أسئلة عن مستقبل الحياة السياسية في سورية بعد سقوط نظام الأسد

15 ديسمبر 2024
أمام البرلمان السوري في دمشق، 14 ديسمبر(لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعليق نشاطات حزب البعث في سوريا يثير تساؤلات حول مستقبل الحياة السياسية بعد سقوط نظام الأسد، مع دعم مرحلة انتقالية للحفاظ على وحدة البلاد وتسليم ممتلكات الحزب لوزارة المالية.

- المعارضة السورية تعتزم تجميد الدستور ومجلس الشعب، مع دعوات لعدم تكرار تجربة العراق بإقصاء حزب البعث، وضرورة وجود إعلان دستوري مؤقت يحدد أسس المشاركة السياسية.

- مستقبل سوريا يتطلب جهوداً جماعية لتأسيس نظام ديمقراطي تعددي، مع دعوات لعقد مؤتمر وطني ووضع قانون أحزاب جديد لتحديد شكل الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

يفتح تعليق نشاطات حزب البعث الحاكم في سورية سابقاً، الباب واسعاً أمام أسئلة مهمة تتعلق بمستقبل الحياة السياسية في سورية بعد سقوط نظام بشار الأسد وقبله والده حافظ، والذي كان يحكم، شكلياً على الأقل، باسم "البعث" طيلة 53 عاماً. الموقع الرسمي، ومعرفات حزب البعث على وسائل التواصل الاجتماعي، لم تنقل بيان التعليق، غير أن البيان نقلته وكالة فرانس برس يوم الأربعاء الماضي، وقال الحزب فيه إنه علّق عمله ونشاطه الحزبي "حتى إشعار آخر"، بعد ثلاثة أيام من إعلان فصائل المعارضة السورية إسقاط نظام بشار الأسد وهروب الأخير من البلاد.

وأورد الأمين العام المساعد للحزب، إبراهيم الحديد، في البيان، أن القيادة المركزية للحزب قرّرت "تعليق العمل والنشاط الحزبي بأشكاله ومحاوره كافة حتى إشعار آخر"، وكذلك "تسليم الآليات والمركبات والأسلحة كافة" لوزارة الداخلية، على أن "توضع أملاك وأموال الحزب تحت إشراف وزارة المالية، ويودَع ريعها في مصرف سورية المركزي". وسبق ذلك أن أعلن الحديد دعم حزب البعث "لمرحلة انتقالية" في سورية. وقال في بيان: "سنبقى داعمين لمرحلة انتقالية في سورية هادفة للدفاع عن وحدة البلاد أرضاً وشعباً ومؤسسات ومقدرات".

أحمد العسراوي: حزب البعث لن يكون له رصيد في الشارع السوري مستقبلاً

وكان الحزب قد فاز في يوليو/تموز الماضي بغالبية مقاعد مجلس الشعب، غير أن معظم السوريين وحكومات ومنظمات غربية وحتى عربية، شكّكت بتلك الانتخابات، واعتبرتها صورية، لا سيما أنها أوصلت الكثير من المحسوبين على النظام من متزعمي المليشيات المقاتلة إلى قبة المجلس.

واستولى حزب البعث على السلطة في سورية عام 1963، قبل أن يقود حافظ الأسد انقلاباً، سُمِّي بـ"حركة تصحيحية" داخله، وبذلك حكم منذ عام 1971 حتى وفاته عام 2000، ليتسلّم السلطة من بعده نجله بشار، الذي تولى إضافة إلى رئاسة الجمهورية، قيادة الحزب، والقيادة العامة للجيش والقوات المسلحة، قبل أن تعلن المعارضة في رسالة بثّتها عبر التلفزيون الرسمي السوري صباح الأحد الماضي، إسقاط نظام بشار الأسد الذي فرّ من البلاد.

أسئلة ما بعد "البعث"

الأسئلة تدور حالياً عن مستقبل الحياة السياسية في سورية التي استأثر بها حزب البعث الذي كان "قائداً للدولة والمجتمع" بموجب الدستور، الذي ظلّ ينص على ذلك حتى العام 2012 حين تمّ تعديل الدستور، لكن ذلك لم يمنع من أن زاد توغل "البعث" في أجهزة الدولة، بل بات له جناح عسكري أقوى من ذي قبل شارك في الحرب على السوريين إلى جانب النظام، وخرجت أصوات من داخل جمهور الثورة، بإنهاء حزب البعث من الحياة السياسية مطلقاً.

