تحوّلت الحرب الكلامية التي تخوضها منذ أسابيع حكومة رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد و"جبهة تحرير شعب تيغراي"، إلى قتال على الأرض أمس الأربعاء، وسط تبادل الطرفين الاتهامات حول استئناف المعارك وشن هجوم جديد كبير جنوب إقليم تيغراي بشمال البلاد.
ويشكل هذا التطور ضربة كبيرة لمحاولات بدء محادثات سلام بين الطرفين، كما يُمثل نهاية لوقف إطلاق النار الذي تم الالتزام به منذ مارس/آذار الماضي عندما أعلنت الحكومة هدنة إنسانية، بعدما وصل الجانبان إلى طريق مسدود في قتال دام اندلع في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2020.
تبادل اتهامات بين الحكومة الإثيوبية و"جبهة تحرير شعب تيغراي"
وبعد ساعات من اتهام متمردي تيغراي الحكومة الإثيوبية والمليشيات المتحالفة معها بشن "هجوم واسع" على جنوب تيغراي، أمس الأربعاء، أكدت الحكومة الإثيوبية في وقت لاحق استئناف المعارك، متهمة بدورها المتمردين "بانتهاك" الهدنة التي تم التوصل إليها منذ خمسة أشهر.
وقالت الحكومة في بيان إن متمردي تيغراي "تجاهلوا عروض السلام العديدة التي قدمتها الحكومة الإثيوبية" وشنوا "هجوماً اليوم (أمس) في الساعة الخامسة" (الثانية بتوقيت غرينتش) في منطقة تقع جنوب تيغراي و"انتهكوا الهدنة".
الحكومة الإثيوبية تطلب ضغطاً دولياً شديداً على قوات تيغراي
وتابعت الحكومة في بيانها "تصدت قوات دفاعنا الباسلة وجميع قواتنا الأمنية بانتصار وبطريقة منسقة لهذا الهجوم"، داعية المجتمع الدولي إلى ممارسة "ضغوط شديدة" على سلطات المتمردين في تيغراي.
وقبل ذلك، اتهم متمردو تيغراي الحكومة الإثيوبية والمليشيات المتحالفة معها بشن الهجوم. وقال المتحدث باسم "جبهة تيغراي"، غيتاشيو رضا، لوكالة "فرانس برس" في نيروبي عبر رسالة مقتضبة "شنوا الهجوم في ساعة مبكرة هذا الصباح (صباح أمس) حوالى الساعة الخامسة. ونقوم بالدفاع عن مواقعنا".
وكتب رضا كذلك في تغريدة على "تويتر"، أن الجيش الإثيوبي وقوات خاصة ومليشيات من منطقة أمهرة المجاورة، شنوا الهجوم "واسع النطاق" على "مواقعنا في الجبهة الجنوبية". وتابع رضا، أن الهجوم جاء بعد "استفزازات استمرت نحو أسبوع" من قوات إقليم أمهرة المجاور.
وأفاد تلفزيون تيغراي، التابع للجبهة، أمس، بأن "القوات الإثيوبية إلى جانب قوات أمهرة الخاصة ومليشيات من أمهرة شنت هجوماً واسع النطاق في حوالي الساعة الخامسة صباحاً".
من جهتهم، أكد سكان لوكالة "رويترز"، أمس الأربعاء، أن قتالاً بين قوات "جبهة تحرير شعب تيغراي" وقوات الحكومة الإثيوبية اندلع في محيط بلدة كوبو. وقال مزارع في كوبو لوكالة "رويترز"، طلب عدم نشر اسمه "أسمع دوي أسلحة ثقيلة منذ الصباح (صباح أمس). في الأسبوع الماضي، رأيت قوات أمهرة الخاصة وقوات فانو (مليشيا متطوعة) تتجه إلى الجبهة بالحافلات".
وأكد اثنان آخران من السكان أنهما سمعا صوت نيران أسلحة ثقيلة منذ الصباح الباكر، وقالا إنه خلال اليومين الماضيين كانت هناك تحركات كبيرة إلى المنطقة من قوات مليشيا فانو المحلية وجنود الجيش الإثيوبي والقوات الخاصة من منطقة أمهرة المجاورة.
