معضلة سجن غويران متواصلة... ومخاوف على مصير نازحي الحسكة

25 يناير 2022
فرضت "قسد" حظر تجوّل كلياً على الحسكة (فرانس برس)
+ الخط -

تقدّمت "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، أمس الإثنين، على طريق استعادة سجن "الصناعة" في حي غويران بمدينة الحسكة السورية، والذي فرض عناصر من تنظيم "داعش" سيطرتهم عليه منذ يوم الجمعة واحتجزوا رهائن داخله، بعد هجوم بدأ مساء الخميس عليه.

وأدى الهجوم وما تبعه من اشتباكات في المنطقة، إلى نزوح الآلاف من المدينة، وتحديداً من حي غويران، وسط مخاوف من عرقلة عودة النازحين إلى منازلهم بعد انتهاء المواجهات.

محاولة استعادة السيطرة على غويران

وواصلت "قسد"، التي تدعمها قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن، أمس الإثنين، عملياتها الهادفة إلى استعادة السيطرة الكاملة على السجن.

وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، أمس، بإدخال وحدات من قوات الأمن الكردية وقوات مكافحة الإرهاب في "قسد"، "عربات مدرعة إلى ساحة سجن غويران"، بعد رفض "غالبية عناصر التنظيم الذين يتحصنون في مبانٍ بالسجن الاستسلام".

وقال المتحدّث باسم "قسد"، فرهاد شامي، لوكالة "فرانس برس": "دهمت قواتنا أحد المهاجع، حيث كان يتحصّن معتقلو داعش ويواصلون عمليات العصيان".

من جهته، ذكر مدير المرصد السوري رامي عبد الرحمن، لوكالة "فرانس برس"، أن "العشرات من عناصر التنظيم سلّموا أنفسهم داخل السجن وفي محيطه"، لافتاً إلى أن "سجناء التنظيم باتوا محصورين في الجزء الشمالي من السجن".


بات عناصر التنظيم محاصرين بالكامل داخل مبنى السجن

وقالت مصادر مقربة من "قسد" في الحسكة، لـ"العربي الجديد"، إن عناصر "داعش" انسحبوا من محيط السجن، خصوصاً من منطقة الصوامع، وبات عناصر التنظيم محاصرين بالكامل داخل مبنى السجن.

وأضافت أن "قسد" تقوم بين الحين والآخر بالمناداة عبر مكبرات الصوت تطالب التنظيم بالاستسلام، فيما يستمر تحليق طيران التحالف المروحي مع تنفيذ رشقات صاروخية على مبنى السجن بين الحين والآخر.

وكان المركز الإعلامي التابع لـ"قسد" قد قال في بيان أمس إن "العائق الكبير" أمام تقدم "قسد" في سجن غويران هو استخدام "داعش" لأطفال من "أشبال الخلافة" المرتبطين بـ"داعش" والبالغ عددهم 700 قاصر، كدروع بشرية في السجن.

وذكر البيان أن هؤلاء القاصرين "كانوا في مهاجع خاصة منفصلة داخل مركز الاعتقال، بهدف إعادة تأهيلهم من الفكر المتطرف". وأضاف أن "قوات سورية الديمقراطية تحمّل إرهابيي داعش مسؤولية إلحاق أي ضرر بهؤلاء الأطفال داخل السجن".

وفي السياق، قالت شبكة "فرات بوست" إن عناصر من "قسد" محتجزين داخل السجن تواصلوا مع ذويهم في ريف الحسكة، وقالوا إن التنظيم يهدد بقتلهم في حال لم تتوقف العملية ضدهم.

من جهتها، ذكرت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" أن تظاهرة خرجت في قرية الحنة الشرقية في ناحية الشدادي ومناطق أخرى في ريف الحسكة ضد "قسد".

وطالب المتظاهرون هذه القوات بالتفاوض مع التنظيم لإطلاق الرهائن الذين احتجزهم في سجن الصناعة، مضيفة أن الأهالي تناقلوا إشاعات عن إعدام التنظيم رهائن من أهالي هذه القرية يعملون مع "قسد" في سجن الصناعة.

وكانت مفاوضات قد جرت، الأحد، بين "قسد" و"داعش" باءت بالفشل بسبب "مطالب غير منطقية من قبل عناصر داعش المتمترسين داخل السجن"، وفق مصادر تحدثت لـ"العربي الجديد".

حظر تجول في الحسكة

ونشرت "قسد"، أمس الإثنين، مقطع فيديو يظهر إلقاء القبض على العشرات من سجناء التنظيم الذين حاولوا الهرب، فجر الجمعة، بعد أن شن نحو 200 عنصر من التنظيم، هجوماً هو الأكبر منذ إعلان القضاء عليه في منطقة شرق نهر الفرات مطلع عام 2019.

واستهدف التنظيم، بسيارتين مفخختين، بوابات سجن غويران، وهو ما أدى إلى هروب عدد كبير من آلاف الأسرى في السجن. وأعلنت القيادة العامة لـ"قسد"، الأحد، مقتل أكثر من 175 من عناصر "داعش"، بينهم 15 من المعتقلين الذين حاولوا الفرار خلال الهجوم والاشتباكات التي أعقبته.

