كشفت مصادر حزبية وبرلمانية مصرية، أن ضباطاً في جهاز الأمن الوطني بوزارة الداخلية تواصلوا مع رؤساء وقيادات أحزاب، مثل مستقبل وطن، والشعب الجمهوري، وحماة الوطن، والوفد، والمؤتمر، والحرية، والحركة الوطنية، بالإضافة إلى عدد كبير من أعضاء مجلسي الشعب والشيوخ (البرلمان) في المحافظات، بهدف حشد الآلاف من المواطنين في فعالية جماهيرية لإعلان تأييد الرئيس عبد الفتاح السيسي، غداً الجمعة، في منطقة مدينة نصر بالقاهرة.
وقالت المصادر، في حديث خاص مع "العربي الجديد"، إن "الإعلان عن تفاصيل الفعالية المؤيدة للسيسي سيكون خلال ساعات قليلة، بعد أخذ موافقة مؤسسة الرئاسة". وأوضحت أنه "من المقرر حضور عدد من نجوم الفن والغناء لإعلان دعمهم للرئيس، رداً على خروج (العشرات) من الأشخاص في تظاهرات معارضة ببعض المحافظات، مثل الجيزة والقليوبية والفيوم وأسوان، استجابة لدعوات التظاهر في ذكرى أحداث 20 سبتمبر/أيلول 2019".
وأشارت إلى "نقل المواطنين من محافظات مختلفة للمشاركة في فعالية الجمعة، عبر باصات مؤجرة لصالح حزب مستقبل وطن، مع توزيع وجبات ساخنة على جميع المشاركين خلال مشاهدتهم للعروض الغنائية"، مرجحة إقامة الفعالية أمام النصب التذكاري على طريق النصر، لتوجيه رسالة مفادها "الوقوف ضد محاولات زعزعة استقرار الدولة المصرية، ودعم خطة القيادة السياسية في الحفاظ على الوطن"، على حد تعبير المصادر.
من المقرر حضور نجوم بالفن والغناء لإعلان دعمهم للرئيس
وقالت إن "التعليمات الواردة من جهاز الأمن الوطني للأحزاب ونواب البرلمان كانت في صورة "إجهزوا لهذا اليوم". ما يعني أن الجهاز ينتظر قراراً أعلى من اختصاصاته للتأكيد على إقامة الفعالية الجماهيرية، والتي يجب أن تشهد حضوراً كبيراً من المواطنين، حتى تحقق الأهداف المرجوة منها، ولا تُستغل ضد النظام في حالة ضعف الأعداد، أو حدوث بعض التجاوزات من المنظمين". واستدركت المصادر أن "قرار النزول لتأييد السيسي ليس نهائياً حتى الآن، وسيخضع لمستويات عدة من المراجعة من قبل أجهزة سيادية (أمنية) قبل إعلانه رسمياً، والحشد له عن طريق وسائل الإعلام المختلفة". وأوضحت أن "القرار النهائي بتنظيم الفعالية من عدمه يعود إلى رئيس الجمهورية نفسه، والذي لم يعط الإشارة الخضراء بالحشد حتى كتابة هذه السطور، انتظاراً لتوصيات جهاز المخابرات العامة".
وأضافت أن "هناك اتجاهين داخل أجهزة الأمن حول مسألة تنظيم الفعالية، الأول يرى أنها ضرورية لتبيان حجم التظاهرات المعارضة، من خلال حشد أعداد كبيرة من المؤيدين أمام المنصة، على غرار ما حدث في 27 سبتمبر/أيلول 2019، حين احتشد الآلاف رداً على التظاهرات المعارضة التي شهدتها البلاد، آنذاك. والثاني يرى أنها ستُخلف مردوداً سيئاً على النظام أمام الرأي العام، لأنها تظهره في صورة رد الفعل". وبينت أن "الحشد لهذه الفعالية يعطي انطباعاً وحجماً أكبر للتظاهرات المحدودة" وفقاً لتعبير المصادر نفسها، "التي خرجت أخيراً في بعض المحافظات والقرى البعيدة نسبياً عن العاصمة، على خلاف ما حدث العام الماضي من تظاهر بعض المواطنين في ميدان التحرير، ومناطق وسط القاهرة"، معتبرة أنه "من الأفضل إرجاء هذه الفعالية إلى الجمعة التالية، انتظاراً لما ستسفر عنه دعوات التظاهر في 25 سبتمبر الحالي".
ومع استمرار الحراك الشعبي ضد السيسي لليوم الثالث على التوالي، تصدّر وسم #جمعة_الغضب_25 سبتمبر قائمة الأكثر تداولاً في مصر، وصاحبته دعوات إلى استمرار التظاهرات حتى يوم الجمعة المقبل، في محاولة لتكرار "جمعة الغضب" الشهيرة ضد السيسي ونظامه، والتي جرت إبان ثورة 25 يناير/كانون الثاني، ومثلت سبباً رئيسياً في الإطاحة بالرئيس الراحل حسني مبارك.
