مشروع تبطين الترع يتعثر في مصر... وإثيوبيا ماضية بالتخزين الرابع

10 يناير 2023
تحدث فلاحون عن عيوب ببعض الترع المؤهلة (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

بينما بدأت الحكومة الإثيوبية بتنفيذ الإجراءات التمهيدية لعملية التخزين الرابع لسد النهضة، من دون التوصل إلى اتفاق مع مصر والسودان، لا تزال الحكومة المصرية تتخبط في قراراتها المتعلقة بمواجهة أزمة السد التي تؤثر على حياة الملايين من المصريين. ومن بين هذه القرارات، "المشروع القومي لتبطين الترع"، الذي يواجه حالياً صعوبات فنية ولوجستية ومالية جمّة.

"تبطين الترع"... حلّ مصري بمواجهة السدّ

"تبطين الترع"، يتضمن إكساء السطح الترابي للقناة المائية لمنع تسرب المياه. وتتعدد أشكال تبطين الترع، فمنها ما يتم بطبقة من الأحجار بسمك 30 سنتيمتراً، وفوقه طبقة من الخرسانة العادية بسمك 10 سنتيمترات، وهناك نوع آخر عبارة عن خرسانة مسلحة وخرسانة عادية تعلوها طبقة من الرمال المثبتة. ويتم تحديد نوع التبطين طبقاً لطبيعة التربة المارة بها الترعة.

يواجه "المشروع القومي لتبطين الترع"، حالياً صعوبات فنية ولوجستية ومالية

والمشروع كان أحد الحلول التي اقترحتها جهات دولية وإقليمية على مصر، من أجل مواجهة الآثار السلبية للسد، ومنها مشكلة نقص المياه. وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في 27 سبتمبر/أيلول 2021، إن "حجم المياه التي تصل إلى مصر ليس بالكبير، أو لن يتغير، وبالتالي فإن علينا تحسين جودة وكفاءة نظم الري". وأكد يومها أنّ "تطوير القطاع الزراعي يمكّننا من تحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل الاستيراد، كما أن الرقعة الزراعية ستزيد بفضل استخدامنا الجيد للمياه".

ويقول دبلوماسي مصري سابق وخبير في الشؤون الأفريقية، إن "فكرة بناء سدود عند منابع الأنهار، فكرة قديمة ابتدعتها الدول الرأسمالية الكبرى، من أجل التحكم في المياه من قبل دول المنبع، باستخدام آليات تعاونية مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، وهذه السياسات لها تأثيرات شديدة الخطورة على الدول المنتفعة من مياه الأنهار".

ويوضح المصدر أنه "من ضمن هذه الآليات التي تستخدمها المؤسسات المالية الدولية لإخضاع الدول لخطتها، منح قروض مشروطة بتنفيذ مشاريع معينة، تخدم الهدف الأساسي، وهو التحكم في مياه الأنهار وتحويلها إلى سلعة تباع وتشترى".

ويقول الدبلوماسي المصري السابق إن "السياسات المخططة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، والمحددة أصلاً من قبل مجموعة الدول الكبرى المتحكمة في هذه المؤسسات، بشأن المياه والأنهار، تم فرضها على مصر ودول أخرى في المنطقة العربية مثل سورية والعراق".

ويشرح أنه "بالنسبة إلى مصر، سنجد أن هناك أمراً واقعاً أصبح موجوداً بالفعل، وهو سد النهضة الإثيوبي الذي بنته أديس أبابا على نهر النيل الأزرق، المصدر الرئيسي لمياه النيل الواردة إلى مصر، لتحتجز كمية هائلة من المياه التي تمر أولاً إلى السودان ثم إلى مصر". ويؤكد المصدر أن "إثيوبيا لم تكن لتستطيع إكمال بناء وتشغيل هذا السد من دون مساعدة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي".

ويضيف المصدر أنه "بالنسبة إلى مصر، كان مشروع (تبطين الترع) أحد المقترحات التي قدمتها جهات دولية للحكومة المصرية، مع وعد بتقديم التمويل اللازم، وذلك من أجل ضمان موافقتها على مشروع سد النهضة الإثيوبي، ولكن يبدو الآن أنه مع تعثر الحكومة المصرية في سداد الديون الخارجية المتراكمة، أصبح الإنفاق على المشروع صعباً حالياً".

مشروع محاصر بالأزمات

فبعد مرور أقل من عامين على تسلم وزارة الري المصرية للترع المؤهلة، فوجئ المسؤولون في الوزارة بظهور عيوب فنية خطيرة، في وقت أشار فيه مختصون، إلى أن الكثير من تلك الترع تم تبطينه بشكل خاطئ، يتعارض مع طبيعة الدور الذي تقوم به تلك القنوات في توصيل المياه إلى المزارعين بشكل طبيعي.

مع تعثر مصر في سداد ديونها الخارجية، أصبح الإنفاق على المشروع صعباً

وأكد عدد كبير من الفلاحين أن بعض الترع المؤهلة أخيراً، تتضمن عيوباً كبيرة في التنفيذ، حالت دون وصول المياه إلى الأراضي الزراعية في ظل انخفاض منسوب المياه فيها، وذلك بخلاف ما تداوله نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي لصور من الواقع خاصة بتشققات كبيرة في جوانب الكثير من الترع المؤهلة.

