ومع انتهاء اليوم السادس والأربعين للمعركة بواقع سبعة أسابيع قتال متواصلة، ونحو 1100 ساعة قتال، تمكّنت القوات المهاجمة حتى الآن من استعادة السيطرة على مناطق ومدن مختلفة خارج الموصل وداخلها تُقدّر بأكثر من 2300 كيلومتر مربع، منها 22 حياً سكنياً داخل مركز المدينة من أصل 85 حياً هي مجموع أحياء المدينة بساحليها الأيمن والأيسر الذي يفصل بينهما نهر دجلة.
سباق مع الزمن
تتضمن خطة استعادة الموصل سقفاً زمنياً محدداً تسعى كل من بغداد وواشنطن لتحقيقه، إذ تشير التقارير العسكرية ومصادر غرفة العمليات المشتركة إلى أن الخطة تضمن استعادة المدينة قبل نهاية العام 2016، ما يعني أن أمام تلك القوات نحو 30 يوماً فقط لإعلان تحرير الموصل وطرد تنظيم "داعش" منها أو القضاء عليه بداخلها. إلا أن ذلك لا يبدو ممكناً حتى الآن لأسباب كثيرة، أبرزها صعوبة القتال داخل الأحياء خصوصاً مع اقتراب الاشتباكات من أحياء تكاد تكون عبارة عن أحواض بشرية من المدنيين، أبرزها المثنى والنور والهاشمية والشمس والمدينة القديمة. ويتعذر استخدام الأسلحة الثقيلة أو حتى المتوسطة في بعض الأحيان في هذه الأحياء. وتبرز كذلك عقدة نهر دجلة مع توقعات بأن تواجه القوات العراقية صعوبات بالغة في العبور إلى الساحل الأيمن من المدينة بعد انهيار الجسور الخمسة الرابطة بين شطري الموصل، فضلاً عن تمكن التنظيم من السيطرة على مواقع مهمة تُعتبر نقطة قوة تصب في صالحه خلال المعارك التي ستندلع قرب النهر الذي تبلغ مساحته داخل المدينة نحو 12 كيلومتراً.
ووفقاً لمصادر عسكرية عراقية تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن "الوقت المقرر لإنجاز خطة استعادة الموصل بين يوم 24 و30 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، إلا أن الوضع الحالي يجعل الخطة غير أكيدة التحقيق من ناحية السقف الزمني لها".
وقال عميد في الجيش العراقي في بغداد، طلب عدم ذكر اسمه، إن "العمليات بمجملها ناجحة وتحرز تقدّماً بشكل شبه يومي، لكن البطء هو الصفة الملازمة للعمليات منذ انتهاء الأسبوع الأول للمعركة بعد تحرير المناطق المفتوحة والزراعية". وأضاف: "شهر واحد غير كافٍ، وإذا ضُغط علينا كما حدث في بعشيقة والحمدانية الشهر الماضي، فإن الموصل ستُدمر بالكامل، وقبل كل ذلك ستكون هناك أضعاف مضاعفة من المدنيين تحت الأنقاض، وعندها لن يكون هناك تحرير بل تدمير، وهو ما يريده داعش".
هذا الأمر أكده العقيد سعد الجبوري، وهو ضابط من أهالي الموصل ويشغل منصباً متقدماً ضمن تشكيلات الفرقة 16 في الجيش العراقي المشاركة في المعارك لتحرير المدينة، لافتاً إلى أن "التنظيم بات يراهن على المدنيين كورقة ضعف يُشهرها بوجه القوات العراقية كلما أرادت التقدّم أكثر داخل المدينة". وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "داعش يدّعي أنه يحمي المدنيين، لكنه يستخدمهم دروعاً بشرية وينقلهم كالقطيع بين حي وآخر، ولو كان يتحلى عناصره وقادته بالرجولة لأطلقوا سراح مئات الآلاف من النساء والأطفال على أقل تقدير وتركوهم يخرجون نحو المخيمات المنصوبة خارج المدينة".
واعتبر الجبوري أن "سقف الشهر لا يبدو عملياً في الوقت الحالي"، متوقعاً أن "نستغرق وقتا أطول في الساحل الأيسر، أما الأيمن فسيكون آخر مكان للتنظيم وعندها سيقاتل من أجل أن يبقى وليس من أجل أن ينتصر وهذا يضفي صعوبة على المعركة"، محذراً من أن "القتال قد يدمر الموصل بشكل كبير".
