على الرغم من الأهمية الإستراتيجية لمدينة أوديسا الساحلية جنوبي أوكرانيا، إلا أن روسيا لا تزال تبدو متأنية في التقدم باتجاه ثالث أكبر مدينة أوكرانية، بعد كييف وخاركيف، وإحدى حواضن السكان الناطقين بالروسية.
ووسط توقعات بأن تخطط موسكو لشن هجوم بري وبحري للسيطرة على أوديسا، فإن الألغام الأوكرانية المزروعة في البحر الأسود قد تمثل عائقاً أمام ذلك. وبسبب هذا الأمر، تقتصر الضربات الروسية على أوديسا والمناطق المحيطة بها حتى الآن، على استهداف مصافي النفط ومخازن الوقود، لقطع الإمدادات عن الجيش الأوكراني، بلا أعمال عسكرية واسعة النطاق على محاور هذه المدينة.
قسطنطين بلوخين: روسيا لن تحقق أهدافها في أوكرانيا إلا بعد السيطرة على أوديسا
ومع ذلك، يعتبر الخبير في مركز بحوث قضايا الأمن التابع لأكاديمية العلوم الروسية، قسطنطين بلوخين، أن روسيا لن تحقق أهدافها في أوكرانيا إلا بعد السيطرة على مدينة أوديسا الاستراتيجية، مرجحاً أن يكون التقدم باتجاهها مجرد مسألة وقت.
التقدم باتجاه أوديسا مسألة وقت
ويلفت بلوخين، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن أوديسا تُعد بالنسبة للعقل الرسمي الروسي "واحدة من المدن الرئيسية المصنفة بين المدن الناطقة بالروسية، والموالية لروسيا في جنوب شرق أوكرانيا، ولذلك التقدم باتجاه أوديسا هو مجرد مسألة وقت".
وحول أسباب تأني روسيا في حسم الوضع في أوديسا، يوضح بلوخين أنه "في الوقت الحالي، يتم شن ضربات على مواقع البنية التحتية، فالنصر يتم تحقيقه عن طريق قطع الموارد عن قوات العدو، خاصة وأن أوكرانيا بلد كبير من حيث المساحة، يمكن مقارنته بفرنسا أو ألمانيا. لذلك لن يتسنى بسط السيطرة على كامل أراضي أوكرانيا على وجه السرعة. كما أن روسيا لا تقيم خطاً موحداً لجبهة القتال".
ويقلل من أهمية ما يتردد عن أن روسيا تراجعت عن مشروع تغيير النظام الحاكم في أوكرانيا. ويقول إن "أوديسا من المدن التي لا يمكن تغيير النظام من دون السيطرة عليها. والهدف من المفاوضات هو الاستسلام السلمي وفتح ممرات إنسانية، ولن يكون هناك ضمان أفضل من وجود قواعد عسكرية روسية لمنع انضمام أوكرانيا إلى الناتو في المستقبل".
وكانت وزارة الدفاع الروسية أعلنت، أمس الأول الأحد، شن ضربات صاروخية، أسفرت عن تدمير مصفاة للنفط وثلاثة مخازن للوقود وزيوت التشحيم كانت تستخدم لنقل الوقود للقوات الأوكرانية في ميكولايف، التي تتعرض لأشد قصف روسي.
السيطرة على ميكولايف أولاً
من جهته، يشير الصحافي المقيم في أوديسا، فيكتور ساينكو، إلى أن الوضع في المدينة يبدو طبيعياً، مستبعداً احتمال بدء الاجتياح الروسي إلا بعد عبور القوات الروسية مدينة ميكولايف المجاورة.
ويقول ساينكو، في اتصال مع "العربي الجديد"، إنه "رغم سماع دوي صفارات الإنذار بانتظام، إلا أن الوضع في المدينة هادئ، ويتجول الناس في الشوارع بشكل طبيعي، وكأن شيئاً لم يحدث، وليست هناك أي مظاهر للذعر. جميع المواد الغذائية الأساسية متوفرة، وأرفف المتاجر مليئة بنسبة 60 في المائة تقريباً، ولكن الأسعار قد ارتفعت".
وحول رؤيته لأسباب تأني القوات الروسية في التقدم نحو أوديسا، يضيف ساينكو: "هناك اعتقاد أن القوات الروسية لن تبدأ باقتحام أوديسا إلا بعد السيطرة على ميكولايف، حيث إنه لا جدوى من عملية إنزال من البحر من دون تقدم القوات البرية من المحور الشمالي. كما يجري الحديث عن احتمال تموضع القوات الروسية في إقليم ترانسنيستريا في جمهورية مولدافيا المجاورة".
ناطقون بالروسية في أوديسا
ويعلق ساينكو على مزاعم موسكو بأن أوديسا مدينة روسية، قائلاً: "صحيح أن أوديسا تحتضن نسبة عالية من الناطقين بالروسية، ولا أستبعد أن يكون بين سكانها نسبة من يعتقدون أن (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين سيأتي وينظم الأمور، ولكن هؤلاء لا يكشفون عن أنفسهم في الظروف الحالية من باب العقلانية وتوخي الحذر".
فيكتور ساينكو: القوات الروسية لن تبدأ باقتحام أوديسا إلا بعد السيطرة على ميكولايف
وفي الوقت الذي تقدر فيه نسبة الروس بين سكان أوديسا بنحو 30 في المائة، فقد شهدت هذه المدينة الساحلية عقب سقوط الرئيس الأوكراني الموالي لروسيا، فيكتور يانوكوفيتش، في العام 2014، فاجعة أودت بحياة العشرات من معارضي السلطة الجديدة ذات توجهات قومية متشددة، في اشتباكات مع موالين لها وحريق أضرم في مبنى النقابات الذي لجأ المعارضون إليه.
ومنذ ذلك الحين، عملت السلطات في كييف جاهدة على إبعاد أوديسا عن دائرة النفوذ الروسي، بما في ذلك عن طريق تعيين الرئيس الجورجي الأسبق، ميخائيل ساكاشفيلي، المعروف بمعاداته لموسكو، حاكماً لأوديسا في العام 2015، قبل أن تتدهور علاقاته مع الرئيس الأوكراني السابق، بيترو بوروشينكو، الذي سحب الجنسية الأوكرانية منه. إلا أن الرئيس الأوكراني الجديد، فولوديمير زيلينسكي أعاد ساكاشفيلي إلى المشهد السياسي الأوكراني في نهاية الأمر، إذ عينه في مايو/أيار 2020 رئيساً للجنة التنفيذية للمجلس الوطني للإصلاح في أوكرانيا.