يأتي ذلك في الوقت الذي كشف فيه المتحدث الإعلامي باسم وزارة الموارد المائية والري المصرية، محمد غانم، قبل أيام عن تشكيل وحدة تابعة لإدارة التفتيش الفني، من أجل تقييم أعمال تأهيل الترع المنفذة والجاري تنفيذها، بعد الشكاوى الخاصة بالعيوب التي ظهرت في عدد من الترع المؤهلة.

وأشار غانم في تصريحات صحافية، إلى "مراجعة كافة الترع التي انتهى تأهيلها"، لافتاً إلى "إلزام المقاولين بإعادة تبطين بعض الترع التي ظهرت فيها المشكلات أو كان تنفيذها دون مستوى الجودة المطلوب". وأضاف أن "عملية الفحص ستشمل المواد المستخدمة في التبطين ومدى مطابقتها للمواصفات، فضلاً عن سماكة الخرسانة"، وسط إشارات واضحة بشأن فساد عدد من المقاولين المنفذين للمشروع.

وأخيراً، قال وزير الري المصري هاني سويلم، خلال ندوة بعنوان "تطبيق المنظومة المتكاملة لتأهيل الترع"، إنه "لن يتم قبول أي أعمال تأهيل بمستوى متدن في الجودة، خصوصاً أن مهندس الري هو المهندس المسؤول عن استلام الأعمال من المقاول باعتباره المسؤول التابع للجهة المالكة وهي وزارة الموارد المائية والري".

ووجّه الوزير بـ"ضرورة مرور مهندسي الوزارة على أعمال التأهيل بالطبيعة أثناء التنفيذ لضمان جودتها، مع تشكيل مجموعات عمل في إدارات الري لمراجعة أعمال التأهيل المنفذة وأخذ عينات من الخرسانة للتأكد من جودتها، مع توحيد العقود الصادرة من كل إدارة وتوحيد الاشتراطات المتبعة في التنفيذ".

من جهته، يقول أكاديمي مصري في مجال هندسة الري، تحدث لـ"العربي الجديد" مشترطاً عدم ذكر اسمه، إن "الحديث عن ظهور عيوب وأخطاء في عملية تبطين الترع ليس بالأمر المستغرب، في ظل الكثير من الأخطاء المنهجية المرتبطة بهذا المشروع والتي لفت أكثر من متخصص النظر إليها طوال الفترة الماضية دون أي اكتراث من الجهات المسؤولة".

ويتابع الأكاديمي المصري، أن "مشاريع تستغرق وقتاً ليس بالقليل سواء في ما يخص دراسات الجدوى الخاصة بها، وكذلك دراسات الأثر البيئي التي تستغرق وقتاً طويلاً، بخلاف الوقت اللازم للتنفيذ بشكل علمي وعملي صحيح، ليس من الطبيعي تنفيذها في وقت زمني قصير، وهو الأمر الذي أُجبر عليه المقاولون الذين عملوا في المشروع". ويلفت المصدر إلى أنه "كان يتم التشديد على هؤلاء المقاولين بأن هناك توجيهات رئاسية تتضمن سرعة الانتهاء من المشروع خلال عامين فقط بدلاً من عشر سنوات".

تتضمن بعض الترع المؤهلة أخيراً، عيوباً كبيرة في التنفيذ

ويكشف الأكاديمي المصري الذي يتولى تدريس نظم هندسة الري في إحدى الجامعات المصرية، أن "هناك بعداً آخر يرتبط بعملية فساد أوسع بتنفيذ المشروع"، لافتاً إلى أنه "لم تكن هناك شفافية كافية في إسناد عمليات تأهيل الترع والمصارف إلى الشركات، عبر منافسة حقيقية تضمن للدولة المصرية الجودة في التنفيذ مع التكلفة العادلة".

كما يشير إلى أن "إشراف جهات عسكرية لا تتم مراقبتها من جانب الأجهزة الرقابية بالدولة، سمح بحصول مقاولين من الباطن، ليسوا على القدر الكافي من الكفاءة ولا تتوفر لديهم سوابق أعمال متميزة، على تنفيذ حصص كبيرة في المشروع".

وتشارك "شركة الإنتاج الحربي للمشروعات والاستشارات الهندسية والتوريدات العامة"، في تأهيل 12 ترعة بزمام هندسة ري السنطة في محافظة الغربية، منها ترع أخناواي، وصلة أخناواي، ومصطفى فهمي، والكوم، والجانبية اليسرى، وذلك بخلاف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة التي تشرف على تنفيذ المشروع.

وفي إبريل/نيسان الماضي، قال وزير الري وقتها محمد عبد العاطي، أمام الرئيس المصري، خلال افتتاح عدد من المشاريع القومية، إنه "في الظروف العادية كان يجري تبطين 50 كيلومتراً من الترع سنوياً، إلا أن الخطة القومية عُدِّلَت لتبطين نحو ألفي كيلومتر من الترع كل عام". وشدّد عبد العاطي على أن "هذه الخطة لا يجوز أن تنجز في 10 سنوات ولا 5 سنوات، وأن على الوزارة إنجازها خلال عامين، مهما بلغت التكلفة".

وسبق أن قال مصدر حكومي لـ"العربي الجديد" في 30 إبريل الماضي، إن "قرار تبطين الترع في المحافظات "مكلف جداً"، بحيث تصل تكلفة 3 إلى 4 كيلومترات من التبطين إلى 5 ملايين جنيه (نحو 318 ألف دولار)، ما بين أسعار الحجر والإسمنت والعمالة والنقل، مرجحاً "فشل عملية التبطين نظراً لتكلفتها".

 

 

 

المساهمون