وعقب سقوط النظام، قالت المعارضة إنها ستجمد الدستور ومجلس الشعب (البرلمان)، ما يعني عدم الوضوح حالياً في ما سيكون عليه شكل الحياة السياسية في سورية خلال الفترة المقبلة، لا سيما مع عدم صدور إعلان دستوري يحدد ذلك، وتقول المعارضة إن الحكومة الانتقالية ستتسلم تسيير أمور البلاد حتى الأول من مارس/آذار المقبل، أي لفترة نحو ثلاثة أشهر.

ورأى أحمد العسراوي، الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي (أحد أحزاب المعارضة التقليدية داخل سورية) وعضو المكتب التنفيذي في هيئة التنسيق الوطنية، أن الإقصاء ليس حلاً في هذه المرحلة، رافضاً تكرار التجربة العراقية بإقصاء حزب البعث عن المشهد السياسي في البلاد، بعد سقوط نظام صدام حسين.

وقبل الدخول في رؤيته ورؤية حزبه للمشهد السياسي لا سيما على المستوى الحزبي في البلاد، أشار العسراوي في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "معظم قواعد حزب البعث في سورية، وحتى الكثير من قياداته، انتموا للحزب لتحقيق منافع شخصية من النظام كانت محظورة على غالبية السوريين من خارج المنتمين للبعث، وهي أساساً بمثابة حقوق بالنسبة إليهم وليست حكراً على السلطة، كالتوظيف والترقية في المناصب وغير ذلك، لذا أرى أن عدم اجتثاثه يكون الأفضل"، مقدراً أن هذا الحزب "لن يكون له رصيد في الشارع السوري مستقبلاً نتيجة للعنف الذي استخدم ضد الشعب السوري تحت مسمى قيادته للدولة والمجتمع".

وأشار العسراوي إلى أن "ما تحقق حالياً بإزالة هذا النظام، يعد انتصاراً للسوريين جميعاً نتيجة للتضحيات التي قدموها خلال 14 عاماً منذ انطلاقة ثورة الحرية والكرامة والعدالة، بغض النظر عن مستجدات المستقبل". ولفت إلى أن حزبه والهيئة التي يشارك فيها مستعدون للانخراط في الحياة السياسية، التي هم بالأساس جزء أساسي منها، سواء في المرحلة الحالية أو في المستقبل. لكنه أشار إلى ضرورة وجود آليات تحدد المشاركة السياسية في سورية لا سيما مع تعطل الدستور والبرلمان حالياً. وقال: "من الضروري اليوم أن يكون هناك إعلان دستوري مؤقت، وهذا الإعلان يجب أن يتضمن أسس واضحة عن المشاركة السياسية في المرحلة الانتقالية ريثما يتم إقرار دستور جديد، تقدمه هيئة دستورية تشاركية بين القوى السياسية والعسكرية والمجتمع المدني، ذلك أن إقرار دستور جديد في البلاد يصوت عليه السوريون هو الذي يحدد شكل الدولة المقبلة ونمط الحياة السياسية في البلاد، ويسمح بالتنافس الإيجابي وفق البرامج التي تقدمها القوى والتشكيلات السياسية للشعب في ظل هذا التنافس، ومن ثم ستكون جميع المكونات السياسية أمام امتحان لبرامجها السياسية والتي يعتمدها الصندوق الانتخابي وهو من يقرر".

لكن القاضي والمستشار حسين الحمادة، عضو قيادة فرع حزب البعث في حلب سابقاً، والمنشق عن الحزب في العام 2005، أبدى عدم تسامح في ما يخص البعث. وقال لـ"العربي الجديد" إن "أي حزب يمتلك سلاحاً يفقد صفته السياسية ويصبح مليشيا"، بالإشارة إلى المليشيات التي أسّسها البعث وشاركت في الانتهاكات ضد السوريين.

حسين الحمادة: عقد مؤتمر وطني سوري هو الصيغة الأمثل لإنقاذ سورية

ورأى الحمادة أن "الصيغة المثلى لإنقاذ سورية والتأسيس لسورية موحدة حرّة مستقلة خالية من الاستبداد والاحتلال والإرهاب يمكن تحقيقه من خلال عقد مؤتمر وطني سوري، وهذا يتطلب توفير شروطه ومعاييره، وفي مقدمتها: تأمين مناخ سوري مؤيد لعقد هذا المؤتمر، وتأمين مناخ دولي داعم دبلوماسي لعقد هذا المؤتمر ومستعد للاعتراف بمخرجاته".

