مصر وإسرائيل تطوران أفكار "صفقة القرن"

23 فبراير 2021
تم تفعيل التفاهم على ربط "ليفاثان" بوحدتي إسالة الغاز بمصر (Getty)
+ الخط -

احتفت إسرائيل بزيارة وزير البترول المصري طارق الملا للقدس المحتلة، والتي نتج عنها بشكل أساسي الاتفاق على تفعيل التفاهم السابق بين الحكومتين حول ربط حقل "ليفاثان" بوحدتي إسالة الغاز بدمياط وإدكو، اللتين تميزان مصر في سوق الطاقة بالمنطقة، رغم معاناتهما من صعوبات وعقبات إنتاجية على مدار العقد الماضي. 
لكنّ زيارة الملا ولقاءه بنظيره الإسرائيلي يوفال شطاينتس ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حفلا بالرسائل السياسية، للتأكيد على استمرار التنسيق السياسي والاقتصادي، خاصة في مجال الطاقة، بين الحكومتين، رغم التوتر المكتوم بينهما بسبب الخلافات التي أحاطت بمشروع زيارة نتنياهو للقاهرة للقاء الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي نهاية العام الماضي، تزامناً مع الاندفاع الإماراتي ترحيباً بتطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال. وكانت أجهزة الدولة المصرية ارتأت أنه من الضروري أن تأخذ القاهرة مسافة منه، وحرصت على إيصال رسالة إلى نتنياهو، وإدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، مفادها أن "إعلان الاتصالات والزيارات بين الدولتين لن يكون مرحباً به على الصعيد الشعبي، أو على الأقل ستكون له كلفة عالية" بحسب مصدر دبلوماسي تحدث لـ"العربي الجديد" منذ شهرين، شارحاً تفاصيل الخلاف حول الأفكار الأميركية لـ"تطوير التطبيع بين مصر ودولة الاحتلال".

تناولت المباحثات توسيع شبكة الأنابيب بين مصر وإسرائيل

وفي الوقت الذي يبدي فيه النظام المصري تحفظاً على التوسع في التطبيع العلني، فإنه يمضي قدماً لتطويره عملياً، مع إبقائه في حيز الملفات الاقتصادية "الآمنة" في رأيه، والتي لم تعد تثير حنق الشارع المصري كما كان الوضع في عصر انتعاش تيارات الإسلام السياسي، والأحزاب اليسارية والناصرية، فضلاً عن قمع الأصوات المناوئة للتطبيع في الإعلام المحلي المُسيطر عليه بشكل كامل.
وبحسب مصادر مطلعة، تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن زيارة الملا للقدس تضمنت مباحثات حول عدد من الملفات التي كان نتنياهو ينوي مناقشتها في زيارته العلنية المزمعة لمصر. ومن هذه الملفات تعزيز التعاون في إطار منتدى شرق البحر المتوسط للغاز الطبيعي لفرض شروط معينة على وسائل النقل البحرية لاستخدام الغاز، والتنسيق مع قبرص واليونان لمواجهة الطموحات التركية والروسية للاستئثار بتزويد أوروبا بالطاقة، وتوسيع التعاون الإقليمي في المجال ذاته ليشمل السعودية والسودان، بغية البحث عن أسواق جديدة لغاز شرق المتوسط بسواحل أفريقيا وشرق آسيا. حيث سبق أن طُرحت على الحكومات ذات الصلة أفكار لمشاريع مشتركة لاستكشاف غاز البحر الأحمر، وإقامة محطات الإسالة بين مصر والسعودية ودولة الاحتلال، بدعم من الشركات الأميركية التي سبق أن انخرطت في مفاوضات تصدير الغاز بين مصر وإسرائيل.
وأوضحت المصادر أن المباحثات تناولت أيضاً مشروع توسيع شبكة الأنابيب المقامة بين الجانبين المصري والإسرائيلي، والمملوكة حالياً لشركة جديدة، مقرها هولندا، أسست خصيصاً لامتلاك شبكة الأنابيب، بين شركتي "نوبل إنيرجي" الأميركية و"ديليك" الإسرائيلية وشركة "غاز الشرق" المملوكة للدولة المصرية، ممثلة في جهاز المخابرات العامة وهيئة البترول، لتشمل قبرص واليونان.

 

