مطالبات باستخدام أموال مرتكبي الانتهاكات في سورية لمساعدة المتضررين

13 مارس 2024
من قصف النظام السوري لإدلب، أكتوبر 2023 (قاسم رمّاح/الأناضول)
+ الخط -

يبدو أن التحركات الغربية، لا سيما الأوروبية منها، حيال الاستفادة من الأصول الروسية المصادرة أو المجمدة في المصارف والدول الأوروبية لإعادة الإعمار في أوكرانيا التي تسببت روسيا في نكبتها، تشجع على تطبيقات مماثلة في حالات مشابهة، لا سيما في سورية، التي تحتاج إلى مئات مليارات الدولارات لإعادة إعمارها، أو مساعدة مجتمعاتها المتضررة قبل الذهاب إلى مرحلة إعادة الإعمار باهظة التكلفة، وذلك بعد 13 عاماً على اندلاع الثورة السورية.

وفي مقال مشترك لكل من السفير الأميركي السابق ستيفن راب والمستشارة الأميركية في معهد "المجلس الأطلسي" أليسا ياماموتو، نشر في 6 مارس/آذار الحالي  عبر موقع منتدى "دجاست سيكيوريتي" الأميركي، وهو منتدى يعرّف نفسه بـ"المختص بالتحليل الدقيق للأمن والديمقراطية والسياسة الخارجية والحقوق"، طالبا فيه حكومة الولايات المتحدة بالتصرف في الأموال المصادرة من قبل مرتكبي الانتهاكات في سورية لمساعدة الشعب السوري، لا سيما الفئات المتضررة، مشيرين إلى بدء الاستفادة من الأموال المصادرة من الشركات الروسية، لدعم الشعب الأوكراني.

مصادرة أموال منتهكي القانون في سورية

وفي مقال بعنوان "تطبيقاً لسابقة أوكرانيا، على وزارة العدل (الأميركية) استخدام الأموال المصادرة من منتهكي القانون في سورية لمساعدة الضحايا"، تطرق راب وياماموتو إلى مصادرة 600 مليون دولار من شركة الإسمنت الفرنسية "لافارج"، التي كانت تعمل في سورية، من قبل وزارة الخزانة الأميركية، بالإضافة إلى 90 مليون دولار صادرتها فرنسا من رفعت الأسد، عم رئيس النظام الحالي بشار الأسد وشقيق الرئيس الراحل حافظ الأسد. ورفعت الأسد متهم بارتكاب جرائم وانتهاكات في سورية، بالإضافة إلى نهب وسلب الأموال العامة.


راب: من المهم العمل مع المجتمع المدني السوري في مصادرة الأموال 

واعتبر الكاتبان أنه "ينبغي لوزارة العدل الأميركية أن تتبنى نهجاً إبداعياً مماثلاً (بالإشارة إلى التصرف بأموال إحدى الشركات الروسية المصادرة في إستونيا) في التعامل مع مصادرة شركة لافارج لصالح ضحايا جرائم لافارج في سورية، إذ يتمتع المدعي العام بسلطة تقديرية كبيرة لاستخدام الأصول المصادرة لاستعادة الضحايا الأساسيين لصالح العدالة".

ونوه راب وياماموتو إلى أن الأموال التي صادرتها فرنسا تقدّر بأكثر من 90 مليون يورو (نحو 98.4 مليون دولار) من الأصول المحلية المملوكة لرفعت الأسد، و"كانت تستكشف أفضل السبل لإعادة هذه الموارد إلى الشعب السوري، وبالتالي، فهي في وضع جيد يؤهلها للمشاركة في مخطط أوسع لتوجيه التمويل لصالح الضحايا في سورية".

وشغل راب سابقاً منصب سفير الولايات المتحدة المتجول للعدالة الجنائية العالمية بين 2009 إلى 2015، والمدعي العام للمحكمة الخاصة لسيراليون، ومحامي أول ورئيس الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية لرواندا، وكان المدعي العام الأميركي للمنطقة الشمالية من ولاية أيوا بين عامي 1993 و2001. أما ياماموتو، فهي كبيرة المستشارين القانونيين والسياسيين في مشروع التقاضي الاستراتيجي في "المجلس الأطلسي"، ومقره الولايات المتحدة، والذي يركز على جهود الوقاية والمساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم الفظيعة.

وفي حديثٍ لـ"العربي الجديد" قال راب، إنه "من الممكن وضروري جداً أن تُنفق هذه المئات من ملايين الدولارات التي تم استردادها من لافارج، لصالح الشعب السوري"، مشيراً إلى أن "ذلك سيتطلب التعاون مع دولة أخرى ساعدت في التحقيق، وأعتقد أنه يمكن أن تكون فرنسا، التي لديها أيضاً تحقيقها الخاص وستقوم باسترداد الأموال من لافارج في تلك القضية الجنائية".

 

ونوّه راب إلى أن باريس "قد استردت أيضاً عشرات الملايين من الدولارات من رفعت الأسد، ويمكن بعد ذلك وضع هذه الأموال في صندوق، ولكن سيكون من المهم جداً العمل مع المجتمع المدني السوري ومجموعات الضحايا، للتأكد من توزيع الأموال بشكل صحيح لكل من مشاريع التي ستفيد الناس وللأفراد الذين عانوا كثيراً".

