مفاوضات غزة: ما الذي تغير في رد حماس عن السابق؟

05 يوليو 2024
خانيونس بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي، 5 يوليو 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **إعلان حماس عن مناقشات جديدة**: أعلنت حماس عن مناقشات جديدة مع الوسيطين القطري والمصري لتبادل الأسرى مع إسرائيل بعد فشل المحاولات السابقة، وسط غياب تسريبات سابقة.

- **تفاصيل المفاوضات والمواقف**: وافقت حماس في مايو على عرض مصري رفضته إسرائيل، مما أدى إلى توتر مع مصر. حماس أبدت مرونة في بعض البنود لكنها تمسكت بمطالبها الأساسية مثل وقف الحرب والانسحاب الشامل.

- **تنازلات حماس والتفاؤل الحذر**: تخلت حماس عن مطلب إيقاف الحرب بضمانات دولية مقابل استمرار المفاوضات. رغم التفاؤل بإمكانية التوصل إلى اتفاق، يبقى التشاؤم قائماً بسبب تصريحات نتنياهو.

مخاوف متجددة من إجهاض نتنياهو لكل فرض التوصل لاتفاق

تسريبات إسرائيلية أكدت أن حماس أبدت بعض المرونة خلال المفاوضات

قادة في حماس شددوا على تمسكهم بمطلبي الانسحاب الشامل ووقف الحرب

على نحو مفاجئ، أعلنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، قبل أيام، مناقشتها أفكاراً جديدة مع الوسيطين القطري والمصري للتوصل إلى اتفاق تبادل أسرى مع الاحتلال الإسرائيلي بعد فشل المحاولات السابقة. وجاء الإعلان في غياب تسريبات أو إشارات كالتي كانت تشيع في محاولات التوصل إلى صفقة، باستثناء ما أعلنه القيادي في الحركة أسامة حمدان في مؤتمره الصحفي في بيروت أخيرا عن تلقي "حماس" عرضاً جديداً في 24 يونيو/ حزيران الماضي لم يحمل جديداً.

وعلى مدار شهور، سعى الوسيطان القطري والمصري إلى جسر الهوة والوصول إلى اتفاق، إلا أن ذلك لم يكن متاحاً في ظل الفجوة الكبيرة بين الجانبين، ولا سيما مع تمسّك الاحتلال باستكمال الحرب بعد إتمام الصفقة ورفض المقاومة هذه الفكرة. وفي مايو/ آيار الماضي، وافقت "حماس" على عرضٍ قدّمه الوسيط المصري، وأعلنت ذلك بصراحة، غير أن الحكومة الإسرائيلية، برئاسة بنيامين نتنياهو، رفضت العرض، وقالت إن تلاعباً جرى فيه.

وفي أعقاب ذلك، باشر الاحتلال في عملية عسكرية واسعة في مدينة رفح شهدت احتلال معبر رفح، والسيطرة على محور فيلادلفي (صلاح الدين) الذي يفصل القطاع عن الأراضي المصرية. وأحدث الهجوم حالة من التوتر مع مصر التي اعتبرت فيه تهديداً واختراقاً لمعاهدة كامب ديفيد التي جرى التوصل إليها مع الاحتلال الإسرائيلي في 1978.

والأربعاء، أعلنت حركة حماس، رسمياً، على لسان مصدر مسؤول لم تشر إلى هويته، تبادلها بعض الأفكار مع "الإخوة الوسطاء بهدف وقف العدوان على شعبنا الفلسطيني"، من دون أن تشير إلى طبيعة هذه الأفكار، إلا أن تسريبات إسرائيلية وأميركية أفادت بأن الحركة أبدت بعض المرونة في ما يتعلق ببنود إنهاء الحرب واشتراط تنفيذ ذلك من المرحلة الأولى، ومناقشته بعد انتهاء المرحلة الأولى وبدء المرحلة الثانية. غير أن شخصيات قيادية في الحركة شدّدت على تمسكها بمطلبي الانسحاب الشامل ووقف الحرب وقفاً تاماً، من دون الإفصاح عن تفاصيل العرض الذي جرى التباحث بشأنه مع الوسطاء قبل أيام.

