قلل دبلوماسي مصري وخبير في الشؤون الأفريقية، من جدوى العرض الذي قدمته الحكومة المصرية أمس الثلاثاء، بالعودة إلى مفاوضات سد النهضة الإثيوبي، والمتوقفة منذ نحو 10 أشهر.
وقال إن "الفجوة بين الأطراف الثلاثة (مصر والسودان وإثيوبيا) أصبحت كبيرة، والعرض المصري (غير المشروط) للعودة إلى التفاوض لا يؤدي إلا لمزيد من تضييع الوقت والدوران في حلقات مفرغة".
مصر تريد اتفاقاً ملزماً لتشغيل سد النهضة
وقدّمت الحكومة المصرية أمس عرضاً لاستئناف المفاوضات الخاصة بسد النهضة، بين مصر والسودان من جهة، وإثيوبيا من جهة أخرى.
هذه المفاوضات متوقفة منذ 4 إبريل/نيسان الماضي، عندما طالبت الخرطوم في كينشاسا، بوساطة دولية، وأيّدت القاهرة الاقتراح، بينما رفضت أديس أبابا المقترح السوداني، متمسكة بالمفاوضات الثلاثية تحت رعاية الاتحاد الأفريقي، والتي لم تحقق أي نجاح ملموس طيلة 10 سنوات من التفاوض.
مدبولي: مصر تؤكد حرصها على التوصل لاتفاق ملء وتشغيل ملزم قانونياً لسد النهضة
وقال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، في بيان أمس، إن مصر "تؤكد حرصها على التوصل لاتفاق ملء وتشغيل ملزم قانونياً لسد النهضة يحقق المصالح المشتركة، من خلال الموازنة بين تحقيق إثيوبيا أقصى استفادة ممكنة من سد النهضة، في مجال توليد الكهرباء وتحقيق التنمية المستدامة، في مقابل عدم حدوث ضرر لدولتي المصب مصر والسودان".
وأضاف مدبولي أن مصر "أبدت اهتماماً باستئناف المفاوضات في أقرب وقت بهدف الإسراع في حل النقاط الخلافية الفنية والقانونية، وصولاً إلى اتفاق عادل ومتوازن ومنصف، أخذاً في الاعتبار ما تعانيه مصر من ندرة المياه واعتمادها بشكل رئيسي على مياه النيل، التي يعد مصدرها الأساسي من النيل الأزرق".
وتابع: "لا شك أن تحقيق التنمية في جميع دول حوض النيل كان دائماً من أولويات مصر، من خلال تقديم المساعدات والخبرات التي تسهم في مساعدة الدول الشقيقة في إطار التعاون الثنائي باعتبارها الأساس في توفير الاستقرار لشعوب تلك الدول".
وقال إن مصر "تعرب عن أملها في إمكانية الوصول للاتفاق المنشود لسد النهضة بما يؤسس لمرحلة جديدة من التعاون من شأنها تحقيق الاستقرار الإقليمي".
وعن ذلك، قال الدبلوماسي الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، إنه "بعد أكثر من 10 سنوات من التفاوض بين الأطراف الثلاثة من دون جدوى، وبعد اقتراب إثيوبيا من إتمام الملء الثالث لبحيرة السد، من دون التوصل إلى اتفاق فني بين الدول الثلاث، فإن الهوّة أصبحت عميقة، والعوائق باتت ضخمة، والنوايا ليست صادقة، والصدع كبير".
وأضاف: "لذلك فإن مجرد عرض العودة إلى المفاوضات من دون وضع شروط محددة، ومن دون تدخل أطراف دولية ضامنة، أمر غير مفهوم".
تبون يطرح وساطة جزائرية بملف النهضة
في سياق متصل، حضر ملف سد النهضة في زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى القاهرة ولقائه نظيره المصري عبد الفتاح السيسي.
وقال مصدر دبلوماسي مصري لـ"العربي الجديد" إن تبون حمل معه إلى القاهرة، مبادرة جزائرية بشأن استئناف المفاوضات الخاصة بأزمة سد النهضة.
ولفت إلى أن تبون سعى خلال الزيارة لاستطلاع موقف القيادة المصرية حيال قيام الجزائر بدور وسيط في الأزمة بين مصر والسودان وإثيوبيا، من أجل التوصل إلى حل يرضي كافة الأطراف، ويجنّب البلدان الثلاثة التداعيات السلبية جراء استمرار الخلافات.
تبون سعى لاستطلاع موقف القيادة المصرية حيال قيام الجزائر بدور وسيط في الأزمة
وأكد الرئيسان في مؤتمر صحافي عصر أمس، بعد لقاء بينهما في قصر الاتحادية، "توافق الرؤى بين البلدين، في ما يتعلق بالقضايا العربية والإقليمية".
وأكد السيسي أن المحادثات تطرقت إلى قضية "الأمن المائي" وجهود تعزيزه على الساحة الأفريقية، مضيفاً أن "رؤانا تطابقت على ضرورة التوصل إلى اتفاق شامل بشأن سد النهضة".
من جهته، قال تبون إنه اتفق مع نظيره المصري على ضرورة توسيع التشاور تمهيداً للقمة العربية في الجزائر. وأكد تبون أن المحادثات بين الطرفين "خلصت إلى توافق تام في الرؤى ووجهات النظر، في القضايا العربية والإقليمية"، مضيفاً أن "هناك أجندات خفية لا تخدم مصالحنا العربية المشتركة".
أما المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية بسام راضي، فأوضح أنه تم خلال اللقاء تناول موضوع مياه النيل، وآخر المستجدات في ما يتعلق بمفاوضات سد النهضة.