وذكرت المصادر أن توسيع الشبكة القائمة حالياً يهدف بشكل أساسي إلى استفادة جميع دول المنتدى من مصنعي إسالة الغاز في مصر، وعلى رأسها دولة الاحتلال، وأن هذا الهدف مرضٍ للقاهرة اقتصادياً تماماً، بسبب عدم إمكانية تشغيل وحدتي الإسالة بالغاز المصري فقط في الفترة الحالية، ورغبتها في تلافي ما حدث سلفاً، عندما وجدت نفسها مطالبة بأكثر من ملياري دولار لصالح شركة "يونيون فينوسا" الإسبانية مديرة وحدة الإسالة بدمياط، بعد توقف صادراتها من الغاز المسال بسبب تراجع الكميات الموردة لها من مصر لصالح السوق المحلية.
وشددت المصادر على أن هذه الأفكار تتكامل تحت رعاية أميركية خالصة من الأوساط السياسية والاقتصادية، كجزء من أفكار إدارة ترامب لرسم خريطة جديدة للعلاقات السياسية في المنطقة على أساس التعاون الاقتصادي، والتي عرفت بـ"صفقة القرن" (الخطة الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية)، والتي كان بموجبها سيتم تخصيص مليار و500 مليون دولار لدعم الجهود المصرية المشتركة مع دولة الاحتلال لإنشاء مركز إقليمي كبير للغاز الطبيعي في مصر، وتوظيف الإنتاج الكبير من الحقول المصرية، وتحسين جودة شبكات نقل الغاز والغاز المسال، وذلك على مدار 5 سنوات. إلى جانب تخصيص 42 مليون دولار لتطوير وإصلاح خطوط النقل والمواصلات ونقل "الطاقة" بين مصر وقطاع غزة، على مدار 5 سنوات و3 مراحل، وتمكين الفلسطينيين من شراء الطاقة، بمختلف أنواعها، من مصر بأسعار منافسة، ودعم قدرة القاهرة على إنتاج الطاقة الكهربائية وتحسين جودة المنتج المورد إلى غزة والعمل على ديمومته.
وقد شغل هذا الملف تحديداً قسماً مهماً من مباحثات الملا في القدس، حيث ناقش مع نظيره الإسرائيلي طرق تعاونهما لتزويد الضفة الغربية وقطاع غزة بالكميات المطلوبة من الغاز الطبيعي. وبحسب المصادر، فإن الأمر عُرض أيضاً على مستشار الرئيس الفلسطيني للشؤون الاقتصادية محمد مصطفى، لمتابعة الطلبات الفلسطينية وما يمكن تحقيقه منها.

نقاش لتزويد الضفة وغزة بالكميات المطلوبة من الغاز الطبيعي
 

ويُعتبر مجال إنتاج وإسالة الغاز من المجالات التي يراهن عليها السيسي لتحسين الاقتصاد المصري. ويحتل صدارة الأنشطة في مشروعه الممتد لإدارة الموارد "مصر 2030". لكن هذا لم ينعكس بأي صورة إيجابية على القاهرة بل زادها تراجعاً وديوناً، إذ بدأت في يناير/كانون الثاني 2020 استيراد الغاز الطبيعي الذي تسيطر عليه إسرائيل، وفقاً لاتفاقية موقعة بين شركات من الطرفين في 2018، بسعر يقدر في المتوسط بنحو أربعة أضعاف الذي كانت تبيعه مصر لها بين 2005 و2012 وبما لا يقل عن سعر عقود بيع الغاز داخل دولة الاحتلال، مربوطاً بسعر برميل النفط من خام برنت القياسي، أي نحو 4.8 دولارات لكل مليون وحدة حرارية. وبعد إضافة أسعار النقل والضخ سيُراوح السعر ما بين 5 و5.5 دولارات لكل مليون وحدة حرارية، رغم أن أسعار الغاز الطبيعي في الأسواق العالمية حالياً تصل في العقود الآجلة إلى نحو 2.2 دولار فقط لكل مليون وحدة حرارية. وبحسب الاتفاق، سيستمر البيع حتى العام 2034، بواقع 2.1 مليار متر مكعب سنوياً، على أن تزيد الكمية إلى 6.7 مليارات متر مكعب سنوياً، اعتباراً من العام الثالث. وسيدخل نصف الحصيلة لخزينة إسرائيل كضرائب ورسوم مختلفة.
ولم يلتفت السيسي عند تصديقه على اتفاق الاستيراد إلى حقيقة أن حقلي "ليفاثان" و"تمار" اللذين تستغلهما إسرائيل موجودان في عمق المنطقة البحرية للأراضي العربية. بل إن حسابات عديدة تؤكد أنهما أقرب للسواحل المصرية من الأراضي الفلسطينية. ولذلك تكبدت مصر خسارة أخرى، بتفعيل اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع قبرص، والذي يعيبه أيضاً القبول بالنقاط التي وضعتها قبرص مع إسرائيل قبل الدخول في مفاوضات مع القاهرة قبل نحو 13 سنة.
وعقد اللقاء المعلن الوحيد بين السيسي ونتنياهو في نيويورك في العام 2017، على هامش مشاركتهما في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث زار نتنياهو السيسي في مقر إقامته، حيث كان علم مصر فقط وراءهما. وفي أغسطس/آب 2018 نشرت الصحف الإسرائيلية أن نتنياهو سافر سراً إلى مصر في مايو/أيار من العام ذاته، والتقى السيسي وتشاركا مأدبة إفطار رمضانية بحضور مستشارين من الجانبين. وفي يوليو/تموز 2019، تعمّد نتنياهو أن يعلن عن سابقة عقد "لقاءات" مع السيسي خلال حفل السفارة المصرية في تل أبيب بثورة 23 يوليو 1952، حيث وصفه بـ"الصديق العزيز".
وفي الفترة بين توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، في إبريل/نيسان 2016، بما تضمنه من التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، وحتى إقرار الاتفاق بقرار جمهوري في أغسطس 2017، جرت اتصالات ومكاتبات عديدة بين السيسي ونتنياهو للحصول على مباركة إسرائيلية للاتفاق.