وقال عضو المكتب السياسي لحركة حماس، محمد نزال، ل "العربي الجديد" إن الحركة، منذ بدء العملية التفاوضية غير المباشرة، التي بدأت قبل بضعة شهور، سلكت مساراً شفّافاً تعاطت خلاله بإيجابية عالية، فلم تكن متعنّتة ولا متعسّفة، وكانت الخطوط الأساسية التي طرحتها ضمن الإطار التفاوضي. وأقاد بأن الخطوط الأساسية للحركة تمثلت في الوقف الدائم والنهائي لإطلاق النار، وانسحاب قوّات الاحتلال من قطاع غزّة، وعودة النازحين الفلسطينيين من الجنوب إلى منازلهم وبيوتهم في المناطق الوسطى والشمال بدون قيود وشروط، بالإضافة إلى تدفّق المواد الإغاثية والتموينية والدوائية والنفطية إلى جميع مناطق القطاع، من دون تمييز أو تقييد، والبدء بعملية إعادة الإعمار، وتحقيق صفقة تبادل مرضية ومقبولة تؤدّي إلى إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، مقابل الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين. 

وقال إن "الاحتلال ⁠في المقابل تعامل بأساليب التفافية، تعتمد على المناورة والخداع والتضليل، وكان يهرُب دائماً إلى الأمام في كل مرّة تضيق فيها الدائرة عليه، وكان واضحاً لجميع الأطراف التي تتعامل معه أن نتنياهو لا يريد الوصول إلى أي اتفاقٍ من شأنه أن يؤدّي إلى وقف الحرب وقفاً دائماً ولا انسحاب قوّاته انسحاباً كاملاً وشاملاً". وأوضح أن "جماس" أعلنت، ⁠في السادس من شهر مايو/ أيار الماضي، موافقتها على الورقة التي قدّمها الاحتلال، بعد إجراء تعديلاتٍ عليها بموافقة الوسيطين والإدارة الأميركية عبر ممثّلها وليام بيرنز (مدير الاستخبارات الأميركية). ولفت إلى أن الحركة جرى إبلاغها بأن هناك موافقة "إسرائيلية" عليها، ثم بدلاً من الإعلان الرسمي من الاحتلال، هرب نتنياهو إلى الأمام، واجتاح مدينة رفح، واضعاً العملية التفاوضية وراءه. 

وقال عضو المكتب السياسي لحركة حماس إن الإدارة الأميركية التزمت الصمت، ولم تجرؤ على إدانة نتنياهو، ثم أعاد الرئيس بايدن الإعلان في خطاب له في الشهر الماضي (يونيو/ حزيران)  الماضي، وشرح تفاصيل ما سماه المقترح الإسرائيلي. و"كان لافتاً أنه دعا نتنياهو إلى الموافقة عليه، فكيف يكون مقترحاً إسرائيلياً، ويدعو فيه الإسرائيليين إلى الموافقة عليه". وأفاد نزّال بأن الوسطاء تواصلوا مع "حماس" من جديد، على اعتبار أن "هناك فرصة جديدة، للوصول إلى اتفاق جديد، ينهي الحرب الغاشمة، ولم تتوان حركة حماس عن أي جهد يمكن أن يوقف آلة الحرب الإجراميّة ضد الشعب الفلسطيني".

وأوضح أن "حماس" تعاملت مع الورقة التي قدمها الاحتلال أخيراً بـ"مرونة وإيجابية عالية بعد أن قدّمت تعديلاتها، حيث إن الكرة الآن في ملعب الاحتلال، وقد بات واضحاً أن ردود الفعل غير الرسمية، في الأوساط الأميركية وأوساط الاحتلال، هي الترحيب برد الحركة". ووفقاً لحديثه "بات حجم الخلاف بين المؤسّستين العسكرية والأمنية من جهة، ونتنياهو وحلفائه من جهة أخرى، واضحاً عبر التسريبات الإعلامية، بما في ذلك الإدارة الأميركية التي لا تجد مسوّغاً منطقياً لرفض رد حركة حماس". 

