يعود الملف السوري ليشهد تعقيدات جديدة في ظل تشابك خيوط السياسة الدولية والإقليمية المحيطة به حالياً. فبعد زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد إلى دمشق، ولقائه رئيس النظام السوري بشار الأسد، تدور الأسئلة حول ردة الفعل الباردة للإدارة الأميركية حيال الزحف المتواصل نحو التطبيع مع النظام، سواء من قِبل الإمارات أو الأردن قبلها، لا سيما أن إدارة جو بايدن، وإن كانت نددت بالتطبيع، إلا أنها لم تلوّح بورقة "قانون قيصر" أمام الدول التي سلكت الطريق نحو دمشق للتطبيع، وأخرى التي تنتظر أقرب فرصة.
ومع هذا الموقف الأميركي، وشبه الصمت الغربي، وجدت الجزائر نفسها أمام فرصة الإعلان الرسمي عن موقفها من عودة النظام إلى الجامعة العربية، حين طالب وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة بإعادة كرسي سورية (النظام) إليها، في تلميح لبدء الترويج لدعوة النظام للقمة العربية التي ستستضيفها الجزائر في مارس/آذار من العام المقبل. وفي اليوم ذاته الذي خرجت به تصريحات لعمامرة إلى العلن، كان نظيره الأردني أيمن الصفدي يبرر "عودة التفاعل" بين المملكة ونظام الأسد بأن "التعايش مع الوضع الراهن ليس خياراً"، كاشفاً عن أن بلاده أجرت محادثات مع الولايات المتحدة حول التقارب مع النظام، في إشارة للزيارة التي قام بها العاهل الأردني عبدالله الثاني إلى واشنطن في يوليو/تموز الماضي، حينها، دار الحديث عن "خريطة طريق لحل الأزمة السورية" قدّمها العاهل لبايدن، من دون الكشف عن ردود فعل الإدارة الأميركية حيالها.
تظهر القاهرة وكأنها تنتظر مزيداً من الضوء الأخضر الغربي والعربي لتعلن تأييدها لعودة النظام إلى الجامعة
وفيما يبدو الموقف المصري باهتاً حيال عودة النظام للجامعة العربية، فإن القاهرة تظهر وكأنها تنتظر مزيداً من الضوء الأخضر الغربي والعربي، لتعلن موقفها المؤيد لعودة النظام، من بوابة عودة سورية كدولة إلى مقعدها في الجامعة، واحتوائها عربياً بعيداً عن الاستقطاب الإيراني، ودعمها ضد التدخل الأجنبي والتركي على وجه الخصوص. وعلى ذلك، كان وزير الخارجية المصري سامح شكري يجدد موقف بلاده بقبول عودة النظام للحظيرة العربية مقابل تعهدات من النظام بالذهاب نحو بعض الحلول السياسية والإنسانية للأزمة السورية، وفي مقدمتها إعادة اللاجئين.
وأمام ذلك، يسود الاعتقاد بوجود "غض طرف" من قبل إدارة بايدن، يهدف إلى اختبار تأثير الدول المطبّعة على النظام لتغيير سلوكه. وفي حين ينظر إلى هذا الرهان باعتباره خاسراً، في حال صح الاعتقاد، فإن معالم ذلك ستتضح بعد اللقاء المنتظر الذي سيجمع منسق مجلس الأمن القومي للشرق الأوسط بريت ماكغورك مع مبعوث الرئيس الروسي إلى سورية ألكسندر لافرنتييف، ونائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فرشينين في جنيف، لبحث ملفات عدة في سورية.
وتسود الشكوك حول اللقاء عن إبرام صفقة روسية ـ أميركية جديدة، أو آنية على الأقل حيال سورية. ففي حين تبدي إدارة بايدن اهتماماً بالملفات الإنسانية دون غيرها في سورية، يُتوقع أن تركز في محادثاتها المقبلة مع موسكو على عدم اعتراض الأخيرة لتمديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية إلى سورية، والتي ستنتهي بداية العام المقبل، في حين ستحاول موسكو تحصيل مزيد من الاستثناءات في تطبيق "قانون قيصر"، ولا سيما تلك التي تخص الاستقرار والتعافي المبكر، بالإضافة لرفع القيود عن المقاولين والشركات المنخرطة في البرامج التي تستهدف مواجهة جائحة كورونا وتقديم المساعدات الإنسانية عبر الأمم المتحدة. وكانت واشنطن أصدرت إعفاءات جديدة بهذا الخصوص قبل يومين، فيما تتطلع موسكو لمزيد من الإعفاءات لتشمل مزيداً من الشركات والمقاولين الذين يعملون في كنف النظام.
