مصر: نقل السفارات إلى العاصمة الإدارية يواجه عراقيل

13 أكتوبر 2021
تسعى القاهرة لضخّ سيولة مالية في الإنشاءات (أحمد حسن/فرانس برس)
+ الخط -

جددت وزارة الخارجية المصرية خلال الأسابيع الأخيرة تواصلها مع الدول التي تتمركز سفاراتها في القاهرة، لمطالبتها بتأكيد نقلها إلى العاصمة الإدارية الجديدة، مع ما يتطلبه ذلك من دفع مبالغ مالية مختلفة وبنسب تراوح بين 20 و25 في المائة من إجمالي ثمن الأرض أو العقارات التي سيتم تخصيصها لها. وتسعى السلطات المصرية لضمان ضخ سيولة مالية لدى الجهات الحكومية القائمة على إنشاء المشروع والمقاولين المكلفين ببناء حي السفارات، بالإضافة إلى الحي الدبلوماسي بالعاصمة الجديدة على مساحة 1300 فدان (5.2 كيلومترات مربعة).
وتأتي الجولة التي نظمتها الوزارة لأكثر من 20 سفيراً، أول من أمس الإثنين، بالعاصمة الإدارية، في سياق الترويج لجدية طلب الانتقال، وقرب انتهاء المرافق والمنشآت الأساسية بالعاصمة، بما في ذلك ديوان وزارة الخارجية. وقال مصدر دبلوماسي مطلع، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إن الديوان قارب على الانتهاء بالكامل ويجري تجهيزه وتأثيثه في الفترة الحالية، وسيكون في وسع الموظفين الانتقال إليه في أي وقت، في مطلع العام المقبل. وكشف أنه سيتم تنظيم احتفالية كبيرة بهذه المناسبة، سيحضرها رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، وستكون في إطار الذكرى المئوية الأولى لتحديث الوزارة بشكلها الحالي، مع استقلال مصر عن بريطانيا عام 1922.


إجراءات التسليم جارية مع 5 دول رغم تقديم 40 دولة طلبات للانتقال

لكن الخارجية المصرية فشلت في التعاقد مع أكثر من عشر دول من أجل تسلّم الأراضي أو أجزاء العقارات الخاصة بها، حتى أن إجراءات التسليم جارية مع خمس سفارات فقط. في المقابل، ارتفع عدد الدول التي وافقت على تقديم طلب نقل السفارات إلى العاصمة الإدارية إلى 40 دولة، وهو ما يقلّ بكثير عن حجم التمثيل الدبلوماسي في مصر، قياساً بالعدد المستهدف وكذلك برغبة السيسي في نقل جميع المصالح والجهات إلى العاصمة الجديدة خلال العام المقبل.

وتنتظر الدول الـ40 التي وافقت على الانتقال من دون إبرام تعاقدات، عدة أمور، أولها تأكيد جدية انتقال الحكومة المصرية واختبار مدى ضرورة انتقالها من القاهرة من الأساس. كما تترقب هذه الدول توفير اعتمادات مالية لمصاريف الانتقال، في ظل اعتبار بعض البلدان الأوروبية الكبرى والآسيوية البارزة أنه غير ضروري وعالي الكلفة، قياساً على الاعتبارات السياسية المحيطة بالمشروع وعملية الانتقال. وتشكّ بعض الدول في قدرة العاصمة على الاستمرار في ظل ارتفاع الأسعار وصعوبة إقناع المواطنين بالإقامة هناك، وعدم تناسب طرق المواصلات بين القاهرة والعاصمة الجديدة، رغم اتساعها، مع معدلات الانتقال اليومي المتوقعة ذهاباً وإياباً.

وأضاف المصدر أن عواصم الدول الأوروبية المتحفظة على الانتقال كانت تراه من البداية إهداراً للمال في مشروع سياسي بحت للسيسي، كما تتوقع تأجيل العديد من المشروعات الصغيرة والسكنية في العاصمة الجديدة، بسبب ضعف التمويل وتفشي وباء فيروس كورونا، الذي أرجأ عمليات انتقال عدد من الجهات.