وأشار الحمادة إلى أن المرحلة تتطلب تشكيل عدد من اللجان، من مهامها إعداد مسودة ميثاق وطني يتضمن شكل نظام الحكم مبني على مبدأ الفصل بين السلطات: التشريعية - التنفيذية - القضائية، في إطار اللامركزية الإدارية، بالإضافة إلى النظام السياسي، المبني على مبادئ الديمقراطية والتعددية السياسية والتبادل السلمي للسلطة عبر انتخابات حرة نزيهة تشرف عليه السلطة القضائية، وغيرها من اللجان التي تعمل على جوانب الحياة الاجتماعية والخدمية وغيرها، إلى جانب الشأن السياسي.

الحياة السياسية في سورية... انتهاء مرحلة سوداء

من جهته، قال مهند دليقان، عضو الأمانة العامة في حزب الإرادة الشعبية، وهو أحد الأحزاب المعارضة التي تصنف ضمن "منصة موسكو" المقربة من روسيا، إن "سورية تجاوزت مرحلة سوداء من تاريخها بكل المعاني، والأمل كبير لدى عموم السوريين بسورية جديدة موحدة أرضاً وشعباً، قائمة على المواطنة المتساوية لكل السوريين بغض النظر عن أي انتماء قومي أو عرقي أو ديني أو طائفي تصان فيها حقوق الناس وكراماتهم".

وأضاف دليقان في حديث لـ"العربي الجديد": "بقدر ما هي الآمال كبيرة، فإن المخاطر والتحديات كذلك. البلد بحاجة إلى دخول سريع في مرحلة انتقالية استناداً لجوهر القرار 2254 بحيث ننتهي من عقلية الاستئثار والحزب القائد التي يمكنها أن تهدد ليس فقط الحياة الديمقراطية بل ووحدة سورية الجغرافية السياسية أيضاً، خصوصاً في ظل المطامع الصهيونية المعلنة بأرضنا؛ سقوط السلطة كما علمتنا تجارب دول عديدة لا يعني بالضرورة سقوط النظام. نحتاج إلى عملية تغيير جذري شامل على الصعد كافة، وهذه العملية تتطلب جهود كل الوطنيين السوريين". وتابع: "حزبنا، حزب الإرادة الشعبية، كان وما يزال يناضل من أجل تغيير جذري شامل يؤدي إلى منظومة كاملة جديدة سياسياً واقتصادياً اجتماعياً وديمقراطياً، وسيكون حاضراً في المشهد كغيره من الأحزاب والقوى، وسيكون القرار للشعب السوري وحده في أن يقرر لمن يولي ثقته لهذه القوة أو تلك، عبر انتخابات حرة ونزيهة".

من جهته، أبدى شلال كدو، سكرتير حزب اليسار الديمقراطي الكردي، وهو أحد أحزاب المجلس الوطني الكردي، المكون في الائتلاف الوطني السوري المعارض، تفاؤلاً في أن تكون الحياة السياسية في سورية بالمستقبل "ذاخرة وغنية ومتعددة". وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "مستقبل الحياة السياسية في سورية لا شك سيكون عنوانه الديمقراطية والتعددية بعد سقوط نظام الطاغية بشار الأسد، فدماء السوريين وجهودهم ستؤدي إلى تغيير حقيقي، ومن غير المستبعد أن نرى في الأسابيع المقبلة ولادة هيئة حكم انتقالية، تؤسس لمرحلة انتقالية وتشكل لجنة دستورية لكتابة دستور دائم للبلاد وتوفر بيئة آمنة لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية". وأضاف كدو: "سيكون لحزبنا دور سياسي في البلاد، طالما أن الحزب جزء من المجلس الوطني الكردي والائتلاف الوطني، اللذين شكّلا معاً العمود الفقري للمعارضة السورية، التي قارعت النظام لسنوات طويلة، لا سيما منذ انطلاقة الثورة السورية وما قبلها".

