لم تحظ الأخبار الخاصة بإعلان أحزاب مصرية "موالية للسلطة" عن دفعها بمرشحين لانتخابات الرئاسة المقبلة باهتمام حقيقي من جانب سياسيين ومواطنين في الشارع المصري، يرفضون اعتبارها خطوات جادة نحو عملية انتخابية حقيقية. حتى إن المرشح السابق للرئاسة عمرو موسى وصف إعلان رئيس حزب "الوفد" عبد السند يمامة نيته الترشح لمنافسة الرئيس عبد الفتاح السيسي بـ"التهريج السياسي".
تجاوز تجربة سامي عنان
في هذا الإطار، راجت معلومات عن توجه أحد الأجهزة المشرفة على إدارة المشهد السياسي والإعلامي المصري للدفع بمرشح "ضعيف" ذي خلفية عسكرية، بحيث يتقدم بطلب إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة لمنحه تصريحاً بخوض الانتخابات، وفقاً لما ينص عليه القانون الذي يخضع له العسكريون السابقون والحاليون.
وأوضح برلماني مصري أن "الجهة التي أشارت إلى ذلك المقترح، برّرته بتجاوز الاتهامات الموجهة للرئيس بفرض الحصار على المرشحين الجادين، أو أصحاب الفرص الحقيقية، كما حدث خلال الانتخابات الماضية مع رئيس الأركان السابق الفريق أول سامي عنان، الذي منع من خوض الانتخابات، وعوقب بالسجن، بدعوى مخالفته القانون العسكري، بالترشح دون الحصول على إذن مسبق، باعتبار أنه لا زال على ذمة القوا ت المسلحة".
خالد داود: من غير المنطقي أن تطرح القوات المسلحة أكثر من مرشح في الانتخابات
إلا أن خالد داود، المتحدث باسم الحركة المدنية الديمقراطية التي تضم أحزاباً معارضة، استبعد أن يتم الدفع بمرشح ذي خلفية عسكرية من جانب القوات المسلحة. وقال داود لـ"العربي الجديد" إن "كل الأخبار أو الأحاديث حول طرح مرشح عسكري في الانتخابات الرئاسية المقبلة مجرد تكهنات". وأضاف: "من وجهة نظري، من المستحيل أن تمنح القوات المسلحة تصريحاً للترشح إلا لشخص واحد، فمن غير المنطقي أن تطرح القوات المسلحة أكثر من مرشح في الانتخابات".
وأضاف أن "الرئيس عبد الفتاح السيسي سوف يترشح في الانتخابات المقبلة، فهل من المنطقي أن تدفع القوات المسلحة بمرشح عسكري آخر كي يكون منافساً له؟". ورأى أن "هذا كلام بلا أي وجاهة ولا أي دليل، خصوصاً بعد التجربة السابقة للفريق سامي عنان، والتعديلات القانونية التي تناولت هذه الجزئية، إذ لم يعد هناك مجال لمرشح عسكري آخر".
الباحث في العلوم السياسية وعضو حركة الاشتراكيين الثوريين الدكتور حسام الحملاوي اعتبر، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "فكرة قبول هذه الأطروحات تعتمد على من توجه إليه هذه الأفكار؛ فالناس وصلت إلى مرحلة كبيرة من اليأس سواء من المواطنين العاديين أو الساسة، ومن الممكن قبول هذا الطرح أو على الأقل ستقبل به كتلة كبيرة، وستكون موافقة على أي أحد وليس على عبد الفتاح السيسي".
دعم أي شخص بمواجهة السيسي
وأشار الحملاوي إلى أنه "على الرغم من الغضب تجاه النظام والمؤسسة العسكرية، إلا أن مشاعر غضب أكبر موجهة ضد السيسي. كما أن بعض المنتمين إلى التيار الليبرالي والقوى المسماة مدنية سيدعمون أي شخص في مواجهة الرئيس الحالي". وشدّد على أن "الأمر ليس (أبيض أو أسود)"، وهو، كناشط اشتراكي، رأى أن "الحل الأمثل هو أن تختفي المؤسسة العسكرية تماماً من الحياة السياسية والاقتصادية وأن يعود الجيش إلى ثكناته وإزالة مظاهر العسكرة في الدولة".
