اعتبرت مصادر دبلوماسية مصرية لـ"العربي الجديد" أنه "على الرغم من التقارب الواضح أخيراً بين مصر والنظام السوري، إلا أن الموقف الرسمي المصري لا يزال يشتمل على بعض المبادئ الأساسية في التعامل مع الأزمة السورية، مثل دعم جهود التوصل إلى تسوية سياسية شاملة للأزمة بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2254 تحت رعاية الأمم المتحدة".
ورأت أن هذه المبادئ تبقى أولوية "على الرغم من زيارة وزير خارجية النظام فيصل المقداد إلى القاهرة لأول مرة منذ نحو عشر سنوات، واستقبال نظيره المصري سامح شكري له (في 1 إبريل/نيسان الحالي)، وهي زيارة تمثل مؤشراً على إصلاح العلاقات بين عدد من الدول العربية ورئيس النظام السوري بشار الأسد".
وأجرى شكري أول من أمس الأحد، اتصالاً بمبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سورية، غير بيدرسن، بهدف "التشاور والتنسيق معه بشأن الأزمة السورية وسبل دفع الحل السياسي".
وحسب بيان للخارجية المصرية فقد أكد شكري على "دعم مصر الكامل لجهود المبعوث الأممي للتوصل إلى تسوية سياسية شاملة في سورية اتساقاً مع قرار مجلس الأمن رقم 2254، وذلك في ظل الأولوية الكبيرة التي توليها مصر لاستعادة أمن واستقرار سورية الشقيقة وإنهاء كافة صور الإرهاب والتدخل الأجنبي بها".
وأضاف البيان أن الاتصال "تناول أيضاً سبل رفع المعاناة عن الشعب السوري"، مؤكداً "حرص مصر المستمر على الإسهام بقوة في جهود تخفيف تلك المعاناة".
تبدل الموقف المصري من الملف السوري
المساعد السابق لوزير الخارجية المصري السفير رخا أحمد حسن قال لـ"العربي الجديد" إن "موقف مصر تجاه سورية ليس حديث العهد"، مشيراً إلى أنه "تغيّر تقريباً منذ عام 2014".
وأوضح أنه "في أثناء فترة حكم الإخوان المسلمين لمصر، انقطعت العلاقات مع عدد من الدول العربية من بينها سورية، وبعد عام 2014 بدأ التواصل من جديد في شكل رعاية المصالح، وساعدت مصر سورية في بعض المواقف، لإيصال المواد الغذائية لبعض المناطق بالتنسيق والتعاون مع الحكومة السورية.
وقد أشار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من قبل إلى أهمية المحافظة على مؤسسات الدولة السورية وأجهزتها، وضرورة المحافظة على وحدة وسيادة سورية، وكان هذا الموقف واضحاً جداً بغض النظر عن الشكل الرسمي للعلاقات بين الدولتين".
واعتبر أحمد حسن أنه "لا يمكن أن نقول إن التقارب الأخير بين الدولتين هو وليد اللحظة، فلو عدنا إلى الماضي قليلاً، نلاحظ زيارتين أجراهما اللواء علي مملوك، رئيس جهاز الأمن السوري إلى مصر، بناء على دعوة من رئيس المخابرات المصرية اللواء عباس كامل. الزيارة الأولى في عام 2016، والثانية في عام 2018".
وأوضح أن "هذا التقارب بدأ فعلياً في عام 2018، في ظل وجود مطالبات عربية بعودة سورية إلى جامعة الدولة العربية، ولكن الآن الصورة أوضح، بسبب حدوث ما يمكن تسميته بالانفراجة في شكل العلاقات بين دول المنطقة. هناك توجه عام في الشرق الأوسط ودول الجوار كتركيا وإيران، إلى حلحلة الأزمات وتسويتها سلمياً، ورأينا أثر ذلك على شكل العلاقات الإيرانية ــ السعودية، والعلاقات التركية ــ السعودية، وغيرها".
رخا أحمد حسن: التقارب المصري مع النظام السوري بدأ فعلياً في عام 2018
وبرأي أحمد حسن فإن "هناك بعض المعوقات في طريق تطبيع العلاقات مع سورية، بسبب معارضة الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية لهذا التطبيع، إلى جانب أن ثلاث دول عربية تتخذ موقفاً حاداً ضد النظام السوري. وهذا الموقف يعوق خطوة عودة سورية إلى جامعة الدول العربية، على الرغم من أن عضوية سورية لم يتم إيقافها بالإجماع في الجامعة العربية، ولكن عند عودتها هناك رغبة في وجود إجماع من الدول الأعضاء".
