يطرح الغزو الروسي لأوكرانيا معضلة لدى البعض العربي. ولا يتعلق الأمر فقط بسؤال: مع من نقف؟ بل بما هو أعمق للمصالح العربية.
وفي مقابل مسارعة اليسار التقليدي الأوروبي، ومن غير النواة الصلبة للماركسيين، إلى ضبط مواقفه المنددة بالغزو، بقي تيار عربي يعتبر أن ما يجري "مؤامرة أميركية".
استغراب البعض من فوارق تعامل أوروبا مع مآسٍ على أرضها وخارجها أمر مفهوم. لكنه بنفس الوقت يستدعي وقفة مع الذات: فمقابل العمق الأوروبي لأوكرانيا، كيف تتعامل الساحة العربية مع من يقاوم المستبد والمحتل؟
وهنا تكمن، ربما، خيبات "مقاومة المؤامرة"، واهتراء المراهنة على "الزعيم"، وتهمة "إضعاف نفسية الأمة"، وبقية الأسطوانة المشروخة. فالتفسيرات السطحية تُغيب أسس فوارق اعتماد أوروبا منهجية مؤسساتية للحفاظ على مصالحها، وغطرسة الفردانية عند بعض الحكام ومريديهم، ما يجعل المنهجية والاستراتيجيات "ترفاً غربياً".
ما يُدهش حقاً تحويل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى "صلاح الدين" لتحرير فلسطين، و"أبو علي" لاستعادة بريق القومية العربية.
الأنكى أن بعض النخب تصمت على خطاب الخديعة الذي يصل في أحد انحداراته إلى تأييد غزو شعب آخر، والتبشير بنظام "تعددية قطبية"، وفوقه، "على البركة"، زيت طعام وقمح مجانيين.
الاحتفاء بتدمير بلد واحتلال شعب، على النسق الشيشاني والسوري والفلسطيني والعراقي، إلخ... يُعبر في بعض جوانبه عن أمراض كثيرة، تُفسر ربما كيف كان محامو القضايا العربية مجموعة فاشلين مرتهنين للحاكم الفرد.
وإذا كان معسكر الجيل الأوروبي الجديد، يسارياً وليبرالياً، أظهر حيوية في فهم بوصلة مصالح بلاده، فإن البعض العربي، بمن فيهم تيار مخذول بخطاب بوتين التقريعي للشيوعية وللينين شخصياً، من معسكر نوستالجيا: "موسكو كعبة الشيوعية"، يُمعن منذ زمن، وهذه الأيام، في تزييف الوعي وإهدار الوقت والجهد، بالمراهنة على نتائج الأحداث، دون التحضر لها، أو المشاركة في صياغة بعضها.
في المحصلة، وأمام الصراع القائم، فالأولى بالعرب انتهاز فرصتهم لفرض بعض مصالحهم، الإقليمية والوطنية، سواء تعلق الأمر بسياسات الطاقة العالمية، أو الحد من تدخلات الخارج، بمن فيهم موسكو، المتحولة منذ سنوات إلى حماية الاستبداد، وبالتنسيق التام مع الاحتلال الإسرائيلي، في سورية، واعتبار إنهاء المأساة السورية مقدمة أيضاً لوقف تغول قوى إقليمية على مصالحهم.