مستشار سابق للرئيس التونسي لـ"العربي الجديد": قيس سعيد في عزلة وأصدقاؤه ينفضّون من حوله

12 يوليو 2022
متظاهرون يرفضون العودة بتونس إلى قمع حقبة التسعينيات (Getty)
+ الخط -

يصرّ الرئيس التونسي قيس سعيّد على الذهاب في مسار "الإجراءات" التي يصفها معارضوه بـ"الانقلابية"، رغم الرفض الواسع لها، حتى وسط من كانوا داعمين له ومقربين منه، وفي ظل تنديد المعارضة بتوجهاته وتحذيرها من أن البلاد مقبلة على "حملة قمعية" قبيل الاستفتاء على الدستور الجديد.

وفي السياق، يرى المستشار السابق لقيس سعيد، عضو مبادرة مواطنون ضد الانقلاب عبد الرؤوف بالطيب، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "سعيد في عزلة، وحتى الأصدقاء انفضّوا من حوله".

وأكد المستشار الرئاسي السابق أن "المعارضة تبدو في الظاهر مشتتة، ولكن الأهداف نفسها، ومصيرها الالتقاء حول الغاية نفسها وفي الشارع، وحتى على طاولة الحوار".

وتابع أن "جهود المعارضة تندرج في إطار المقاومة وفي إطار تحركات متواصلة، وكنا نأمل بأن يقيّم المنقلب الوضع كما ينبغي ويعود إلى طاولة الحوار، ولكنه يواصل طريقه، ونحن في المعارضة أيضاً نواصل طريقنا"، مؤكدا أن "قيس سعيد ربما يكون قد نجح الآن في فرض أمر واقع، ولكن ما بني على باطل سيبقى باطلا".

يشار إلى أن الصادق بلعيد، رئيس اللجنة الاستشارية التي تولت كتابة مشروع الدستور الجديد لتونس بطلب من الرئيس قيس سعيّد، من آخر أبرز الشخصيات المقربة من الرئيس التونسي التي وجهت له انتقادات علنية شديدة.

وفي بداية يوليو/ تموز، فجر بلعيد مفاجأة بإعلانه التبرؤ من مسودة الدستور التي نشرت تمهيداً للاستفتاء عليها في 25 يوليو/تموز الحالي، كاشفاً عن أن سعيّد أدخل تغييرات جوهرية على النسخة المقدمة إليه من اللجنة.

وتكمن المفاجأة ليس فقط بتبرؤ بلعيد من مسودة الدستور، بل لأنه كان ينظر إليه خصوصاً على أنه من بين أكثر المقربين للرئيس التونسي.

تونس مقبلة على "حملة قمعية"؟

إلى ذلك، أثارت تصريحات مسؤولي جبهة الخلاص المعارضة في تونس التي توقعت حملة قمعية خلال الأيام القادمة، قلقا كبيرا في الساحة السياسية التونسية، بسبب دخول البلاد مرحلة توتر عالية تنذر بمزيد من تدهور الأوضاع، عشية الاستفتاء على دستور تقاطعه غالبية الأحزاب والمنظمات في تونس.

وبينما يواصل الرئيس قيس سعيد مساره دون اكتراث، حذرت المعارضة من مسعاه لـ"فرض القمع أمرا واقعا".

وأثار رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي، في ندوة صحافية طارئة، أمس الإثنين، احتمال اعتقال رئيس البرلمان ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي قريبا، وعدد من الشخصيات السياسية والاجتماعية في الصفوف القيادية الأولى، لم يسمها.

وقال إن هناك استهدافا واضحا لعدد من الشخصيات في قضايا دون إثباتات وحتى دون سماع المتهمين، مثلما حصل في إيقاف رئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي في ما يعرف بقضية "جمعية نماء" أو تجميد أرصدة الغنوشي دون الاستماع إليه.

"نماء": توظيف سياسي

واليوم الثلاثاء، نفى عضو هيئة الدفاع عن جمعية نماء، المحامي مختار الجماعي، انتماء رئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي للجمعية (تأسست منذ 2011) بأي شكل وبأي وقت.

وأكد الجماعي أنه "زج ببعض الأسماء في هذا الملف بغاية توظيفها سياسيا، بتهم كيدية"، ونفى صحة المبالغ التي يتم الترويج لها على أنها ميزانية الجمعية والمقدرة بـ20 مليارا (حوالي 6,5 مليون دولار أميركي)، وتحدى النيابة العمومية إثبات ذلك. 

