الاختفاء".
وأضاف أن "الحكومات والقوات المسلحة والجماعات المسلحة تتحمل مسؤولية المساعدة في لم شمل الأسر، وعليها الكشف عن المعلومات ذات الصلة، فالكثير من العائلات تعاني من الألم الناجم عن عدم معرفة وضع أحبائهم. إنهم يستحقون إجابات واضحة".