مصدر دبلوماسي لـ"العربي الجديد": ولد الغزواني لم يحمل أي مبادرة للوساطة بين المغرب والجزائر
نفى مصدر جزائري، في تصريح لـ"العربي الجديد "، أن يكون الرئيس الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، الذي أنهى مساء الأربعاء زيارة إلى الجزائر دامت أربعة أيام وحظيت باهتمام واسع، قد عرض الوساطة بين الجارين المغرب والجزائر.
ودفعت هيمنة الشأن الاقتصادي على الزيارة إلى التساؤل عما إذا كانت جملة من الملفات السياسية والأمنية المتعلقة بأوضاع المنطقة، خصوصا الأزمة الجزائرية المغربية، قد حضرت على طاولة النقاش.
وساطة غير مطروحة
وقبيل فترة قصيرة من زيارة الرئيس الغزواني إلى الجزائر رُجّح أن تلعب نواكشوط دورا في الوساطة بين الجزائر والمغرب، على خلفية الأزمة الحادة وانقطاع العلاقات بين البلدين، أو تنقل رسائل سياسية بين قيادات البلدين.
وتجددت التكهنات عشية الزيارة، لكن مصدرا دبلوماسيا جزائريا أكد، لـ"العربي الجديد"، أن "الحديث عن وساطة موريتانية بين الجزائر والمغرب هي من قبيل التخمين السياسي. عشية زيارة كل مسؤول عربي إلى الجزائر نسمع الحديث نفسه عن الوساطة، وجرى ذلك أيضا عند زيارة وزير الخارجية السعودي قبل أشهر".
وأضاف المصدر أن "مسألة الوساطة في الوقت الحالي غير مطروحة بالنسبة للجزائر، ومن المبكر جدا الحديث عنها، بحيث لم تتوفر أي ظروف لشيء من هذا القبيل، وخاصة أن الرباط ماضية في مواقفها وخياراتها التي تعقد العلاقات أكثر، كما أن مسألة الوساطة محسومة بالنسبة للجزائر، ووزير الخارجية رمطان لعمامرة كان قد أعلن بكل وضوح رفض الجزائر لأي وساطة في هذا الصدد، ولم يطرأ ما يمكن أن يغير الموقف الجزائري"، وفق قوله.
ويرى مراقبون أن موريتانيا غير قادرة سياسيا على القيام بالوساطة بين الجزائر والمغرب، ولا تود الخوض في الوقت الحالي في هذه الخطوة، وأنها "ترغب في الحفاظ أكثر على موقف الحياد الذي يضعها في أريحية سياسية، مستفيدة من التنافس السياسي والاقتصادي بين الجزائر والمغرب، وقد يحقق لها الكثير من المكاسب الاقتصادية، على غرار الاتفاق الذي حصلت عليه مع الجزائر بأن تتولى الأخيرة تنفيذ الطريق الحيوي الذي يربط بين مدينة تندوف، جنوبي الجزائر، ومدينة الزويرات الموريتانية، على مسافة تفوق 900 كيلومتر، لتضمن ممرا لتدفق السلع الجزائرية إلى الأسواق الموريتانية ودول غربي أفريقيا".
صنفت زيارة الرئيس ولد الغزواني، التي بدأت الاثنين الماضي، "زيارة دولة"، وقعت خلالها أربع اتفاقيات تعاون تخص مجال التعليم العالي والبحث العلمي، وتشمل برنامج التبادل العلمي والبعثات الطلابية إلى غاية 2024، واتفاقية تعاون في مجالات الصحة والأدوية، حيث ستستفيد موريتانيا من الخبرات الجزائرية في مجال إدارة المستشفيات والصناعات الدوائية وتسويقها، وفي مجال التكوين والتعليم المهنيين.
وستستقبل الجزائر بعثات من الشباب الموريتاني قصد التكوين في بعض المجالات الفنية والتقنية، إضافة إلى اتفاقية في قطاع المؤسسات المصغرة. وزار الرئيس الموريتاني المنطقة الصناعية بمدينة وهران.
