معركة الشارع في تونس

16 يناير 2023
من تظاهرة السبت في العاصمة تونس (ياسين القائدي/Getty)
+ الخط -

يمكن اعتبار السبت 14 يناير/كانون الثاني الحالي بمثابة انتصار جديد للمعارضة التونسية في معركتها مع الرئيس قيس سعيّد، فقد تمكنت، على الرغم من كل التضييقات والتحذيرات، من حشد آلاف المتظاهرين في شارع الثورة، شارع بورقيبة وسط العاصمة تونس، وفق ما أثبتته الصور أولاً، وما أكدته مصادر إعلامية أجنبية محايدة ثانياً.

ولم تتراجع المعارضة، "جبهة الخلاص الوطني" أساساً، أمام رفض الترخيص لها من محافظ تونس كمال الفقيه، ونفّذت مسيرتها الكبيرة ودخلت قلب العاصمة، حيث سبقتها الأحزاب الاجتماعية الخمسة، التيار والجمهوري والقطب والعمال والتكتل.

وهو لقاء يتم لأول مرة، ورغم أنه مجرد تنسيق ميداني غير مباشر بين الطرفين، لكنه يؤشر إلى نوعية المشهد المقبل وتوازناته الجديدة، مع تزايد معارضي سعيد يوماً بعد يوماً، فيما يفقد هو شارعه أكثر فأكثر.

وبان صراع الشارع جلياً بين المعسكرين؛ حيث خرج سعيّد قبل يوم من تظاهرة المعارضة، مساء الجمعة، وسط العاصمة أيضاً، موجهاً رسالة قد ترفع من معنويات مناصريه القلّة، بحكم نتائج الانتخابات التشريعية على الأقل.

وحاول أن يثبت لنفسه أنه لا يزال ابن هذا الشارع الشعبي الذي خرج منه، ولكن الواقع غير ذلك؛ لأن كل المؤشرات تؤكد أن سعيّد فقد الدعم في الامتحانات التي ألزم بها التونسيين.

إلا أنه يحاول أن يقلب المعادلة، قبيل الجولة الثانية من الانتخابات، المقررة في 29 يناير الحالي، لعله يسترجع بعضاً من شارع لا يجد السلع الأساسية في الأسواق، وإن وجدت فهي غالية الثمن، وفقد الأمل في تحسين الأوضاع، كما وعد الرئيس عندما أمسك بكل السلطات، مؤكداً أن البلاد غنية وفيها ما سيغير حياة الناس بسرعة. ولكن العكس هو ما حصل تماماً، لأسباب موضوعية، عالمية وداخلية من ناحية، وبسبب فشل سياسي مؤكد في إدارة الدولة من ناحية أخرى.

لقد كان المحتجون في شارع بورقيبة، السبت، هم ممثلي الشارع السياسي، الحزبي والحقوقي والمدني، الذين يخوضون معركة سياسية بامتياز وعن اقتناع، ويخوضون معركة الحريات أساساً. ولم يلتحق بهم بعدُ الشارع الاجتماعي، القادر فعلاً على تغيير الأوضاع وقلب كل المعادلات، ولكنه موضوعياً لن يتأخر لأن كل الأسباب مجتمعة لذلك، إلا إذا تأخر الرئيس خطوة إلى الوراء والتقط حبل النجاة الذي ألقته إليه المنظمات الاجتماعية بمبادرة الحوار.

ولكن الرئيس لا يعود أبدا إلى الوراء، وهذا ما سيجعل تونس مفتوحة على احتمالات عديدة في الأيام والأسابيع المقبلة، وقد تتغير المعطيات بسرعة وتفضي إلى وضع جديد، سيتحدد داخلياً ودولياً، وقد تتقلص فيه حظوظ سعيد كثيراً بعد أن خسر معركة الشارع بوضوح.

المساهمون