- العدوان السياسي يهدف لمنع قيام دولة فلسطينية، إعادة تشكيل السلطة الفلسطينية، السيطرة على غزة، وتقويض حق العودة، رغم تحديات تمسك الفلسطينيين بحقوقهم والتضامن الدولي.
- الولايات المتحدة والاحتلال يواجهان ضغوطًا لتحقيق نصر سياسي في مواجهة فشل عسكري، تصاعد حملات المقاطعة، وزيادة الاهتمام الدولي بجرائم الاحتلال.
تسارع الدبلوماسية الأميركية والصهيونية الخطى إلى انتزاع انتصاراتٍ مدويةٍ سياسياً، في سياق عدوانٍ سياسيٍ متواصلٍ على شعب فلسطين وأرضها وحقوقها وقضيتها منذ احتلال فلسطين على يد الكيان الصهيوني راهناً، وعلى يد نظيره البريطاني سابقاً. يترافق العدوان السياسي الحالي مع عدوانٍ عسكريٍ إرهابيٍ وهمجيٍ، يطاول كلّ أرض فلسطين وشعبها، كما جرت العادة في معظم السنوات العديدة الماضية، لكنه يختلف في حيثيتين رئيسيتين، إذ تتكبد قوات الاحتلال اليوم هزائم استراتيجيةً كبرى ميدانياً، تتمظهر في توالي خسائر الاحتلال البشرية والمادية يومياً، كما في فشله الاستخباري في اختراق صفوف الفصائل المقاومة أمنياً، عبر اغتيال قادتها، ونصب الكمائن، واستعادة أسراه، خصوصاً في قطاع غزّة. كما تتصاعد موجات الغضب من سياسات الاحتلال وممارساته دولياً، على المستوى الشعبي تحديداً، وبدرجة أقلّ على المستوى الرسمي، بل نستطيع القول بدأ الغضب الشعبي العالمي في فرض أجندته السياسية على المستوى الرسمي رويداً رويداً.
يعود تسارع العدوان السياسي الأميركي والصهيوني على شعب فلسطين وأرضها إلى أسبابٍ عديدةٍ، أهمّها تدني احتمال نجاح الاحتلال في إنجاز أيّ نجاحٍ عسكريٍ ميدانيٍ قريبٍ، الأمر الذي قد يؤدي إلى تداعياتٍ سياسيةٍ كارثيةٍ، فضلاً عن تراجع مكانة الاحتلال دوليًا، لا سيّما على الصعيد الشعبي، واحتمال تصاعد حملات المقاطعة الشعبية منها والرسمية (الأخيرة تتسارع نتيجةّ للأولى)، إلى جانب احتمالية تعدد المحاكم الدولية والوطنية المعنية بمتابعة قضايا ترتبط بالاحتلال وجرائمه وداعميه، حكوماتٍ وشركاتٍ ومؤسساتٍ.