اقتصادي معلن وسياسي غامض
وتفسر هذه المخرجات والتفسيرات التي قدمها الدبلوماسي الجزائري غياب التصريحات، أثناء الزيارة، حول الملفات السياسية والأمنية، سواء في مستوى العلاقات الثنائية أو في مستوى العلاقات بين دول المنطقة، على الرغم من أن هذه الملفات لا يمكن أن تغيب عن طاولة النقاش، خاصة ما يتصل بالقمة العربية المقبلة المقررة في الجزائر خلال شهر مارس/ آذار المقبل.
وفي السياق، يعتقد الكاتب والمحلل السياسي الموريتاني إسماعيل الشيخ سيديا أن بعض مضامين الزيارة ذات البعد السياسي والأمني قد تكون مكتومة وغير معلنة بسبب الوضع الإقليمي الحساس.
وقال إسماعيل الشيخ سيديا، في تصريح لـ"العربي الجديد": "أعتقد أن الزيارة ناجحة من حيث العناوين ومكتومة من حيث المضامين، لأن الجلسة المغلقة بين الرئيسين طالت من حيث المدة، لكني أعتبر أن ظهور مذكرة تفاهم حول طريق تيندوف الزويرات محوري إلى حد بعيد، وتصريحات الرئيسين ودية بشكل جلي"، لكنه يقر بأن "سقف التوقعات في موريتانيا لمخرجات الزيارة كانت كبيرة".
أضاف الشيخ سيديا: "الاتفاقيات التي تم توقيعها لا ترقى لتطلعات المراقبين، لأنه كان هناك سقف كبير وبشكل مبالغ فيه للتوقعات في نواكشوط، خاصة أن زيارة الرئيس الجزائري لتونس كانت نتائجها ضخمة، لكن أعتقد أن أهمية القمة الموريتانية تكمن في بعدها السياسي".
زيارة في خدمة البراغماتية
لكن القراءة الجزائرية لهذه الزيارة تبدو أكثر تفاؤلا بمخرجاتها، وتعتبر أنها "زيارة ناجحة".
وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر الدكتور دريس عطية، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنها "زيارة دولة بامتياز، ولها عدة أبعاد مرتبطة بموريتانيا أكثر مما هي مرتبطة بالجزائر، نظرا للهشاشة النسقية التي تعاني منها هذه الأخيرة وعلى مر سنوات كثيرة، حيث تعاني موريتانيا من قلة الاهتمام من طرف بعض جيرانها".
وأضاف عطية: "أما بالنسبة للجزائر التي أصبحت تسير وفق مقاربة التدرج، من خلال التركيز على عامل الجوار، كتصور جيوبوليتيكي جديد يحاول أن يخلق طوقا آمنا وبعيدا عن التطبيع، ولكون الجزائر تعلمت درسا كبيرا جراء تطبيع المغرب مع الكيان الصهيوني، فظرفية التحرك نحو موريتانيا، ومن قبلها تونس، تدخل في هذا الإطار".
وذكر أن "طبيعة الاتفاقيات الموقعة حديثا مع موريتانيا، أو حتى تونس، تدخل في إطار تصور اقتصادي محض، هذا بالنسبة للجزائر، وهي محاولة للخروج من التصور الكلاسيكي الذي ارتبط بالسياسة العليا فقط، كالاتفاقيات الأمنية والسياسية، وهذا ما جعل المنطقة لا تمتلك أدوات التعاون الاقتصادي أو التبادل التجاري الفعالة، ناهيك عن الجيوبوليتيكا الجديدة في التصور الجزائري نحو العمق الأفريقي، التي ستجعل من موريتانيا شريكا وبوابة تجارية للسلع الجزائرية نحو غرب أفريقيا".
وأشار أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر إلى أن هذا ما يفسر "هيمنة الإطار التقني والاقتصادي على زيارة الغزواني، إذ تدخل في توجه الجزائر نحو منطق براغماتي للسياسة الخارجية وفق قاعدة رابح - رابح، بعيدا عن التركيز على التعاون الأمني والسياسي"، مبرزا أن "مقاربة التدرج بالنسبة للجزائر سوف تشمل كل المدارات الجيواسراتيجية التي تنتمي إليها الجزائر، انطلاقا من دول الجوار في المنطقة المغاربية، ثم الدول العربية، وبعض الدول الأفريقية، وكذلك دول العالم الإسلامي في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، وكذلك الشركاء الدوليين، كالصين وروسيا وألمانيا، وحتى الولايات المتحدة الأميركية".