مساعٍ لتغيير قواعد التصويت بالاتحاد الأوروبي من الإجماع إلى الأغلبية

مساعٍ لتغيير قواعد التصويت في الاتحاد الأوروبي من الإجماع إلى الأغلبية

19 مايو 2023
رئيس الحكومة المجرية فيكتور أوربان (أتيلا كيسبينيدك/ فرانس برس)
+ الخط -

تسعى الدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي، بتعاون بين ألمانيا وفرنسا، لتغيير قواعد التصويت على القرارات المهمة في الاتحاد، وعلى وجه الخصوص المسائل الخاصة بالشؤون الخارجية والعقوبات.

ويأتي ذلك على خلفية عرقلة دول صغيرة في أوروبا قرارات مهمة، سواء تعلق الأمر بالعقوبات على روسيا أو بمعاهدات مع أقاليم أخرى، باستخدامها حق النقض (الفيتو) لأجل المساومة على مصالحها و"ابتزاز بروكسل"، كما يُطلق على سياسات رئيس الحكومة المجرية فيكتور أوربان، وغيره في القارة التي تعاني من تشتت في سياساتها.

وليست برلين وحدها المنزعجة من مواصلة استخدام الفيتو في بروكسل، بل دول أخرى تشعر بغضب من تكرار استخدامه لإيقاف قرارات يعتبرها مسؤولو الاتحاد الأوروبي حيوية لمصالحه.

"الأغلبية المؤهلة"

وتستضيف وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك لقاء مع ثماني دول أخرى تريد إلغاء حق النقض للاتحاد الأوروبي، الاثنين المقبل، وهي مجموعة تأسست بمبادرة من الوزيرة مطلع مايو/ أيار الجاري. وأبرز هذه الدول هي فرنسا وإيطاليا وإسبانيا بالإضافة إلى دول أصغر مثل فنلندا وبلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ وسلوفينيا، مع بقاء الباب مفتوحاً لسبع عشرة دولة من أجل مناقشة آلية التخلص من عقبة الفيتو.

ويدور النقاش الأوروبي حول الانتقال من تصويت بالإجماع إلى "الأغلبية المؤهلة"، وبشكل خاص حين يتعلق الأمر بتبني عقوبات واتفاقيات مع دول أخرى خارج أوروبا.

وإن كان من غير المتوقع تمرير التغيير فوراً، إلا أنّه لا يحتاج إلى إدخال تعديلات على معاهدة الاتحاد الأوروبي، فهي تتيح بالفعل الانتقال إلى تصويت الأغلبية المؤهلة، بحيث يصوت بإيجابية على القرارات 55% من الدول الأعضاء تمثل ما لا يقل عن 65% من إجمالي سكان الاتحاد الأوروبي.

ومع ذلك تبدو اجتماعات برلين، الاثنين المقبل، حاسمة لجمع أكبر قدر من الدول الممثلة لتلك النسب المئوية وتمثيلها لأغلبية مواطني المعسكر الأوروبي (ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا)، وعلى أمل جذب بولندا لاحقاً. وتحظى هذه التحركات بمباركة من رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، ومقرر السياسات الخارجية جوزيب بوريل.

وكانت فون ديرلاين قد طرحت موضوع الانتقال إلى التصويت بالأغلبية في مايو/ أيار من العام الماضي بعد قراءة دقيقة لمواقف المجر وغيرها من الدول الصغيرة، التي بدا واضحاً أنها لن تسير في ذات اتجاه بروكسل لتضييق الخناق على موسكو بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/ شباط 2022.

وكانت المفوضية الأوروبية قد أكدت أنّ إزالة حق النقض لن تشمل القضايا الدفاعية، وذلك في سياق طمأنة دول صغيرة مثل الدنمارك المتحفظة على تلقائية التعاون في المجال الدفاعي وتريد مع غيرها الاحتفاظ بحق الاعتراض على قراراته والتأثير عليه.

وكانت بودابست قد أعلنت أخيراً على لسان رئيس حكومتها القومي المحافظ فيكتور أوربان أنها لن تدعم فرض عقوبات جديدة على موسكو، وذلك بعد رفضها لها على خلفية اعتقال موسكو الناشط والصحافي الروسي فلاديمير كارا مورزا.

وتسود خشية أوروبية من أنّ استخدام المجر المتكرر لحق النقض يضعف الجبهة المعارضة لروسيا ومشاريع أوروبا في دعم أوكرانيا، ومنها شراء أسلحة بقيمة 500 مليون يورو.

مساومات

وكانت المساومة الأخيرة التي أرادها أوربان تتعلق بتجميد فرض العقوبات على رأس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية المثير للجدل البطريرك كيريل، أو تخفيف العقوبات على النفط الروسي.

ومع شعور دول أوروبية مختلفة بأنّ المساومات باتت "طقوساً متكررة" تكونت لديها حالة غضب مكتوم حيال أوربان، فالرجل متهم بأخذ بعض الاتفاقيات "رهينة" لأجل الحصول على أموال أوروبية، كان جرى تجميدها لدفعه إلى إجراء إصلاحات والتراجع عن قوانين تنسف أسس عضوية بلاده في الاتحاد الأوروبي.

وعلى سبيل المثال ما تزال بودابست تعرقل "اتفاقية كوتونو"، وهي اتفاقية تعاون بين الاتحاد الأوروبي ومجموعة دول في أفريقيا وجزر الهند الغربية والمحيط الهادئ أو ما يسمى بدول "إيه سي بي" ACP المبرمة منذ 2021، حيث رفضت التصديق عليها قبل الحصول على ضمانات بأن تُترك لها حرية التعامل مع سياسات الهجرة والجندرة.

وبعد أن تبنت بودابست في إبريل/ نيسان الماضي الاتفاقية، ظهر صداع آخر في بولندا التي رأت فرصتها في الضغط على الاتحاد الأوروبي بشأن المعاملة التفضيلية لواردات الحبوب الأوكرانية، وهي ما تزال تُخضع الاتفاقية إلى المساومة.

ويشير دبلوماسيون أوروبيون إلى أنّ تأجيل تمرير الاتفاقية "يُضر بعلاقات الاتحاد الأوروبي مع دول أفريقيا والكاريبي والمحيط الهادئ، وهو أمر سيئ حقاً في وقت يكون فيه الوصول إلى الشركاء العالميين أمراً محورياً للغاية".

وذات الموقف اتخذه وزير الخارجية الدنماركي، لارس لوكه راسموسن، المشارك في اجتماع الاثنين المقبل، حيث أعلن قبل أيام عن سياسات خارجية وأمنية جديدة محذراً من أنّ موقع ومصالح أوروبا يتضرران بمثل تلك السياسات التي تتخذ من الاتفاقيات "رهينة".

التململ الأوروبي من التصويت بالإجماع في بروكسل لا يشمل فقط المجر، فحتى قبرص استخدمت الفيتو لمنع فرض عقوبات على بيلاروسيا من أجل الحصول على موقف أوروبي في مسألة النزاع مع تركيا.

عموماً، من الواضح أنّ الدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي المنزعجة من السياسات الموصوفة بـ"الابتزاز" في اتخاذ قرارات كالعقوبات بحق روسيا وغيرها ومعاهدات دولية، يدفع إلى فرض التصويت بنظام الأغلبية المؤهلة، دون الحاجة حتى إلى موافقة الدول المستفيدة من الفيتو على الانتقال إلى نظام التصويت الجديد.

المساهمون