وبين الجماعي أن "القضية انطلقت من وشاية وليس من مؤسسة رقابية"، مؤكدا أن "إثارة قضية جمعية نماء تأتي للتغطية على فشل سياسي واضح، واستغلالا لوضع قضائي هش بسبب إضراب القضاة". 

وبدورها، نفت المحامية صالحة بن عايشة، "تلقي الجمعية أموالا من الخارج منذ تأسيسها إلى اليوم، وهو أمر موثق إداريا وقانونيا، عكس ما صرحت به المتحدثة باسم قطب مكافحة الإرهاب حول تلقي جمعية نماء أموالا تقدر بـ20 مليارا".

وأضافت أنه "تم خرق الإجراءات القانونية والآجال في ملف جمعية نماء، وهناك خشية من توظيف الموضوع سياسيا". 

سعيد وسياسة فرض الأمر الواقع

وتثير تصريحات جبهة الخلاص بخصوص الحملة القمعية المفترضة تساؤلات حول هذا المنعرج الخطير الذي تدخله البلاد، وما إذا كانت ستعود إلى مربع القمع من جديد.

ويفسر أحمد نجيب الشابي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، على هامش الندوة الصحافية، أنه "لا مجال للعودة لحكم الفرد الواحد وما ينتج عنه من دوس للحريات وانتهاك للحقوق" ، مبينا أن "الوضع إذا استمر بهذا النسق فسنعود إلى تسعينيات القرن الماضي (زمن حكم بن علي)، وإلى الاضطهاد والقمع، ولكن قوى النضال والصمود ستتصدى لهذا المسار وستعود بتونس إلى سكة الحرية والديمقراطية". 

وعما إذا كان سعيد قد نجح في فرض الأمر الواقع على الجميع، يوضح الشابي أن "سعيد يسعى لفرض إرادته على المجتمع، ولكن هناك عدة قوى تناهض هذا التوجه، منهم القضاة الذين انتفضوا ونقابيون وقوى سياسية تناضل كلها، وبتراكم هذه القوى سنعود بتونس إلى بر الأمان ونقف في وجه هذا الانحدار".

وقال عضو مبادرة مواطنون ضد الانقلاب جوهر بن مبارك إن "المسألة سياسية قبل أن تكون حقوقية، فالمحاكمات العسكرية ومحاكمة النواب والملاحقات القضائية، هي في الحقيقة عوارض لمرض عضال ضرب الجسم التونسي اسمه انقلاب 25 يوليو/تموز"، مؤكدا لـ"العربي الجديد"، أن التصدي يكون في إطار عمل سياسي جامع وشامل، وهو التصدي للانقلاب".

ولفت بن مبارك إلى أنه "كان واضحا منذ البداية أن الانقلاب سيؤدي إلى تراجع الحقوق والحريات، ولكننا نؤكد من جديد أن دستور 2014 هو الدستور الشرعي للجمهورية التونسية"، مبينا أنه "رغم المضي في الاستفتاء فإن المعارضة ستجعل من الدستور أيقونة الثورة والمقاومة على المدى المتوسط والبعيد وسيكون العمل خلال الفترة القادمة على عودة العمل بالدستور". 

وحول تشتت المعارضة والخطوات المنتظرة لمقاومة هذا التصعيد من جانب السلطة، أكد بن مبارك أن "التحركات ستتواصل وجبهة الخلاص قادرة على تنظيم تحركات كبيرة وحدها وقد أثبتت ذلك، ولكن القضية وطنية ونعول على تحركات وطنية شاملة، ونحن على استعداد للانخراط في أي تحركات". 

وأفاد بأنهم كمعارضة حققوا نجاحات واضحة، "وتكفي معاينة المشهد السياسي للمقارنة بين الوضع في 25 يوليو من العام الماضي، وهذا العام، والفرق شاسع".

وأضاف أن "قيس سعيد معزول تماما ويغرد وحده خارج السرب ويقود البلاد بالحديد والنار"، مشيرا إلى أن "هذا يدل على استغلاله للقوى الصلبة للدولة من أجل فرض إرادته على التونسيين وعلى المجتمع السياسي وعلى المجتمع المدني وعلى نخبة البلاد".

المساهمون