تراهن الولايات المتّحدة؛ ومن خلفها الاحتلال، على نجاح العدوان السياسي اليوم، رغم الإخفاقات العسكرية ميدانيًا، استنادًا إلى تواطؤ النظام الإقليمي، وإلى فداحة جرائم الاحتلال في حقّ المدنيين الفلسطينيين
يستند العدوان الأميركي والصهيوني السياسي إلى أربع ركائز رئيسية، أولها؛ منع قيام دولةٍ فلسطينية كاملةٍ أو منقوصةٍ، حتّى لو ترافق ذلك مع اعترافٍ رسميٍ بدولةٍ فلسطينيةٍ على كيانٍ رخوٍ تحت سلطة الاحتلال وسيطرته المطلقة. ثانيها؛ إعادة تشكيل السلطة الفلسطينية، بما يتلاءم مع احتياجات الاحتلال الأمنية والسياسية، من هنا أعيد طرح فكرة حكومة التكنوقراط، المقصود منها حكومةٌ من دون أجندةٍ وطنيةٍ فلسطينيةٍ، لا تطالب بالحقوق الفلسطينية الجمعية والفردية، وتمتنعُ عن ملاحقة الاحتلال وقادته أمام المحاكم الدولية المختصة، كما تلتزم بحماية أمن الاحتلال، وملاحقة جيوب المقاومة الفردية منها والجماعية، فضلاً عن تخليها عن الأسرى والشهداء وعائلاتهم، إلى جانب تخليها عن الرواية الفلسطينية كاملةً. ثالثها؛ سيطرةٌ أمنيةٌ وعملياتيةٌ على قطاع غزّة، من خلال إدارةٍ سياسيةٍ محليةٍ مدنيةٍ أو أمنيةٍ ترتبط بالاحتلال ارتباطًا عضويًا، بطريقةٍ تشبه الطريقة المعمول بها في الضفّة الغربية، أيّ منزوعةٍ من أدوات المجابهة والمقاومة، العنيفة منها والسلمية. رابعها؛ تقويض وكالة "أونروا" جنبًا إلى جنب إلغاء حقّ العودة، عبر مساراتٍ متعددةٍ، منها تجفيف مصادر تمويل الوكالة، ما قد يؤدي إلى إغلاقها تمامًا، أو حصر دورها في مناطق جغرافيةٍ محددةٍ، من خلال التمويل الموجه؛ كما عملت الولايات المتّحدة منذ توقيع اتّفاق أوسلو، أو من خلال إعادة تشكيل أونروا بما يتلاءم مع توجهات الاحتلال وأهدافه، في ما يتعلق بتعريفها للاجئ الفلسطيني، ودورها، وهيكلها الإداري والتنظيمي والوظيفي، وهو ما يساهم في تمهيد الطريق أمام إلغاء حقّ العودة، عبر إعادة تعريف اللاجئ الفلسطيني، وتسهيل حملات إعادة التوطين على اعتبارها الحلّ الوحيد المتاح أمام اللاجئين الفلسطينيين.
تراهن الولايات المتّحدة؛ ومن خلفها الاحتلال، على نجاح العدوان السياسي اليوم، رغم الإخفاقات العسكرية ميدانيًا، استنادًا إلى تواطؤ النظام الإقليمي، وإلى فداحة جرائم الاحتلال في حقّ المدنيين الفلسطينيين، حرب الإبادة الجماعية، والتجويع، والحصار، والتنكيل، والاعتقال، والتهجير القسري، وسواها من الجرائم. لكنها تواجه تحدياتٍ كبرى قد تفشل كلّ مخططاتها، أوّلها؛ تمسك الشعب الفلسطيني بكلّ حقوقه رغم فداحة الجرائم الصهيونية وكثافتها. وثانيها؛ صلابة المقاومة واستعدادها لمعركةٍ طويلةٍ وشاقةٍ، تواجه فيها قوات الاحتلال رفقة قوات حلفائه الدوليين. وثالثها؛ تصاعد التضامن الشعبي دولياً، ليس مع قضية فلسطين وشعبها فقط، بل ومع مقاومة الاحتلال، والاشتباك معه بكلّ السبل الممكنة أيضاً. رابعها؛ فجاجة قادة الاحتلال وعنجهيتهم ووضوح جرائمهم. من ذلك كلّه؛ تخشى الولايات المتّحدة عامل الوقت، الأمر الذي يدفعها إلى مسارعة الخطى إلى انتزاع نصرٍ سياسيٍ ما، حتّى لو جزيئًا، فهي والاحتلال يعيان جيدًا أن الوقت في هذه المرحلة ليس في مصلحتهما، بل في مصلحة شعب فلسطين الأصلي الذي بات اليوم أقرب من أيّ وقتٍ مضى إلى استعادة حقوقه المستلبة، رغم جرائم الاحتلال المهولة، ورغم فداحة التضحيات وثمنها الباهظ بشريًا وماديًا.