أما روسيا، التي غيّرت توجهها في العامين الأخيرين، من محاولة تعويم النظام دولياً، إلى تمرير ذلك شيئاً فشيئاً عبر البوابة العربية، فمن المتوقع أن يكون ذلك مطلبها خلال اللقاء المقبل بين ماكغورك من جهة وفرشينين ولافرنتييف من جهة أخرى، إذ يتطلع المسؤولون الروس إلى إعادة النظام للجامعة العربية من بوابة قمة الجزائر المقبلة، وهذا الأمر يتطلب غضّ طرف أميركي كبير عن المسألة، بالإضافة لإعادة المحاولة مع كل من السعودية وقطر، واللتان تربطان عودة سورية للحضن العربي بإنجاز الحل السياسي كاملاً بمشاركة المعارضة. وتتطلع موسكو لإنجاز زج النظام مجدداً في الحاضنة العربية، ولو بشكل جزئي، لتضمن بدء مرحلة إعادة الإعمار وتمويلها خليجياً، وهي تعلم أن ذلك لن يمر من دون مباركة واشنطن، أو الإيعاز بذلك لحلفائها في الخليج.
في خضم ذلك، يُتوقع أن يستمر الدعم الروسي للنظام بالقفز فوق المسارات والحلول السياسية الأممية، بهدف تسجيل مزيد من النقاط لصالح الأسد، وذلك بعد إعادة الكثير من المساحات الجغرافية التي خسرها إثر التدخل والمساندة المباشرة من روسية، وإنجاز الانتخابات الرئاسية بإنجاح الأسد فيها على الرغم من المقاطعة والمعارضة الدولية والغربية. وتساعد الجهود الدبلوماسية الروسية النظام بالالتفاف على المسار الأممي المتبقي لحل الأزمة السورية، أي اللجنة الدستورية، التي فشلت جولتها السادسة الشهر الماضي بتسجيل أي خرق لجهة البدء بصياغة مواد للدستور، على الرغم من الوعود الروسية للمبعوث الأممي غير بيدرسن بدفع النظام للانخراط بهذا المسار جدياً، ويتوقع أن يكون خيارها ثابتاً حيال الجولات والمحطات المقبلة من المسار.
يتطلع المسؤولون الروس إلى إعادة النظام للجامعة العربية من بوابة قمة الجزائر المقبلة
وتحافظ موسكو على إبقاء مسارها الذي اخترعته بنفسها لـ"الحل" من خلال محادثات أستانة، وهو مسار ذو صبغة عسكرية – سياسية، حققت من خلاله مكاسب للنظام، بالالتفاف على مخرجاته في كل جولة من جولاتها التي وصلت إلى 16 جولة كان آخرها في يوليو/تموز الماضي. وأكد نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف قبل يومين الموعد الجديد للجولة الـ17 على أنه سيكون بعد العشرين من الشهر المقبل. وكانت وسائل إعلام روسية ألمحت لإمكانية مشاركة وزير الخارجية سيرغي لافروف في الجولة المقبلة إلى جانب نظيريه الإيراني والتركي، بحكم رعاية الدول الثلاث للمسار، إلا أن بوغدانوف لم يؤكد ذلك، مشيراً إلى أن مشاركة الوزير أمر غير مخطط له. لكن الأكيد، أن الجولة المقبلة ستبحث تطبيق ما سيتم التفاهم عليه مع واشنطن حيال نقاط عدة، أولها تمرير آلية إيصال المساعدات، وتخفيف العقوبات بموجب "قانون قيصر" على النظام بذريعة الجوانب الإنسانية، علماً أنه ومنذ وصول الإدارة الأميركية الحالية إلى سدة الحكم في البيت الأبيض، وحتى اليوم، لم تفرض أي حزمة جديدة من عقوبات القانون على النظام، على خلاف ما كان عليه منذ صدور القانون خلال عهد إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب.