تثير السرية والتكتم الشديد على أحد أضخم مشاريع مد خطوط المياه العملاقة في شبه جزيرة سيناء المصرية، مخاوف حقيقية لدى المصريين عموماً، في مقابل تضاعفها بين أبناء بوابة البلاد الشرقية المتاخمة للحدود مع الأراضي الفلسطينية المحتلة، في توقيت يصعب فصله عن سيناريوهات البحث عن حل لأزمة سد النهضة الإثيوبي.
ويعمل فريق هندسي بمشاركة عشرات العمال والآليات الثقيلة على مدار الساعة، في شق الطريق أمام خطوط مياه عملاقة، في شبه جزيرة سيناء، فيما لم يعلن رسمياً عن ماهية هذه المشاريع، أو وجهتها، خصوصاً في ظل الحديث عن نقل مياه النيل للأراضي المحتلة عبر ترعة السلام وسحارة سرابيوم من خلال ستة أنفاق أسفل قناة السويس، كجزء من حل قضية سد النهضة الذي فشل النظام المصري في معالجته مع إثيوبيا طيلة السنوات الماضية. وتستطيع هذه المنظومة نقل ربع مليون متر مكعب من المياه من ترعة الإسماعيلية، إحدى الترع الرئيسية لنهر النيل، في اتجاه الضفة الشرقية لقناة السويس، حيث شبه جزيرة سيناء المحاذية لصحراء النقب، التي يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى تنميتها، وهي تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه.
يسعى الاحتلال الإسرائيلي لمدّ المياه إلى صحراء النقب
وحصلت "العربي الجديد" على تفاصيل حول نشاط فريق عمل مصري في مناطق وسط سيناء، جنوبي المدن الساحلية لمحافظة شمال سيناء. ويعمل الفريق على شق الأرض ووضع خطوط ناقلة للمياه بأقطار كبيرة. ولم يسبق من قبل مدّ مثل هذه الخطوط على مدار العقود الماضية. وينخرط في هذا المشروع عشرات المهندسين مع آليات ثقيلة، بحماية الجيش المصري، كون الشركة المتعهّدة تابعة للهيئة الهندسية للقوات المسلحة المصرية، حسبما أكد أحد العاملين في المنطقة. ويُحظر تغطية العمل إعلامياً، أو السماح لأي مدني من خارج منظومة العمل بالوصول إلى المنطقة أو مشاهدة الأعمال القائمة.
وفي بحث عن مشاريع وزارة الري المصرية، والهيئة الهندسية التابعة للقوات المسلحة المصرية، لا يظهر أي خبر يتعلق بمد أنابيب مياه ناقلة في سيناء، بما يشمل ذلك من تفاصيل لهذا العمل الضخم الذي يتم على أرض سيناء. وفي محاولة للاستيضاح حول ماهية العمل من خلال محافظة شمال سيناء، أبلغ مصدر مسؤول في المحافظة، "العربي الجديد"، بعدم اختصاص المحافظة بهذه المشاريع، وأنها غير مطلعة عليها، إذ أنها تعتبر من المشاريع السيادية التي تتم إدارتها من القاهرة بشكل مباشر، وبمعرفة القوات المسلحة المصرية، بعيداً عن الهيئات الحكومية المحلية.
وأشار إلى أن العمل يتم خارج نطاق الكتلة السكانية التي هي بأمسّ الحاجة إلى مشاريع مياه تنهي الأزمة الراهنة، فإمدادات المياه في كل مدن شمال سيناء ضعيفة، وشبكات المياه مهترئة، وجزء كبير منها تضرر بفعل العمليات العسكرية وهجمات تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم "داعش". ويبلغ طول سحارة سرابيوم التي يخشى المصريون أن تكون وسيلة تنفيذ مخطط إسرائيلي لنقل مياه النيل للأراضي المحتلة، 420 متراً، بهدف نقل المياه أسفل قناة السويس. وتُعد السحارة أكبر مشروع مائي ينفذ في منطقة الشرق الأوسط، وتتكون من أربعة خزانات ضخمة لاستقبال المياه ودفعها. ويبلغ عمق الخزان الواحد 60 متراً، فيما يبلغ قطر السحارة الداخلي نحو 20 متراً، مع أربعة أنفاق أفقية، بطول 420 متراً للنفق الواحد، وهي محفورة تحت قناة السويس الجديدة. ويبلغ قطر النفق الواحد أربعة أمتار، وعمقه 60 متراً تحت منسوب سطح المياه، وأسفل قاع القناة بعمق 16 متراً، تحسباً لأي توسعة أو تعميق مستقبلاً.
ومن المفترض أن تنتقل مياه نهر النيل من ترعة الإسماعيلية كمصدر رئيسي، لتبدأ رحلتها من غرب القناة القديمة بترعة السويس. وتمتد بطول سحارة سرابيوم تحت القناة القديمة لتعبر الجزيرة، جامعة بين القناتين القديمة والجديدة، وتصل إلى شرق القناة الجديدة ناحية ترعة الشيخ زايد جنوباً وترعة التوسع شمالاً. في السياق، ذكر باحث في شؤون سيناء لـ"العربي الجديد" أن الحديث عن نقل مياه نهر النيل إلى الأراضي المحتلة ليس جديداً، بل قديم ويعود لعقود خلت، إلا أن هناك مؤشرات على أنه ربما يحدث في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، وفي ظل أزمة سد النهضة التي لا يبدو أن لها حلاً، بعد فشل كل المفاوضات السابقة، إقليمياً ودولياً، بشأنها. ورأى أن النظام قد يتصوّر أن كلمة السر في الحل هي فقط في يد حكومة الاحتلال الإسرائيلي، التي تدعم إثيوبيا في إنشاء السد منذ بداياته، ليس حباً فيها، بل بسبب رغبتها في أخذ حصة من مياه نهر النيل، لتروي بها أرض النقب التي تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه لا يمكن تغطيتها سوى من النيل.
الشركة المتعهّدة تابعة للهيئة الهندسية للقوات المصرية
وأضاف الباحث: "ميدانياً، لا يمكن ربط إنشاء مشاريع المياه الاستراتيجية وخطوط المياه الناقلة بتنمية سيناء، التي تعرضت لعمليات تهجير وهدم وقتل للحياة على مدار السنوات الماضية. كما أن شبكات المياه الداخلية في المدن تحتاج تغييراً وتطويراً، قبل أن تشق خطوط المياه الضخمة إن قيل إنها لصالح السكان والمزارعين. في المقابل، أتت آلة الحرب على الأرض الزراعية وحولتها إلى رماد، فلمن ستكون المياه؟".
وأشار الباحث إلى أن "الأسابيع القليلة المقبلة كفيلة بالكشف عن مسار هذا المشروع الضخم، في حال وصوله إلى مناطق جنوبي الشيخ زويد ورفح، وبذلك يعني أننا فعلياً أمام مشروع نقل مياه النيل بشكل رسمي إلى الأراضي المحتلة، في ظل عدم وجود أي نشاط زراعي في تلك المناطق يمكن استثمار هذه الكميات من المياه فيه، وانعدام وجود الكتلة السكانية في تلك المناطق، خصوصاً بعد إزالة مدينة رفح بشكل كامل، وأطراف مدينة الشيخ زويد، والقرى المحيطة بهاتين المدينتين". وأوضح أن هذا المشروع الضخم يتم بحماية مباشرة من قوات الجيش، نظراً إلى دخوله في مناطق انتشار تنظيم "ولاية سيناء"، الذي يستهدف كل مشروع يقوم عليه الجيش المصري، كشق الطرق الرئيسية وخطوط المياه والكهرباء والاتصالات، وكلما تعمق في الدخول في اتجاه الشرق فإنه قد يواجه صعوبات أمنية جمّة، على الرغم من الاحتياطات الأمنية القائمة والسرية المحيطة بالمشروع وتفاصيله.