وحول ما إذا طرحت شخصية ذات خلفية عسكرية، قال الحملاوي إن "هناك عوامل تحدد ذلك، وهي: هل هذا الشخص تم ترشيحه بناء على اتفاق بين أجهزة الأمن كما حدث في مشهد موسى مصطفى موسى في الانتخابات السابقة؟ حينها فإن هذا الأمر سيكون بلا جدوى، أما إذا كان شخصاً لم يجر الترتيب له، فيمكن العمل معه بمنطق (لو فاز على السيسي) أو أن المواجهة مع السيسي يمكن أن تخلق هامشاً سياسياً بسيطاً نتحرك فيه مرة أخرى".
مشهد مرتبك لانتخابات الرئاسة المصرية
السياسي المصري والبرلماني السابق ورئيس حزب الإصلاح والتنمية محمد أنور عصمت السادات قال لـ"العربي الجديد": "فكرة ترشح شخص من خلفية عسكرية في الانتخابات الرئاسية المقبلة بعد الحصول على تصريح من القوات المسلحة هي أمر في غاية الصعوبة، وحتى الآن لا توجد مؤشرات على ذلك، ولا يوجد شخص محدد طرح نفسه على الساحة ولو من منطق (جسّ النبض)". وإذ لفت إلى أن "المفاجآت تظلّ واردة، لكن حتى الآن لا يوجد أي شخص على الساحة".
برلماني مصري: قناعة لدى المصريين بأنه لن يتم السماح للطنطاوي بتقديم أوراقه والترشح رسمياً
واعتبر السادات أن "المشهد بالكامل مرتبك ولا يوجد أمر واضح"، معرباً عن اعتقاده أنه "في ما يخص التيارات المدنية، فإن كل الأمور مطروحة للنقاش، سواء بخصوص دعم مرشح من خلفية عسكرية أو غيره، لكن إلى الآن لا يوجد أحد في المشهد، ولم نتداول إلا مع البرلماني السابق أحمد الطنطاوي". وأكد أنه "ما زلنا في انتظار ترشح أشخاص جادين وقادرين على المنافسة، وليس المرشحين الذين يعلنون نيتهم خوض الانتخابات لأنهم تلقوا تعليمات بذلك"، خاتماً بقوله إن "المسألة غير واضحة ولم تُحسم بعد".
في موازاة ذلك، أشار برلماني مصري، تحدث لـ"العربي الجديد" بشرط عدم ذكر اسمه، إلى أن "هناك استشعاراً من جانب الدائرة المحيطة بالرئيس من عدم جدوى الإعلان من جانب الأحزاب وبعض القوى السياسية عن تقديم مرشحين للرئاسة في الانتخابات المقبلة، في ظل عدم اقتناع من جانب الشارع العادي بتلك الخطوة، كون الأسماء التي أعلنت نيتها الترشح حتى الآن إما معروفة بتأييدها ودعمها للرئيس الحالي، أو أنها ليست ذات وزن سياسي، باستثناء رئيس حزب الكرامة السابق أحمد الطنطاوي، الذي يوجد اقتناع بين المصريين بأنه لن يتم السماح له بتقديم أوراقه والترشح رسمياً عبر إعاقته من جانب أجهزة السلطة".
وكان حزب الشعب الجمهوري (محسوب على الأجهزة الأمنية) الذي يملك هيئة برلمانية مكونة من نحو 50 نائباً، أعلن، مطلع الأسبوع الماضي، عن انتهاء هيئته العليا إلى تكليف رئيس الحزب حازم عمر، وهو عضو في مجلس الشيوخ المصري، بخوض انتخابات الرئاسة المقبلة، وذلك بعد يومين من إعلان الحزب عن الدفع بمرشح للرئاسة.
وجاء إعلان الحزب بعد أيام من خطوة مماثلة أقدم عليها حزب الوفد، الذي أعلن رئيسه عبد السند يمامة الترشح للرئاسة، قبل أن ينشب نزاع داخلي مع القيادي في الحزب فؤاد بدراوي، الذي أبدى نيته الترشح أيضاً. وسبق ذلك إعلان المكتب التنفيذي لحزب المحافظين، في 11 يونيو/حزيران الماضي، عن ترشح رئيس الحزب، رجل الأعمال أكمل قرطام، للانتخابات الرئاسية المقبلة.