تنازلات حماس

ويعتقد مدير مركز مسارات للأبحاث والدراسات هاني المصري أن التقدّم الحاصل ظهر في أن حركة حماس تخلت عن مطلبها إيقاف الحرب بضمانات دولية في المرحلة الأولى، مقابل أن تستمر المفاوضات في المرحلة الأولى مع وقف القتال وحتى يتم الاتفاق على وقف دائم لإطلاق النار. وقال لـ"العربي الجديد" إن الحركة تنازلت عن مطلب انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزّة في المرحلة الأولى، على أن يتم بالكامل مع تطبيق الاتفاق ضمن محاولتها تخفيف الأعباء عن الشعب الفلسطيني وأخذ فرصة لالتقاط الأنفاس وإعادة تنظيم الصفوف، ولأنها تريد تحميل حكومة الاحتلال المسؤولية الكاملة عن استمرار الحرب إذا لم تتم الصفقة.

وقد أفاد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في بيان صدر بعد عودة رئيس الموساد ديفيد برنيع من الدوحة مساء الجمعة، بأن وفداً إسرائيلياً سيعود الأسبوع المقبل إلى الدوحة لمواصلة المفاوضات، مشيراً أنه "لا تزال هناك فجوات بين الطرفين".

وقال هاني المصري إن "إسرائيل وافقت على مبادرة بايدن التي عارضتها، رغم ادّعاء المسؤولين الأميركيين أنها مبادرة إسرائيلية، لإطلاق سراح 22 من المحتجزين والأسرى الإسرائيليين بدون تحديد حتى الآن على الأقل أحياء أو أمواتاً". ووفق المتحدث ذاته، تراجع الاحتلال عن وضع فيتو على بعض الأسرى في البداية، حيث كان "الفيتو" يشمل مائتي أسير، ثم مائة أسير، ثم بدون فيتو على أحد، والتفاوض سيكون إلى أين سيتم إطلاق سراحهم: إلى أماكن سكناهم، أم إلى الخارج".

ويضيف: "يرجع التفاؤل إلى أن الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي يتحدثان بإيجابية عن التقدّم الحاصل وإمكانية الاتفاق هذه المرّة، أما التشاؤم فيعود إلى أن نتنياهو قال في مكالمته مع بايدن إن إتمام الصفقة لا يعني أن حكومته لن تواصل الحرب حتى تحقيق كل أهدافها، وأن بإمكانها العودة إلى القتال إذا رأت أن حماس تخرق الاتفاق".

ارتباط بجبهة لبنان

ويرى مدير مركز عروبة للأبحاث والدراسات الاستراتيجية أحمد الطناني أن هناك اعتبارات متعددة خلف التطورات الحاصلة في ملف التفاوض، أبرزها منع اندلاع حرب على الجبهة الشمالية. وقال لـ"العربي الجديد" إن "هناك تحرّكاً واضحاً في ملف المفاوضات، فالعنوان الأول مرتبط بالحراك الأميركي في الكواليس لمنع الحرب بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي على الجبهة اللبنانية في الفترة الأخيرة". ويربط الطناني بين تحرّكات المبعوث الأميركي للبنان عاموس هوكشتاين والجهود التي قادها، حيث سعى خلالها للفصل بين الجبهات، إلا أن النتائج كانت واضحة بصعوبة الوصول إلى هذه النتيجة وصعوبة فصل ما يجري في غزّة عن التصعيد على حدود لبنان. وقال أن "هوكشتاين سعى إلى تمرير أفكار جديدة عبر حزب الله أسهمت في تحريك المفاوضات، حيث إن المعلومات المتوفرة تشير إلى عدم وجود عرض جديد بشأن غزّة بقدر ما أنها صيغ جديدة قد تكون مقبولة أكثر". وقال إن "هناك إدراكاً من المقاومة الفلسطينية لحجم الضغط على الإدارة الأميركية في ظل اقتراب الانتخابات الرئاسية، فضلاً عن الواقع السياسي في بريطانيا وفرنسا، وهو ما يثبت أن غزة باتت تؤرق المشهد السياسي العالمي". ويقدر الطناني أن "المقاومة الفلسطينية تريد نزع فكرة تحميلها المسؤولية من  الإدارة الأميركية عن فشل الاتفاق، وقدّمت تنازلات شكلية بعيداً عن المطالب الأساسية التي تريدها من الوصول إلى اتفاق ينهي الحرب".