مهند دليقان: سقوط السلطة كما علمتنا تجارب دول عديدة لا يعني بالضرورة سقوط النظام

وعن الوضع السياسي الراهن في سورية، ومستقبل الحياة السياسية في سورية بعد إسقاط الأسد، رأى المحلّل السياسي درويش خليفة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن بيان حزب البعث، وما تضمن من وضع مقدراته تحت تصرف الوزارات المعنية، "خطوة لبناء الثقة مع المرحلة المقبلة، بمعنى أنه ليس لديه أي توجهات لعرقلة العملية السياسية". ولفت خليفة إلى أن "المطلوب من القيادة الجديدة وضع تصور لشكل الحياة السياسية في سورية المقبل، إذ جرت العادة عندما تسقط الأنظمة والحكومات سواء من خلال الثورة أو الانقلابات العسكرية، تدعو القوى العسكرية الجديدة والمسيطرة إلى مؤتمر أو جمعية تأسيسية، يتمخض عنها لجنة لإعداد دستور جديد للبلاد، وذلك بعد توافق جميع القوى السياسية والاجتماعية والمدنية وحتى الفعاليات الاقتصادية وجميع المكونات في البلاد، لا سيما أن لدينا حالة مختلفة عن كثير من الدول". وبالتالي، برأيه، فإن "الجمعية التأسيسية يجب أن تتضمن كذلك حواراً وطنياً، وبالنهاية إنتاج دستور للبلاد يُعرض على الشعب من خلال استفتاء عام، ويفترض أن يتضمن الحريات الفردية والعامة وضمان وجود قوى سياسية ومنظمات مجتمع مدني وصحافة حرة ومستقلة".

وأضاف خليفة أنه "من خلال وضع قانون أحزاب جديد، تعود الأحزاب التي لديها أنظمة داخلية، لتلائم ما لديها بما يتوافق مع المرحلة المقبلة، ففي حال كان القانون أو الدستور يحظر وجود أحزاب ذات أيديولوجيات من أي شكل، فيجب على تلك الأحزاب أن تغير أنظمتها أو تحل نفسها".

وحول مستقبل الحياة السياسية في سورية مع سقوط الأسد، حاول "العربي الجديد"، التواصل مع إدارة الشؤون السياسية التابعة لحكومة الإنقاذ، والتي أعلن قائد العمليات العسكرية أحمد الشرع أنها ستقود الفترة الانتقالية، لسؤالها حول التصورات لديها للمرحلة السياسية، لكن لم تأت ردود، غير أن مصدراً مقرباً من الإدارة وحكومة الإنقاذ، وهو عضو في "مجلس الشورى العام"، الذي يعد هيئة برلمانية في إدلب ومحيطها، أفاد بأن "التوجه حالياً يذهب إلى تشكيل لجان من كل الاختصاصات، للتشاور في ما يمكن العمل عليه، وذلك ينسحب على الحياة السياسية ومسألة الأحزاب وغيرها من الأمور المتعلقة في الحياة السياسية".

وأضاف عضو المجلس الذي فضّل عدم الإفصاح عن هويته لكونه غير مخول بالتصريح الرسمي، أنه "حالياً ليس هناك قالب جاهز لأي شكل من شكل الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وكل المواضيع مطروحة للنقاش، فما حدث بسقوط سريع للنظام كان غير متوقع، والعمل جاء على إعداد أوراق وعقد لجان تشاورية في كل الموضوعات". وأضاف أن "العناوين العريضة حالياً هي: الانفتاح على الجميع والمشاركة مع الجميع، لكن هناك حالات خاصة يجب أن يتم التوقف عندها"، بالإشارة إلى مسألة إمكانية عودة حزب البعث للحياة السياسية في البلاد.

وفي بحث أصدره مركز جسور للدراسات، في سبتمبر/أيلول الماضي، رصد المركز كل الأحزاب السياسية السورية التي نشأت خلال 100 عام من تاريخ سورية الحديث، وهي الأحزاب التي ما تزال قائمة حتى عام 2024. وبحسب البحث، فقد بلغ عدد هذه الأحزاب 134 حزباً سياسياً تتوزع تحالفاتها وعلاقاتها وتموضعها السياسي بين النظام الحاكم أو مؤسسات المعارضة الرسمية، أو الإدارة الذاتية لشمال سورية وشرقها. وأشار البحث إلى أن عدد الأحزاب الناشئة بعد عام 2011 وصل إلى 92 حزباً، في مقابل 42 حزباً كانت قبل ذلك.

المساهمون