يسود العلاقة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا الكثير من انعدام الثقة بفعل خطابها الذي يعتبره الاتحاد عدائيًّا تجاه بعض دولها، وتحرّكاتها التي لا تتماشى مع مصالحه، وهذا ما دفع العديد من الدول الأوروبية، وفي مقدمتها فرنسا، لحث الاتحاد على فرض عقوبات على أنقرة، بسبب الصراع على الغاز في البحر المتوسط، والذي يعتبره الاتحاد غير قانوني.
ويضاف إلى ذلك أنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يغضب الأوروبيين بشأن قبرص ويدعو إلى حل الدولتين الدائم للجزيرة المقسمة، فضلاً عن انتقادات الاتحاد لدور تركيا في ليبيا وسورية وفي نزاع ناغورنو كاراباخ.
وعلى ما يبدو، فإنّ بروكسل بدأت تتفاعل مع هذه الطروحات، بعد أن كانت القمة الأوروبية الأخيرة قررت تأجيل الإجراءات العقابية، وعقد تقييم للسياسة التركية خلال القمة المقررة يومي 10 و11 ديسمبر/ كانون الأول الحالي.
وترجم منحى التعاطي بصرامة مع أنقرة بإعلان رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، أمس الجمعة، أنّ زعماء ورؤساء حكومات دول الاتحاد سيناقشون، خلال جلستهم المقررة الأسبوع المقبل، فرض عقوبات جديدة على تركيا.
وأبرز ميشال أنّ الاتحاد "مدّ يده" إلى الحكومة في أنقرة، خلال أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لحل النزاعات وتحسين العلاقات، إلا أنّ تقييم التطور منذ ذلك الحين "سلبي"، موضحاً أنّ الوقت قد حان "لإنهاء لعبة القط والفأر"، وأنّ الاتحاد قدّم "عرضاً إيجابياً" لتركيا لإعادة تنظيم العلاقات، وكان الشرط أن تنهي تركيا "الاستفزازات". إلا أنّ أنقرة تعتبر أنّ التنقيب عن الغاز مشروع وترفض المزاعم الأوروبية بهذا الشأن، وقد وصفت الخارجية التركية النقاشات حول العقوبات المحتملة بـ"غير المفيدة".
🔴 LIVE NOW - press conference: “Taking stock of the past year and looking forward to future challenges” https://t.co/OSStth6ml3
— Charles Michel (@eucopresident) December 4, 2020
وعن الخيارات والأدوات الممكنة ضد تركيا بعد الوعود من الاتحاد بتعاون أوثق ومزايا اقتصادية، وفق صحيفة "دي تسايت" الألمانية، بينها التفاوض حول توسيع الاتحاد الجمركي مع الاتحاد الأوروبي، أو القبول بالمنطقة الاقتصادية الأوروبية كحافز لتركيا لتهدئة الصراع، أوردت صحيفة "دي فيلت" الألمانية من جهتها أنّ العقوبات قد تشمل حظر تصدير الأسلحة إلى أنقرة، ومزيدًا من الشركات والمواطنين الأتراك المتورطين في التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط.
لكن رئيس كتلة المحافظين في البرلمان الأوروبي، مانفرد ويبر، ذهب إلى الدعوة لتعليق الاتحاد الجمركي معها، في إشارة إلى ضرورة إظهار الخطوط الحمراء لتركيا بوضوح. مع العلم أنّ تركيا سحبت أخيراً سفينة التنقيب عن الغاز من المتوسط، وهو ما اعتبرته ألمانيا "مؤشراً جيداً".
وتظهر التعليقات أنّ ألمانيا، وبصفتها الرئيس الدوري لمجلس الاتحاد الأوروبي، لن تكون في موقع مريح، رغم تصعيد تركيا أخيراً مع برلين، في حال اعتماد خيار العقوبات، لكونها تعتبر تركيا شريكاً استراتيجياً، وفي الوقت نفسه عليها الوقوف إلى جانب الدول الأعضاء في الاتحاد. وهنا يبرز الخوف الألماني من أن يعمد أردوغان إلى التصعيد وإعادة فتح الحدود أمام اللاجئين، هذا عدا عن تضرر مصالحها التجارية، وصادراتها من الأسلحة، ومن المعلوم أن تركيا تستورد ثلث صادرات ألمانيا من السلاح سنوياً، وقد ارتفعت خلال العام الماضي وارداتها بأكثر من 100 مليون يورو لتصل إلى 344 مليون يورو، وشملت سفناً حربية وغواصات وفرقاطات وقوارب سريعة.
في المقابل، يرى مطلعون أنّ من مصلحة أردوغان البقاء على علاقة وطيدة مع التكتل الأوروبي الذي يحقق له الكثير من المصالح، بدلاً من إضعاف الاقتصاد التركي والركون لإملاءات الروس والأميركيين وانتظار الأموال من بعض الدول الصديقة لأنقرة.
تظهر التعليقات أنّ ألمانيا، وبصفتها الرئيس الدوري لمجلس الاتحاد الأوروبي، لن تكون في موقع مريح في حال اعتماد خيار العقوبات، لكونها تعتبر تركيا شريكاً استراتيجياً
في خضم ذلك ، شدد رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي، والمنتمي إلى الحزب "المسيحي الديمقراطي" الألماني، ألمار بروك، في مقابلة مع "فوكوس ماغازين"، اليوم السبت، على ضرورة إقامة علاقات بناءة مع تركيا، وبهذه الطريقة يمكن للاتحاد أن يتصرف باعتدال ويحقق التوازن.
وناشد الزعماء الأوروبيين منع تركيا من الانزلاق بالكامل إلى معسكر آخر، لأن ذلك سيكون "كارثياً للأمن القومي"، مشدداً على أنه "يجب على الاتحاد أن يطور استراتيجية طويلة الأمد ودائمة للتعامل مع هذا البلد المهم"، غير أنه لفت في الوقت عينه إلى ضرورة أن يصحح أردوغان سياسته "غير المنتظمة" مع دول الجوار وفي حلف شمال الأطلسي "الناتو".
وشدد رئيس مؤتمر ميونخ للأمن فولفغانغ أيشينغر، مؤخراً في بودكاست، على ضرورة استيعاب تركيا، الشريك في حلف "الناتو"، وعدم رفضها وتركها تنجرف بعيداً، وتكثيف الحوار معها "لأن ذلك سيكون ذلك مفيداً لنا جميعاً".
ومع غياب حل في الأفق للصراع المتوسطي، اعتبر وزير الخارجية النمساوي ألكسندر شالنبرغ، في حديث مع "دي فيلت"، أنه "يجب أن يكون واضحاً لجميع الأطراف في الاتحاد الأوروبي وتركيا أنّ المطالبات باحتياطات الغاز والحدود البحرية لا يمكن حلها إلا على طاولة المفاوضات، أو أمام محكمة العدل الدولية، وليس بالوسائل العسكرية"، من دون أن يمرّ عن اتهام أنقرة بأنها لا تزال "تهرب السلاح إلى ليبيا، والتحريض ضد فرنسا ومقاطعة منتجاتها، فضلاً عن محاولتها إطلاق موجة غضب إسلامي عالمية ضد فرنسا"، على حد تعبيره.