نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية عن مسؤولين إسرائيليين ومصريين قولهم إن إسرائيل تخطط لتنفيذ عملية عسكرية والسيطرة على طول حدود غزة مع مصر.
وقالت الصحيفة إن الهجوم في المنطقة سيكون معقدًا عسكريًا بسبب وجود أكثر من مليون مدني فلسطيني فرّوا من بقية القطاع وتمركزوا في المنطقة، ويتجمع معظمهم في مدينة رفح الحدودية مع مصر أو في مناطق على طول الحدود. ويشعر المحللون الأمنيون بالقلق من أن تؤدي مثل هذه العملية إلى تفاقم الأزمة الإنسانية.
ويقول مسؤولون مصريون إن العملية ستشمل على الأرجح إبعاد الفلسطينيين عن معبر رفح، وستتمركز فيه قوات إسرائيلية على امتداد الجهة الجنوبية الشرقية لغزة، متاخمة لكل من إسرائيل، ومصر.
وبحسب الصحيفة، فإن إسرائيل ترى أن استعادة المنطقة الحدودية من شأنها أن توجّه ضربة استراتيجية لحركة حماس، ومن شأن ذلك أن يسمح لإسرائيل بإغلاق أنفاق حماس في المنطقة، والحد من تدفق الأسلحة، ومنع مقاتليها من الهروب من قطاع غزة وإزالة أي سيطرة للجماعة على المعبر.
وبالنسبة للفلسطينيين، سيكون ذلك بمثابة تراجع عن رمز السيادة الفلسطينية، كما يمكن أن يفتح الباب أمام إسرائيل للاحتفاظ بالسيطرة على الحدود على المدى الطويل بعد الحرب، مما يغير الترتيب الأمني مع غزة، الذي كان قائمًا منذ ما يقرب من عقدين من الزمن.
وقال الرئيس السابق لقسم شؤون الفلسطينيين في المخابرات العسكرية الإسرائيلية، مايكل ميلشتين: "لا توجد فرصة لأن نسمح لهذا المعبر بالعمل كما كان من قبل"، لكنه أشار إلى أن الوضع "معقد للغاية"، أكثر مما هو عليه في المواقع في شمال ووسط غزة حيث تعمل القوات البرية الإسرائيلية حتى الآن.
قلق مصري
وتشعر مصر بالقلق من أن العملية الإسرائيلية يمكن أن تنتهك شروط معاهدة السلام الموقعة بين البلدين عام 1979، والتي تضع قيوداً على عدد القوات التي يمكن لكلا البلدين نشرها بالقرب من الحدود في المنطقة، كما أن أي عملية عسكرية إسرائيلية تخاطر بإلحاق أضرار عرضية داخل الأراضي المصرية. ويقول المسؤولون الإسرائيليون إنهم يعملون على معالجة المخاوف المصرية من خلال التنسيق مع المسؤولين المصريين.
ورفضت مصر في الأيام الأخيرة مقترحاً إسرائيلياً يتضمّن تمركز أفراد أمن إسرائيليين على الجانب المصري من الحدود للقيام بدوريات مشتركة مع مصر، قائلة إن ذلك ينتهك السيادة المصرية.
وقال مسؤولون مصريون إنّ مصر أبلغت إسرائيل بأنها تعزز الحواجز على جانبها من الحدود وتقوم بتركيب المزيد من أبراج المراقبة وكاميرات المراقبة، لكنها لن تشارك بيانات المراقبة مع إسرائيل.
ولم يعط القادة الإسرائيليون الضوء الأخضر النهائي لعملية على طول الحدود وسيعتمد توقيت أي عملية على المفاوضات مع الحكومة المصرية، التي تحاول التوسط في اتفاق جديد لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين الذين تحتجزهم حماس مقابل إطلاق سراحهم.
ورداً على أسئلة "وول ستريت جورنال" حول خطط عملية عسكرية في رفح، قال متحدث عسكري إسرائيلي إن الجيش "سيضرب حماس حيثما يتحتم ذلك"، لكنه امتنع عن التعليق أكثر على التخطيط العملياتي. وقال مسؤولون عسكريون إسرائيليون إنهم سيتجنّبون القيام بعملية تطهير واسعة النطاق في رفح مثل تلك التي نفذوها في شمال غزة.
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول، لعبت إسرائيل دوراً أكبر في فحص دخول الأشخاص والبضائع عبر معبر رفح، بما في ذلك الموافقة على محتويات شاحنات المساعدات التي تدخل غزة، لكن المسؤولين الإسرائيليين يقولون إنهم بحاجة إلى قدر أكبر من الرقابة. ويقولون إن مصر لم تقم بتضييق الخناق بما فيه الكفاية على قدرة الجماعة على نقل الأشخاص وبعض الأسلحة عبر الحدود.
معضلة حقيقية
وقال مسؤول عسكري إسرائيلي كبير لـ"وول ستريت جورنال": "لا تُريد إسرائيل أن تكون مسؤولة عن غزة على المدى الطويل، ولكن السؤال هو كيف نتأكّد من بقاء غزة منزوعة السلاح؟ إنها معضلة حقيقية. الطريقة الوحيدة للسيطرة على منطقة جغرافية ما هي التحكم بما يدخل إليها ويخرج منها".
وقال المسؤول: "في الوقت الحالي، على المدى القريب، في العقود القليلة المقبلة، تحتاج إسرائيل إلى السيطرة على الحدود بسبب المشاكل الأمنية".
ويقول محللون ومسؤولون إسرائيليون إنّ التخلص من السيطرة الفلسطينية على معبر رفح الحدودي جزء أساسي من رؤية إسرائيل لمستقبل غزة، والتي بموجبها سيحل كيان فلسطيني غير مسلح بسلطات محدودة محل حماس، وسيتولى مسؤولية الشؤون المدنية في القطاع.
وتدعو خطة عسكرية إسرائيلية إلى تشكيل سلطات محلية لزعماء العشائر والعائلات الفلسطينية، بحسب مسؤولين إسرائيليين. ويتصور بعض المسؤولين الإسرائيليين أن تنتقل قوة أمنية إقليمية أو دولية في نهاية المطاف إلى غزة، لكن لم تلتزم أي دولة بإرسال قوات إلى مثل هذه القوة.
ويدعو مقترح أميركي، يواجه معارضة في الحكومة الإسرائيلية، إلى سيطرة السلطة الفلسطينية على غزة، كما تدعو خطة مصرية إلى تشكيل حكومة فلسطينية جديدة تضم حماس، وهي النتيجة التي تقول إسرائيل أيضاً إنها لن تقبلها.
ويقول محللون أمنيون إن أي وجود عسكري إسرائيلي مستدام في غزة، بما في ذلك على طول حدود رفح، يهدّد بتكرار الانتفاضات الفلسطينية السابقة والتمرد المسلح.
وتعليقاً على الخطط الإسرائيلية في معبر رفح، قالت تهاني مصطفى، كبيرة المحللين الفلسطينيين في مجموعة الأزمات الدولية: "هل سيقبل سكان غزة ذلك؟ مع الأخذ بالاعتبار أن السكان الذين فقدوا كل شيء تقريباً ليس لديهم ما يخسرونه في هذه المرحلة".