أفضت الجهود الدبلوماسية القطرية إلى اتفاق هدنة إنسانية مؤقتة في غزة تتخللها صفقة تبادل للأسرى، بعد وساطة ماراثونية خاضتها الدوحة في غمرة الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ 47 يوماً على القطاع المحاصر.
ويُنظر للاتفاق كبادرة أمل في احتواء مؤقت للكارثة الإنسانية الحاصلة في القطاع المكتظ بالسكان، بما يسمح بدخول المساعدات الإنسانية اللازمة على مدار أيام الهدنة بدءاً من يوم الخميس، وذلك بالتزامن مع عمليات تبادل للأسرى على مراحل.
وكانت دولة قطر في محور الجهود الدولية الساعية للوصول إلى هدنة إنسانية تخفف من الأزمة غير المسبوقة في القطاع المحاصر، والمساعي الأميركية للإفراج عن الأسرى المدنيين.
واليوم الأربعاء، تلقى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني اتصالاً هاتفياً من الرئيس الأميركي جو بايدن، هو الثالث منذ بدء الحرب، أعرب خلاله عن شكره وتقديره لجهود الدوحة في الوساطة التي أسفرت عن اتفاق الهدنة الإنسانية. وأكد أمير قطر، بحسب بيان للديوان الأميري، استمرار مساعي بلاده لخفض التصعيد وحقن الدماء وحماية المدنيين في القطاع، مشيداً في ذات الوقت بـ"الدور المهم" لبايدن والإدارة الأميركية في التوصل إلى الاتفاق بين الأطراف.
ودخلت الدبلوماسية القطرية على خط الوساطة منذ الأيام الأولى للحرب، وتمكنت الدوحة في البداية من التوسط لإطلاق سراح محتجزتين أميركيتين لدى حركة حماس في 20 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وسبق ذلك، زيارة أجراها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى الدوحة في 13 أكتوبر/تشرين الأول، التقى خلالها مع أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وبحثا تطورات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية وتداعيات الوضع الإنساني هناك. وأعرب بلينكن في حينه عن تقديره لجهود الدوحة في "تأمين عودة الرهائن المحتجزين لدى حركة حماس".
وقبل إعلان الاحتلال الإسرائيلي عن بدء العملية البرية، كانت الجهود القطرية قريبة من عقد صفقة تبادل للأسرى تتخللها هدنة إنسانية، لكن بدء العملية عقد الصفقة، إلا أن متحدث الخارجية القطرية ماجد الأنصاري أكد في حينه استمرار جهود الوساطة لوقف إطلاق النار في غزة، والإفراج عن المحتجزين والأسرى من الطرفين.
وهو ما تم بالفعل بعد 47 يوماً من الحرب، وفي ظل ظروف معقدة وإصرار إسرائيلي على مواصلة حرب الإبادة، ووسط عمليات قتالية ضارية تجري بين المقاومة وجيش الاحتلال المتوغل على أطراف وفي محاور عدة من القطاع.
وفي خضم الجهود، تلقى أمير دولة قطر في 12 و17 من الشهر الجاري، اتصالين هاتفيين، من الرئيس بايدن استعرضا خلالهما "آخر تطورات الأوضاع في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، والعلاقات الاستراتيجية بين البلدين".
وأعرب الرئيس الأميركي عن شكره وتقديره لأمير قطر على جهود بلاده الدبلوماسية بشأن الأوضاع في غزة، "ودورها الفاعل والإيجابي لتعزيز السلام والاستقرار في الشرق الأوسط".
ولاحقاً، استقبل أمير قطر رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، وبحث معه المستجدات المتعلقة بالأوضاع في غزة. وشكر الأخير دولة قطر على جهود الوساطة بشأن الأسرى لدى حماس.
كما تلقى الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في السابع من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، اتصالاً من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بحثا خلاله "تطورات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة. بالإضافة إلى المستجدات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك"، وفقاً للديوان الأميري القطري.
تحركات على المستويين العربي والإسلامي
وتزامنت التحركات على خط الوساطة لإبرام اتفاق الهدنة مع جملة جهود دبلوماسية لدولة قطر على المستويين العربي والإسلامي لوقف الحرب على غزة، إذ شارك رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الاجتماع التنسيقي لوزراء خارجية دولة قطر، والأردن، والإمارات، والسعودية، ومصر، والسلطة الفلسطينية بالعاصمة الأردنية عمان في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، في سياق الجهود الهادفة للتوصل لوقف الحرب، تبعه اجتماع آخر لوزراء الخارجية مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن.
وجرى خلال الاجتماع، بحث جميع تداعيات وسبل "إنهاء التدهور الخطير الذي يهدد أمن المنطقة برمتها"، والتأكيد على الموقف العربي الداعي لوقف فوري لإطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية بشكل فوري وعاجل لقطاع غزة.
كما شاركت دولة قطر في أعمال الدورة غير العادية لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية العرب التي عقدت بالقاهرة في الحادي عشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي للتشاور والتنسيق حول سبل وقف التصعيد والعدوان على قطاع غزة.
هذا، وترأس رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري وفد دولة قطر في الاجتماع الطارئ لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الذي عقد في العاصمة العمانية مسقط، في 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي وذلك لمناقشة الأوضاع في الأراضي الفلسطينية.
وأجرى بن عبد الرحمن سلسلة اتصالات مع وزراء الخارجية في العديد من الدول العربية والإسلامية والصديقة، كما استقبل عدداً منهم في الدوحة، إلى جانب استقباله الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، وجوزيب بوريل الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي الذي أثنى على جهود دولة قطر إقليمياً ودولياً في هذه الأزمة.
وجرى خلال الاتصالات والاجتماعات، بحث سبل خفض التصعيد، وشدد بن عبد الرحمن خلالها على ضرورة تضافر الجهود من أجل التهدئة وخفض التصعيد، وتجنيب المدنيين تبعات المواجهات. وأكد على ضرورة تواصل دخول قوافل الإغاثة والمساعدات الإنسانية للفلسطينيين العالقين تحت القصف.
وطيلة أيام الحرب، واصلت دولة قطر الاتصالات والمشاورات والمساعي على أعلى المستويات مع مختلف المسؤولين في المنطقة والعالم من أجل التنسيق حيال التطورات الخطيرة في قطاع غزة، بما يؤدي إلى وقف إطلاق النار.
وأكدت الدوحة خلال تلك الجهود على موقفها الثابت حيال القضية الفلسطينية، مشددة على أن "الضمانة الوحيدة لتحقيق سلام مستدام تتمثل في الوصول إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية في إطار المبادرة العربية وبما يضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية".
(العربي الجديد، قنا)