وتأتي الفعالية المؤيدة للسيسي في مواجهة التظاهرات التي انطلقت بشكل مباغت من قلب المناطق الشعبية والريفية في مصر، بحسب مراقبين، استجابة لدعوة رجل الأعمال المعارض من الخارج محمد علي، على وقع اتساع رقعة الاحتقان الاجتماعي بسبب قانون التصالح في بعض مخالفات البناء، والذي يفرض رسوماً ضخمة على الفقراء المعنيين بحملات الإزالة مقابل "التصالح" مع أجهزة الدولة.
اعتقل بعض الأطفال بحجة أنهم كانوا يصورون الاشتباكات
وفي وقت تُردد فيه أبواق النظام المصري أن التظاهرات المعارضة لا تزيد على "العشرات" من الأشخاص، فتحت نيابة أمن الدولة العليا التحقيقات مع المئات من المعتقلين على مدار الأيام الأخيرة، في قضية جديدة حملت الرقم 880 لسنة 2020 (حصر أمن دولة)، بدعوى اتهامهم بـ"الانضمام إلى جماعة إرهابية، وبث ونشر شائعات وأخبار وبيانات كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي". ووفقاً للمحامي الحقوقي البارز خالد علي، يواجه بعض المتظاهرين اتهامات إضافية مثل "التمويل من الخارج"، و"التجمهر أو التحريض على التجمهر"، و"التعدي على الممتلكات العامة والخاصة"، منوهاً إلى القبض على 150 شخصاً على الأقل خلال 24 ساعة، بخلاف 25 آخرين من منطقة البساتين بالقاهرة، و27 من قرية أبو رجوان في مركز البدرشين بالجيزة (حسب ما أعلنته أجهزة الأمن).
وقالت مصادر حقوقية، لـ"العربي الجديد"، إن قوات الجيش والشرطة فرضت طوقاً أمنياً حول أهالي عزبة النصر بالبساتين (جنوبي القاهرة)، وقرى الكداية وصول في مركز أطفيح بالجيزة، وكفر قاسم التابعة لمركز العياط، وهي مناطق معدمة، وتعاني من تردي بنيتها التحتية، مع التوسع في عمليات الاعتقال العشوائي للعشرات من قاطنيها، واستيقاف أي شخص يحاول الدخول أو الخروج منها. وداهمت أجهزة الأمن المصرية العديد من المنازل في المناطق التي شهدت تظاهرات معارضة، وألقت القبض على بعض الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم 14 عاماً، بحجة أنهم كانوا يصورون الاشتباكات، وينشرونها على مواقع التواصل الاجتماعي، في حين تتسع رقعة التظاهرات الليلية قياساً بأحداث العام الماضي، نتيجة تعدد مساحات الخصومة التي خلقها نظام السيسي مع المواطنين.
إلى ذلك، تشهد مناطق وسط القاهرة انتشاراً لمدرعات الجيش، بهدف نشر حالة من الخوف بين المواطنين، في إطار سياسة "التهويش" التي ينتهجها النظام في مواجهة التظاهرات الشعبية ضده، خصوصاً مع نزول المواطنين للهتاف ضد السيسي في عدد كبير من المحافظات، وهو مؤشر إلى عودة الحراك الجماهيري المعارض في الشارع، لا سيما من المواطنين البسطاء غير المسيسين. وتتخذ الأجهزة الأمنية تدابير لوضع المواطنين تحت قهر نفسي، كتصوير البطاقات الشخصية، وفحص الهويات، وتفتيش أجهزة الهاتف المحمول والكمبيوتر، في مخالفة صريحة لمواد الدستور والقانون. وعلى النقيض، يمضي النظام قدماً في استكمال انتخابات مجلس النواب، والتي تشهد إقصاءً تاماً لقوى المعارضة، على غرار الانتخابات الصورية لمجلس الشيوخ، في مشهد متكرر لما حدث أواخر عام 2010، وكان بمثابة شرارة حقيقية لاندلاع الثورة المصرية. واتسمت ثورة 2011 بحراك مركزي على مستوى كل محافظة، غير أن سياسات الإفقار التي يتبعها نظام السيسي، وبلغت ذروتها بتفجير ملف مخالفات البناء هذا العام، جعلت كل قرية قائمة على فوهة بركان، وكل نجع يشكل تهديداً لاستقرار النظام، الأمر الذي نبهت إليه تقارير أمنية وحكومية طُرحت على مجلس الوزراء هذا الشهر، وتحدثت عن استحالة التصدي للاضطرابات في المناطق المختلفة في وقت واحد.