وكانت قوة الدفاع الوطني الإثيوبية، أصدرت أول من أمس الثلاثاء، بياناً اتهمت فيه الجبهة بالسعي لـ"تشويه سمعة" الجيش بإعلانها أن القوات الحكومية الإثيوبية تتقدم باتجاه مواقعها أو تقصفها بأسلحة ثقيلة.
ورفضت القوة مزاعم حول إعادة الجيش الإثيوبي القوات أو الهجمات، وحذر البيان من نشر "أسرار الجيش"، عبر نشر أي تقارير عن تحركات القوات في وسائل الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي.
وإقليم تيغراي والمناطق الحدودية مع المناطق المجاورة لأمهرة وعفر التي يحتل بعضها متمردو تيغراي، معزولة عن بقية البلاد، ويتعذر التحقق بشكل مستقل من اتهامات كل من الطرفين أو من الوضع على الأرض.
واندلعت الحرب في تيغراي في نوفمبر عام 2020، وامتدت إلى منطقتي عفر وأمهرة المجاورتين قبل عام. وتسبب القتال في ثاني أكبر دولة في أفريقيا من حيث عدد السكان بنزوح الملايين. كما دفع بأجزاء من تيغراي إلى شفا المجاعة وأودى بحياة الآلاف من المدنيين.
تعثّر محادثات السلام الإثيوبية
وهذه المعارك هي الأولى منذ إعلان هدنة إنسانية نهاية مارس الماضي. وقالت كل من الحكومة و"جبهة تحرير شعب تيغراي" في أكثر من مناسبة إنهما مستعدتان لإجراء مفاوضات لإنهاء النزاع. لكن لم تجر أي مباحثات ملموسة حتى الآن بسبب الخلافات حول عدة نقاط.
وتخوض حكومة أبي أحمد و"جبهة تحرير شعب تيغراي" حرباً كلامية منذ الأسابيع القليلة الماضية. وقالت متحدثة باسم رئيس الوزراء أبي أحمد الأسبوع الماضي في حديث للصحافيين، إن سلطات تيغراي "ترفض قبول محادثات السلام".
المعارك هي الأولى منذ إعلان هدنة نهاية مارس الماضي
وفي يونيو/حزيران الماضي، شكلت حكومة أبي أحمد لجنة للتفاوض مع "جبهة تحرير شعب تيغراي". وفي وقت سابق من الشهر الحالي، قالت الحكومة إنها تريد عقد محادثات "من دون شروط مسبقة".
ويبرز خلاف بين الطرفين حول من يتعين أن يقود أي مفاوضات. وتصرّ الحكومة الإثيوبية على قيادة الاتحاد الأفريقي جهود الوساطة. في المقابل، تنتقد سلطات تيغراي جهود الهيئة القارية وهي تشترط إعادة الخدمات الأساسية للمنطقة التي يبلغ عدد سكانها ستة ملايين نسمة، قبل بدء حوار.
وظلت منطقة تيغراي من دون خدمات مصرفية وخدمات اتصالات منذ انسحاب الجيش الإثيوبي منها في نهاية يونيو/حزيران من العام الماضي. وتوجد قيود على واردات الوقود مما يحد من توزيع المساعدات.
وفي السياق، قال برنامج الأغذية العالمي، في تقرير الأسبوع الماضي، إنه منذ الأول من إبريل/نيسان الماضي، دخل تيغراي 20 في المائة فقط من الوقود اللازم لتوزيع الإمدادات الإنسانية
وأضاف أن ما يقرب من 90 في المائة من سكان المنطقة بحاجة إلى مساعدات، محذراً من أن معدلات سوء التغذية "ارتفعت بشكل كبير"، حيث يعاني 29 في المائة من الأطفال من سوء التغذية، فيما يعاني 2.4 مليون شخص من نقص شديد في الأمن الغذائي، ومن المتوقع أن يزداد الوضع سوءاً حتى موسم الحصاد في أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
من جهتهم، أشار أطباء في مستشفى "إيدر ريفيرال"، أكبر مستشفى في إقليم تيغراي، إلى وجود نقص في بعض المعدات الطبية والعديد من الأدوية لعلاج أمراض شائعة مثل داء الليشمانيات الحشوي المعروف بالكالازار.
(فرانس برس، رويترز، أسوشييتد برس)