من جهتها، أعلنت "هيئة الداخلية" التابعة للإدارة الذاتية فرض حظر تجوّل كلي على مدينة الحسكة وجزئي على باقي المناطق التي تخضع لسيطرة "قسد"، ابتداء من صباح أمس الاثنين وحتى نهاية الشهر الحالي.

وقالت الهيئة في بيان إن الحظر يهدف إلى "حفظ الأمن والاستقرار في مناطق شمال وشرق سورية بالتزامن مع استمرار هجمات مرتزقة داعش".

الرئيس المشترك لـ"مجلس سورية الديمقراطية" (مسد)، رياض درار، قال في حديث مع "العربي الجديد"، إن "ما جرى في الحسكة هو من نتائج النسخة الأخيرة من مسار أستانة"، مضيفاً: "الهدف إضعاف المسار المستقر في شمال شرقي سورية، وإضعاف الإدارة الذاتية وإظهار "قسد" بأنها غير قادرة على حماية المنطقة".

وأشار إلى أن "كل الجهات المعادية لقوات سورية الديمقراطية مستفيدة مما يجري في الحسكة"، مؤكداً أن مشروع "سورية الديمقراطية"، لن يتأثر وسيبقى، مضيفاً: "محاولات إخضاع مشروع "قسد" تأتي من كل اتجاه، ولكنها لن تنجح".

وتتلقى "قسد" التي تسيطر على جل الشمال الشرقي من سورية ومناطق غربي نهر الفرات، دعماً كبيراً من التحالف الدولي ضد الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة.


الأمم المتحدة: ما يصل إلى 45 ألف شخص نزحوا من منازلهم إلى أحياء أخرى من الحسكة

وفي السياق، أثار ما جرى في سجن الصناعة مخاوف جدية من إيجاد صعوبات أمام عودة النازحين من سكان غويران إلى الحي، تحت ذريعة وجود خلايا للتنظيم داخل هذا الحي.

وأعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أمس الإثنين، أن "ما يصل إلى 45 ألف شخص نزحوا من منازلهم إلى أحياء أخرى" من مدينة الحسكة، منذ بدء هجوم "داعش" على سجن غويران مساء الخميس.

وشهد حي غويران خصوصاً حركة نزوح كثيفة منذ الجمعة بسبب الاشتباكات وعمليات القصف الجوي من قبل طيران التحالف الدولي للقضاء على عناصر "داعش" الفارين والمهاجمين.

وليست هناك إحصائيات رسمية يمكن الركون إليها حول عدد المكونات السكانية في محافظة الحسكة، ولكن من المؤكد أن العرب يشكلون غالبية سكان هذه المحافظة.

ووفق مصادر محلية، يعد حي غويران "أعرق الأحياء في مدينة الحسكة"، موضحة أنه يقع جنوب شرقي المدينة، مضيفة "الحي مقسوم إلى قسمين غربي وشرقي".

ولفتت إلى أن الحي "يضم العديد من مؤسسات الدولة ومنها كليات جامعة الفرات"، مضيفة: "هو من أوائل الأحياء الثائرة ضد النظام الذي حاصره لوقت طويل". وبيّنت أن المقاتلين المعارضين الذين كانوا في الحي "رفضوا مبايعة تنظيم داعش في عام 2014".

وتعد الوحدات الكردية هي القوة الضاربة في محافظة الحسكة، إذ تسيطر على جل مساحتها، مع فصائل محلية تنضوي تحت عباءة "قسد".

وللنظام مربعان أمنيان في مدينتي القامشلي والحسكة، وبعض القرى القريبة من المدينتين، إضافة إلى "الفوج 123" (فوج كوكب) قرب الحسكة، و"الفوج 154" (فوج طرطب) قرب مدينة القامشلي، ومطار القامشلي الذي تحول إلى قاعدة عسكرية روسية منذ أواخر عام 2019.

الباحث السياسي مهند القاطع، وهو من أبناء محافظة الحسكة، أكد في حديث مع "العربي الجديد" أنه بفعل الاشتباكات "تم بالفعل تهجير سكان حي غويران بشكل كامل، إضافة إلى سكان حي حوش الأباعر، المجاور له".

وتابع: "حي غويران من أكبر الأحياء في محافظة الحسكة وأكثرها كثافة واكتظاظاً بالسكان، وله خصوصية وأهمية كبيرة، فهو من أوائل الأحياء الثائرة في محافظة الحسكة، ومن أوائل الأحياء التي خرجت عن سيطرة النظام في المحافظة بشكل كامل".

وأوضح أن حي غويران "تعرّض لحصار بين عامي 2014 و2016 من قبل النظام والمليشيات التابعة لحزب العمال الكردستاني التي استهدفت المدنيين حينها"، مضيفاً: "قُتل أثناء الحصار أكثر من 27 مدنياً، وأجبر معظم المدنيين على النزوح والتهجير".

وبيّن أن غويران اليوم "من أكثر الأحياء معارضة لإدارة قسد، ويتعرض سكانه للتهجير مرة أخرى، على خلفية الاشتباكات المعلنة مع تنظيم داعش والتي لا تزال ظروفها غامضة".

ورأى أن "وصول عناصر داعش إلى منطقة محصنة أمنياً، وحصولهم على السلاح، يطرح الكثير من إشارات الاستفهام"، مضيفاً: "قسد قبل شهر فقط أعلنت القبض على أحد عناصر خلية وأحبطت مخططاً للتسلل والسيطرة على سجن الدواعش في الحسكة".