يعكف قسم التشريع بمجلس الدولة في مصر حالياً على مراجعة مشروع قانون مقدم من الحكومة، بتعديل بعض أحكام القانون رقم 30 لسنة 1975 بنظام هيئة قناة السويس، قبل عرضه على الجلسة العامة بمجلس النواب للتصويت والموافقة عليه بشكل نهائي، على أن يتم إرساله بعد ذلك إلى رئيس الجمهورية ليقوم بدوره بإصداره حسب ما ينص الدستور.
والمعروف أن قسم التشريع بمجلس الدولة يقوم بالمراجعة اللفظية للتشريعات وصياغتها. وحسب القانون يقوم قسم التشريع بوظيفتين هما إعداد وصياغة التشريعات، وتكون الاستعانة بقسم التشريع في وظيفة إعداد التشريعات "جوازية" لجهات الإدارة المعنية، ولها أن تستعين بقسم التشريع في إعداد مشروعات القوانين واللوائح الخاصة بها أو لا تستعين بها.
أما صياغة القوانين والقرارات الجمهورية ذات الصفة التشريعية واللوائح فيختص بها قسم التشريع واختصاصه ملزم للجهات الإدارية المعنية. ونصت المادة 63 من قانون مجلس الدولة على أنه "على كل وزارة أو مصلحة قبل استصدار أي قانون أو قرار من رئيس الجمهورية ذي صفة تشريعية أو لائحة أن تعرض المشروع المقترح على قسم التشريع لمراجعة صياغته، ويجوز لها أن تعهد إليه بإعداد هذه التشريعات".
ونصت المادة 64 على أن "تقوم بمراجعة صياغة التشريعات، التي يرى رئيس مجلس الوزراء أو أحد الوزراء أو رئيس مجلس الدولة نظرها على وجه الاستعجال، لجنة تشكل من رئيس قسم التشريع أو من يقوم مقامه وأحد مستشاري القسم ينتدبه رئيس القسم ورئيس إدارة الفتوى المختصة".
الهدف من صندوق قناة السويس
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قد حسم الجدل حول قانون صندوق هيئة قناة السويس، الذي قدمته حكومته إلى مجلس النواب أخيراً، وحظي بموافقة مبدئية عليه الأسبوع الماضي، وسط موجة عارمة من الغضب والرفض الشعبي للقانون الهادف إلى بيع أصول القناة.
وقال السيسي خلال تفقده لمجمع صناعات كيميائية في محافظة الجيزة، الاثنين الماضي: "لا أخفي عن الناس أي شيء، على الرغم من أن معايير السياسة تحتم عدم طرح بعض الموضوعات على الهواء مباشرة بهذه الصورة. الهدف من صندوق قناة السويس توفير الموارد المالية للهيئة بعيداً عن موازنة الدولة، وهو خاضع للجهات الرقابية. والدولة وفرت مليارات الجنيهات في صندوق تابع لوزارة الصحة لتمويل التأمين الصحي لغير القادرين، حتى لا تحمّل الأعباء للمواطن".
وأضاف: "سنطرح شركات هيئة قناة السويس في البورصة للمصريين فقط لشراء أسهمها، ويوجد فارق بين إجمالي دخل الهيئة، ومطالبتي بأن يكون لديها أموال سائلة بحوالي 200 أو 300 مليار جنيه (بين 8 و12 مليار دولار)".
جبالي يسير على نهج عبد العال، في ما يخص تجميد مشاريع القوانين المرفوضة شعبياً لفترة من الوقت
وبحسب المعلومات التي حصلت عليها "العربي الجديد" وتفيد بأن قسم التشريع بمجلس الدولة يقوم بمراجعة الصياغات الخاصة بمشروع قانون صندوق قناة السويس الجديد، فإنه من ضمن السيناريوهات المتوقعة، أن يعود مشروع القانون مرة أخرى إلى مجلس النواب خلال أسبوعين، لإقراره قبل فض دورة انعقاد المجلس الحالية.
وهو ما يثير مخاوف لدى برلمانيين وقوى سياسية معارضة، من أن يفاجئ مجلس النواب الجميع بالموافقة على مشروع القانون، كما حدث قبل ذلك مع اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية التي انتقلت على أساسها جزيرتا تيران وصنافير إلى السيادة السعودية، ثم يحيله إلى رئيس الجمهورية من أجل إصداره.