وأضاف أحمد حسن: "ستبين الأيام القادمة الإجابة عن سؤال: هل تعود سورية إلى الجامعة العربية أم لا، وهل أصبحت المملكة العربية السعودية على استعداد لاستضافة دمشق في القمة المقبلة؟". ولفت إلى أن "هناك جهودا تبذل في هذه الأثناء، من أجل إقناع الدول العربية المعترضة على عودة سورية للجامعة العربية، سنرى ما ستسفر عنه لاحقاً".
تحولات العلاقات المصرية السورية
من جهته، قال أستاذ العلاقات الدولية عصام عبد الشافي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن "التحولات التي تشهدها العلاقات المصرية السورية، خلال الآونة الأخيرة، لا يمكن فصلها بأي حال من الأحوال عن مجمل التحولات الإقليمية والدولية التي تشهدها المنطقة".
وأشار إلى أنه "مع زيارة وزير خارجية النظام السوري إلى مصر، لا أعتقد أن هناك ما يمنع عودة العلاقات بين النظامين السوري والمصري، لأن العلاقات الأمنية والعسكرية لم تتوقف بينهما من الأساس خلال السنوات العشر الماضية، كما أن النظام المصري يرى في عودة بشار واحتوائه والتطبيع معه ورقة قوة في مواجهة تركيا، وانكساراً لحضورها ونفوذها في الشمال السوري".
عصام عبد الشافي: مصر تراهن من خلال بوابة سورية، على ترسيخ علاقاتها مع روسيا
وأضاف عبد الشافي أن "النظام في مصر يراهن من خلال بوابة سورية، على ترسيخ علاقاته مع روسيا، وعودة علاقاته مع إيران، خصوصاً بعد عودة علاقات السعودية مع إيران. وإذا كان هناك أي خطاب سياسي متحفظ من النظام المصري تجاه الملف، فالأمر لا يعدو سوى كونه مناورات إعلامية ومناكفات سياسية للحصول على مزيد من الدعم المالي من دول الخليج، ولكن في الأخير لن يستطيع النظام المصري وقف مسيرة التطبيع مع النظام السوري، طالما أصبح أمر التطبيع مرتبطاً بتوجهات سعودية إماراتية".
من جهتها، قالت الناشطة السورية، وفا مصطفى، إنها تفضل تسمية التطورات الأخيرة في الملف السوري "بلفظ التطبيع، لأنه لا يوجد وضوح حول الأسس التي يُبنى عليها هذا التقارب أو الحل السياسي في سورية برعاية عربية، وبالتالي فهذا الشكل هو تطبيع وليس حلاً سياسياً".
ولفتت الناشطة السورية، التي تُعرّف نفسها كابنة لأحد المعتقلين السياسيين المختفين في سجون الأسد منذ 9 سنوات، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن "التطبيع مع نظام الأسد، له نتائج عديدة على سورية والعالم، فهي نهاية أي فرصة لتغيير الواقع السياسي بسورية، ورسالة لكل النظم السياسية وكل الدكتاتوريات بالعالم، أن بإمكانكم قتل شعوبكم واعتقالها وحصارها وتهجيرها، وعلى الرغم من ذلك سوف يُعاد تأهيلكم سياسياً".
واعتبرت مصطفى أن "التطبيع يعني ضياع فرصة المحاسبة والعدالة لكل الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد، وبالتالي من المستحيل أن توجد فرصة لإعادة تأهيل المجتمع والبلد".
وأشارت إلى "وجود محاولات منذ سنوات، لإيجاد حلول سياسية لسورية، ودائماً ما كان يعرقل هذه المحاولات في كل مرة نظام الأسد، وبالتالي فالتطبيع معه يقتل أي فرصة لإيجاد حل حقيقي يُرضي السوريين ويعالج الواقع بشكل عملي".
وأكدت على "عدم جدوى أي حلول، ما دامت لن تبدأ بإطلاق سراح جميع المعتقلين والمعتقلات، وإنهاء عمليات الاعتقال المستمرة إلى اليوم، ومحاسبة جميع الجناة، وعلى رأسهم بشار الأسد. وما دون ذلك، لن تكون الحلول مستدامة أو مقبولة للشعب السوري".