خريطة السيطرة
أنهت القوات العراقية النظامية ممثلة بقوات الفرقتين 9 و16 فضلاً عن جهاز مكافحة الإرهاب والفرقة الذهبية ولواء التدخل السريع الأول، مساء أمس الاثنين، على تقدّم جديد مع انتزاعها أكثر من كيلومترين داخل الأحياء الشرقية للموصل من سيطرة تنظيم "داعش".
ووفقاً لقائد عمليات تحرير نينوى اللواء نجم الجبوري، فإن القوات العراقية باتت تسيطر على 23 حياً سكنياً داخل الموصل وبمعدل ربع المدينة حالياً، مشيراً إلى أن القوات المشتركة أكملت سيطرتها على حي الجامعة والخضراء والشقق فضلاً عن استكمال سيطرتها على حي المحاربين بشكل كامل، مضيفاً: "نشتبك مع قوات العدو في أحياء المصارف والنهضة والقاهرة والفلاح والبريد". وأكد "تكبيد تنظيم داعش خسائر كبيرة في المعدات والأرواح"، معلناً "أننا نعمل على تقديم بشارة تحرير الموصل قبل رأس السنة الجديدة"، موضحاً أن "محاور القتال الأخرى تشهد تقدّماً كبيراً أيضاً وكله بدعم من طيران التحالف الدولي".
فيما أعلن قائد القوات البرية العراقية الفريق الركن رياض جلال توفيق، أن قواته انتزعت، يوم أمس الإثنين، قرية القصر، جنوب شرق الموصل، من تنظيم "داعش"، مضيفاً في مؤتمر صحافي أن "مناطق سهل نينوى تكون بذلك محررة بالكامل من سيطرة داعش"، معلناً أنه "تجري عملية تطهير القرية والبحث عن جيوب للتنظيم".
في هذا الوقت، لا تزال المعارك عبر المحور الجنوبي مشتعلة لليوم الرابع على التوالي، بين قوات الجيش والشرطة الاتحادية من جهة، ومقاتلي "داعش" من جهة أخرى. ويتمحور الصراع على منطقة البو سيف التي تُعد السيطرة عليها بمثابة السيطرة على مطار الموصل الدولي الذي يُعتبر أول مناطق الموصل من المحور الجنوبي.
أما من الغرب، فتسود حالة تضارب في المعلومات حول سير المعارك بين مليشيات "الحشد الشعبي" وتنظيم "داعش"، وتحوّلت خلال الساعات الأخيرة إلى ما يشبه حرب بيانات بين الطرفين حول إعلان السيطرة على منطقة ونفيها بعد ذلك بقليل. إلا أن مصادر محلية وأخرى عسكرية عراقية أكدت لـ"العربي الجديد"، أن "المعارك ما تزال خارج تلعفر وتحديداً قرب المطار وقرية عين الحصان، جنوب المدينة، والعيون الحارة، جنوب شرقها، من دون أي تقدّم للطرفين، في الوقت الذي سجلت فيه مستشفى المدينة وصول ضحايا مدنيين سقطوا بقصف الصواريخ الذي شنته مليشيات الحشد على تلعفر".
المدنيون آخر أولويات المعركة
ارتفع عدد النازحين المدنيين الفارين من القتال إلى نحو 90 ألف مدني، غالبيتهم من النساء والأطفال. وقالت مصادر لـ"العربي الجديد"، إن نحو 4 آلاف منهم اتجهوا نحو سورية وتركيا، بينما تركز اتجاه الآخرين إلى ستة مخيمات نزوح غطت حاجة 60 ألفاً منهم، فيما لا يزال الآخرون يفترشون الطرقات والساحات العامة وسفوح جبال سنجار ومخمور وحمرين.
بينما ارتفع عدد الضحايا المدنيين منذ بدء المعارك إلى 2500 مدني، بينهم أكثر من 900 قتيل يُشكّل النساء والأطفال أكثر من نصفهم. وبذلك ترتفع قائمة الضحايا منذ احتلال "داعش" للموصل ولغاية مساء أمس، إلى 20 ألف قتيل وجريح، بينهم 8 آلاف قتيل سقطوا على يد تنظيم "داعش" والقصف الجوي للتحالف الدولي وبغداد والمدفعي والصاروخي للبشمركة خلال مطلع العام الحالي فضلاً عن العمليات العسكرية الحالية.
وبحسب مصادر طبية استقت "العربي الجديد" المعلومات منها، فإن الغذاء بدأ ينفد من المدينة، والمحلات بين فارغة أو مغلقة، مع بدء بروز إشارات حول مجاعة قريبة في الموصل خلال أسبوع أو اثنين.