وأضاف أنه تم التوافق حول أهمية التوصل إلى اتفاق قانوني عادل ومتوازن وملزم حول ملء وتشغيل السد، بما يحقق مصالح الدول الثلاث، ويحافظ على الاستقرار الإقليمي، مع تأكيد ضرورة إبراز حسن النيّة والإرادة السياسية اللازمة من كافة الأطراف في المفاوضات.
عراقيل لا تبشر بحل لأزمة سد النهضة
وعن هذه التطورات، قال أستاذ القانون الدولي العام في مصر أيمن سلامة، إن هناك "مصاعب كبيرة وعراقيل لا تبشر بأي آمال لحلحلة الموقف المأزوم وتحريك أي حجر في الماء الآسن الذي لم يتحرك على مدار عقد من الزمان منذ عام 2011 وحتى الآن".
وأضاف أن مصر "تبادر وتستبق الأحداث التي تتمثل في عودة السودان لمباشرة عضويته في منظمة الاتحاد الأفريقي، في حال صدور قرار من مجلس السلم والأمن الأفريقي بعودة السودان إلى المنظمة".
وأكد أن "أي مفاوضات ثلاثية جديدة بعد ماراثون زاد عن عشرة أعوام بين المتنازعين الثلاثة (مصر والسودان وإثيوبيا) يجب أن تفضي في النهاية إلى توقيع الاتفاق الفني النهائي الذي يترجم ما ورد في اتفاقية إعلان المبادئ لسد النهضة، التي أبرمت في الخرطوم في 23 مارس/ آذار 2015".
وقال سلامة إن إثيوبيا "لا تزال تعاند وتكابر وترفض التوصل والتوقيع على مثل ذلك الاتفاق كبقية الاتفاقيات المنظمة والحاكمة للمشاريع المائية على الأنهار الدولية".
وأضاف أنه "على الجانب الآخر، تتمسك مصر والسودان بتوقيع مثل ذلك الاتفاق ويرفضان بشدة المقترح الإثيوبي، وهو توقيع ما يسمى بتوجيهات إطارية عامة لتشغيل سد النهضة".
وأوضح أستاذ القانون الدولي العام أن "التوجيهات الإطارية العامة لتشغيل سد النهضة، لا تختلف عن أي إعلانات أو بيانات سياسية غير إلزامية وغير إنفاذية في الوقت ذاته".
وقال سلامة إن "منظمة الاتحاد الأفريقي نفسها تواجه هذه السابقة الخطيرة في تاريخ النزاعات الأفريقية، منذ إنشاء منظمة الوحدة الأفريقية في عام 1963 في إثيوبيا، ولذلك فإن المقترح الذي يمكن أن ينصح به، هو دخول وسيط دولي بخلاف الآلية الحالية التي تعملها منظمة الاتحاد الأفريقي".
وأضاف أن "وسيطاً دولياً يعني إما منظمة دولية مثل الأمم المتحدة، أو منظمة الاتحاد الأوروبي، أو مجموعة دول قد تكون دول جوار مؤثرة مثل السعودية، والإمارات، لما لهما من استثمارات وتأثيرات مهمة على الدول الثلاث، على أن تسير هذه الوساطة الدولية بالتوازي مع جهود منظمة الاتحاد الأفريقي".
ولفت إلى أن "المطلبين المصري والسوداني، ليسا غريبين، ومن الضروري التوصل إلى اتفاق فني نهائي لكيفية تشغيل وإدارة سد النهضة، وأيضاً الانتفاع المنصف المشترك بمياه نهر النيل الأزرق بعد إنشاء سد النهضة".
وتابع: "لكن الشاذ والغريب، هو خروج إثيوبيا عن كل المألوف والمعهود بين الدول التي تتنازع على الانتفاع المنصف المشترك بالنهر الدولي الذي يجري في أقاليم الدول المتنازعة".
ويأتي العرض المصري بعد تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، الخميس الماضي، بشأن سد النهضة، ومطالبته مصر والسودان بتغيير خطابهما بشأن السد "من أجل تحقيق التنمية، بالشكل الذي يعلي خطاب بناء السلام".
هذه التصريحات فسرها خبراء ومراقبون بأنها محاولة منه لاستباق انعقاد الدورة الـ35 للقمة الأفريقية في 5 و6 فبراير/شباط المقبل في أديس أبابا.
وحذّر هؤلاء من عودة الدبلوماسية الإثيوبية بقضية السد إلى سابق عهدها بعد انتهاء القمة، والتي لا يريد أبي أحمد أن تخرج بموقف معارض لأديس أبابا بقضية السد، وهو ما يتوجب على القاهرة والخرطوم التنبه له.
وقال الخبراء إن عرض مدبولي بالعودة إلى المفاوضات من دون شروط، "يعطي الفرصة لأبي أحمد لتنفيذ مراده بتجاوز محطة القمة الأفريقية المقبلة، من دون التوصل لاتفاق قانوني ملزم".
وأكد دبلوماسي مصري، فضّل عدم ذكر اسمه، أن "تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي التي تبدو عاقلة وإيجابية تجاه مصر والسودان، هدفها تجنّب أي ضغوط محتملة على بلاده من الدول الأفريقية المشاركة في اجتماعات القمة الأفريقية، لا سيما أنه لطالما أكد سابقاً أن أزمة السد يجب أن تُحل داخل إطار الاتحاد".
وتوقع أن "تعود السياسة الإثيوبية إلى سابق عهدها بعد انتهاء قمة الاتحاد الأفريقي، ولذلك يجب على المسؤولين في مصر الحرص عند التعاطي مع الموقف الإثيوبي في هذه اللحظة، على عدم مجاراته بالشكل الذي قد يورط مصر في دائرة جديدة من المفاوضات التي لا طائل منها".