وأضاف: "بالطبع، العديد من ضحايا قضية لافارج هم أولئك الذين عانوا من أيدي داعش لأن الأموال استُخدمت من قبلهم للتجنيد وتوفير الأسلحة لارتكاب الجرائم الفظيعة التي ارتكبوها في جزء كبير من سورية والعراق، ولذلك يجب أن يستفيد هؤلاء الأشخاص، لكن يجب أن نضع في اعتبارنا أنه ليس فقط هؤلاء الضحايا من يمكن أن يستفيد. وكما نعلم، فإن أموال رفعت الأسد جاءت من جرائم ارتكبت ضد معارضي النظام، وفي رأيي يجب أن يستفيد الضحايا بغض النظر عمن كان مرتكب هذه الجرائم، مع التركيز الحقيقي على الأشخاص في سورية وأعتقد أيضاً في شمال العراق".

الاستفادة من مصادرة الأموال مستقبلاً

وأكد راب أنه يمكن الاستفادة من هذه المصادرات في المستقبل، قائلاً: "مع قانون قيصر (أُقرّ في ديسمبر/كانون الأول 2019، ودخل حيز التنفيذ في يونيو/حزيران 2020، وفرض عقوبات على كل من يقدم الدعم للنظام السوري)، على سبيل المثال، هناك إمكانية لمقاضاة الأفراد والشركات وغيرهم الذين عملوا مع أشخاص خاضعين للعقوبات وحاولوا التحايل على العقوبات".

وأضاف "نعلم أنه يمكن الحصول على مبالغ ضخمة من المال بهذه الطريقة، وعلى سبيل المثال أيضاً في حالة المصرف الفرنسي (بي إن بي باريبا)، حين تم الحصول على حوالي 9 مليارات دولار بناءً على عقوبات ضد السودان وإيران، اللذين ساعدهما المصرف على تجنبها".


الشعار: تمّت مناقشة موضوع استخدام الأموال المصادرة لكن من دون أفكار واضحة

وشدّد راب على أن "المبدأ الأساسي هو عندما تحدث هذه الاستردادات، يجب ألا تذهب فقط إلى خزينة الدولة ولكن يجب أن تذهب لمساعدة الأشخاص الذين تضرروا، ولدينا مبدأ حقوق الضحايا وحمايتهم في الولايات المتحدة، وأن الضحايا يجب أن يأتوا في المقام الأول، لذلك نحن ندفع بهذا بمساعدة أعضاء من الكونغرس ووزارة العدل لإنشاء هذا الصندوق بالتعاون مع فرنسا ودول أخرى قامت باستردادات مماثلة". وأوضح أنه "بموجب القانون الأميركي يمكن القيام بذلك، وقد يكون من الضروري وجود بعض التشريعات لتوجيه المدعي العام للقيام بذلك، ولكن صراحةً، يمكن للمدعي العام القيام بذلك الآن".

وتنبع مصادرة لافارج البالغة 687 مليون دولار من اعتراف الشركة التي تتخذ من فرنسا مقراً لها بالذنب في التآمر لتقديم دعم مادي للإرهاب من خلال دفع أموال لتنظيم "داعش" و"جبهة النصرة" في الفترة بين عامي 2013 و2014 للاحتفاظ بمصنع الإسمنت في شمال سورية، وكل ذلك بينما كان كل من "داعش" و"النصرة" يرتكب فظائع ضد المدنيين في سورية والعراق.

وحتى الآن، ليس هناك إعلانات هامة من قبل الحكومات الأوروبية أو الأميركية، على مصادرة أصول وأموال للنظام في سورية بوضعه الحالي أو أشخاصه الحاليين، إذ يمكن استهدافها في أي صندوق اختصاصي يمكن اللجوء إليه في عمليات مساعدة المتضررين، لكن الحقوقيين السوريين والدوليين، يشيرون إلى ضرورة إنشاء مثل هذه الآلية، نظراً لكمية الأموال المنهوبة من قبل مسؤولي النظام، والتي يمكن مصادرتها في يوم ما.

من جهته قال كرم الشعار، مدير البرنامج السوري في مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية، إن موضوع استخدام الأموال المصادرة لتعويض المتضررين في سورية مفتوح منذ فترة، وتمت مناقشته، لكن من دون وضوح في الأفكار، وحالياً هناك أكثر من مؤسسة غربية تعمل على هذا الموضوع.

وأشار الشعار في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "هناك أكثر من بند ممكن أن تقع تحته الأموال، كالأموال المصادرة بسبب خرق عقوبات، مثل أموال لافارج، أو أموال صودرت بحكم قضائي كحالة رفعت الأسد، وهناك أيضاً أموال مجمدة للدولة السورية، وما أعرفه تحت هذا البند، أن الأموال المجمدة لا تتجاوز 30 مليون دولار". ورأى أن مسألة الأموال المصادرة أو المجمدة معقدة جداً.