وتحاول مصر التغلب على هذه النقاط من خلال عدة استراتيجيات إنشائية جديدة، مثل تنفيذ مباني السفارات وفقاً لنموذجين، كبير ومتوسط، لتكون قادرة على استيعاب مختلف السفارات وأفرادها، كما تعمل على إنشاء 30 مبنى لصالح عدد من الدول الأفريقية وطرحها للإيجار بمساحات مختلفة، وكذلك العمل على تقريب أماكن الإقامة المخصصة للبعثات من مباني السفارات، ودمجها في بعض الأراضي المعروضة على الدول الكبرى، الأكثر أهمية في التمثيل الدبلوماسي في مصر، مثل الولايات المتحدة والسعودية والإمارات.

ويأتي ذلك بعدما لاحظت الخارجية منذ العام الماضي أن الشكوك في إيجاد مساكن قريبة للبعثات الدبلوماسية في الحي نفسه أو بالأحياء القريبة منه من أسباب التعثر. وهو أمر يصعب حسمه حالياً بالنسبة لكل البعثات بسبب ارتفاع أسعار العقارات في وسط القاهرة، أو بسبب عدم توافر مشروعات سكنية مناسبة في العاصمة الإدارية، أو حتى إرجاء إنشاء بعض المشروعات القريبة بسبب ضعف التمويل العام وتعثر البيع المسبق كذلك.


لا ترى بعض الدول أولوية في عملية الانتقال حالياً

ولفت المصدر إلى أن بعض هذه الدول لا يرى أولوية في الانتقال وإنفاق ملايين الدولارات الإضافية حالياً، نظراً لإنفاقها مبالغ طائلة لتجديد سفاراتها الحالية بالقاهرة والجيزة منذ سنوات قليلة. وهو ما ساهم في حالة من التراخي في عملية استجابة العواصم الأوروبية للمطالبات المصرية، التي تهدف بالأساس إلى بدء إنشاء المباني الرئيسية في الحي الدبلوماسي بالتوازي مع إنهاء الإنشاءات بالحي الحكومي، وتجهيز الأحياء الأساسية للعاصمة للافتتاح في صيف العام المقبل أو خريفه.

كما ترى بعض الدول العربية والأفريقية واللاتينية أن نقل سفاراتها قبل انتقال الحكومة بالكامل والتأكد من استدامة المشروع، سيمثل مخاطرة كبيرة، خصوصاً أن بعضها سيضطر لبيع أماكن السفارات الحالية بمناطق القاهرة الكبرى في أحياء الزمالك والمهندسين والدقي وغاردن سيتي، أو تأجيرها أو تغيير نشاطها مع استمرار امتلاكها. وهي مخاوف حاولت الحكومة الرد عليها عملياً من خلال الجولة الأخيرة، والتأكيد على قرب انتقال الخارجية وكذلك رئاسة الوزراء رسمياً إلى العاصمة الجديدة، مع بحث التصرف في العقارات المملوكة لكل منهما بالقاهرة لزيادة الحصيلة المالية للدولة، الأمر الذي ما زال محل تعثر أيضاً بسبب الظرف الاقتصادي الحالي في مصر والعالم في ظل كورونا.

يُذكر أن شركة العاصمة الإدارية أعلنت في يوليو/ تموز الماضي أن متوسط قيمة التعاقد مع كل سفارة تبلغ حوالي 10 ملايين دولار، وتتدرج من 5 ملايين وحتى 40 مليون دولار، حسب احتياجاتها من مساحات وتجهيزات إنشائية ومقار للعمل والسكن. كما تراوح مساحة المباني في المتوسط بين 2500 و2800 متر، وتحتوي على مبنى رئيسي ومقر لسكن السفير ومقر لسكن أعضاء البعثة.