وبحسب قانونيين تحدثوا لـ"العربي الجديد" فإنه بعد إصدار رئيس الجمهورية تعديلات القانون، تصبح سارية في اليوم التالي لنشرها بالجريدة الرسمية، وبالتالي فإن أي اعتراض على تطبيق القانون أمام أي محكمة، من المفترض أن يحال على أساسه القانون إلى المحكمة الدستورية العليا للنظر في دستوريته.
وكانت مصادر برلمانية مصرية، قد ذكرت لـ"العربي الجديد"، أن "رئيس مجلس النواب، حنفي جبالي، قرّر تجميد مشروع تعديل قانون نظام هيئة قناة السويس، وعدم المصادقة عليه في الوقت الحالي، بسبب حالة الرفض المجتمعي لبعض مواده، متحفظاً في الوقت نفسه على إعادة المشروع إلى لجنة الشؤون الاقتصادية في المجلس للمزيد من الدراسة".
وأوضحت المصادر أن "جبالي رفض مطلب بعض النواب عقد اللجنة الاقتصادية جلسة استماع أو أكثر، في حضور مجموعة منتقاة من الخبراء والمتخصصين، وكذلك من رؤساء وممثلي الأحزاب السياسية، من أجل بحث واستعراض أوجه الاعتراض على مواد القانون، ومحاولة الوصول إلى صياغات توافقية بشأنها".
وأضافت المصادر أن "جبالي يسير على نهج رئيس البرلمان السابق، علي عبد العال، في ما يخص تجميد مشاريع القوانين المرفوضة شعبياً لفترة من الوقت، تكون خلالها قد هدأت عاصفة الانتقادات، ثم طرحها للتصويت النهائي فجأة بعد مرور مدة أقصاها شهران، من دون إدخال أي تعديل جوهري على موادها".
قطع الطريق أمام الحملة الشعبية
بدوره، يرى سياسي مصري بارز وهو قيادي حزبي سابق، في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن "الرئيس السيسي كان حاسماً وقاطعاً وبدا عليه الإصرار في ما يتعلق بإنشاء الصندوق، الذي يهدد ببيع أصول قناة السويس الذي دفع الشعب المصري أثماناً باهظة من دماء أبنائه في سبيل الحصول على السيادة عليها"، مشيراً إلى أنه "بعد ساعات قليلة من إطلاق الحركة المدنية الديمقراطية، الحملة الشعبية للدفاع عن قناة السويس، جاء رد السيسي ليقطع الطريق على أي تحرك محتمل لإنقاذ القناة، مشدّداً على أن صندوق قناة السويس سيكون محصناً بعد إقراره من مجلس النواب".
بعد إصدار رئيس الجمهورية تعديلات القانون، تصبح سارية في اليوم التالي لنشرها بالجريدة الرسمية
ردود السيسي لم تقتصر فقط على الجدل الدائر حول أزمة قناة السويس، لكنه استغل الفرصة للرد على كل الأمور الأخرى التي تعترض عليها القوى السياسية مثل: الإصرار على استكمال ما تسمى "المشروعات القومية" على الرغم من أزمة نقص العملة، مع تأكيده أن الحكومة ماضية في الإنفاق على تلك المشروعات دون الالتفات إلى الضغوط الناتجة من شح معروض الدولار في الأسواق.
كذلك بدا السيسي حريصاً أيضاً خلال حديثه الاثنين الماضي، على التأكيد على أن قانون الأسرة الجديد سيصدر بالشكل الذي يراه هو، من دون الالتفات إلى ملاحظات الأزهر، صاحب الولاية الدستورية على القوانين المتصلة بالشريعة الإسلامية، إذ أكد أن مسألة (توثيق الطلاق) سيتضمنها القانون. وهي المسألة التي اعترض عليها الأزهر، وكانت موضوع خلاف بين السيسي وشيخ الأزهر أحمد الطيب قبل سنوات".
ويقول السياسي المصري إنه "في ظل إصرار السيسي على إقرار كل التشريعات والقوانين بما يوافق رؤيته هو فقط ومن دون نقاش وحوار مجتمعي حولها، واتخاذ كل الإجراءات التي من شأنها الإضرار بالدولة، فإنه من غير المعقول أن تنتظر القوى السياسية أي نتيجة من جلسات الحوار الوطني المنتظرة منذ يوليو/تموز الماضي، وذلك لأن كل القضايا الخلافية التي طلبت القوى المدنية تأجيل البت فيها حتى طرحها للنقاش خلال الحوار، حسمها السيسي فعلياً ولم ينتظر الحوار مع أحد".