للمرة الثامنة خلال العام الحالي، قصفت طائرات يُرجح أنها إسرائيلية ليل الأربعاء الخميس، مواقع عسكرية في محيط العاصمة السورية دمشق، تابعة لقوات النظام والحرس الثوري الإيراني، من بينها مركز بحوث علمية من المرجح أنه يستخدم لتطوير أسلحة محرمة. وذكرت مصادر محلية لـ "العربي الجديد"، أنّ القصف الإسرائيلي، استهدف مواقع عسكرية غربي العاصمة دمشق وجنوبها، حيث تركز على الجهة الغربية من دمشق في محيط ضاحية قدسيا، ومحيط منتجع صحارى على طريق بلدة الديماس، وسط دوي انفجارات هائلة ناتجة عن إطلاق قوات النظام السوري لنيران المضادات الأرضية. كما طاول القصف مركز البحوث العلمية في منطقة جمرايا، والقاعدة العسكرية في محيط الفرقة الأولى في منطقة الكسوة جنوب دمشق، والتي تتعرض للقصف الجوي الإسرائيلي بشكل دائم، حيث يُعتقد أن مقرات وأبنية هذه الفرقة تُستخدم من قبل الحرس الثوري الإيراني.
من جهته، ذكر "المرصد السوري لحقوق الإنسان" أن "ثلاثة مقاتلين من مجموعات موالية لإيران وداعمة للنظام قضوا في القصف الإسرائيلي"، فيما ذكرت وكالة أنباء النظام "سانا" نقلاً عن مصدر عسكري، قوله إنّ "القصف الإسرائيلي أسفر عن إصابة أربعة جنود بجروح ووقوع خسائر مادية".
مركز جمرايا يعتبر من أكثر المؤسسات السرية لدى النظام
ولطالما استهدف الطيران الإسرائيلي خلال سنوات الثورة السورية مركز البحوث العلمية التابع لوزارة الدفاع في حكومة النظام في منطقة جمرايا، والذي يعدّ من أبرز المراكز التي يُعتقد أن النظام السوري يعتمد عليها في تطوير أسلحة. واستهدف الطيران الإسرائيلي مركز جمرايا أكثر من مرة في عام 2013، ثم استهدفه في عام 2017. ويقع المركز خلف جبل قاسيون الشهير الذي يحد العاصمة دمشق من الناحية الشمالية، وتتموضع بالقرب منه العديد من القطع العسكرية، منها قيادة الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام بشار الأسد، والتي تعدّ الأكثر قسوة في التعامل مع السوريين.
وفي إبريل/نيسان عام 2017، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على عاملين في المركز، موضحةً في بيان أن "إدارة مراقبة الأصول الأجنبية أدرجت على قائمة العقوبات، 271 موظفاً يعملون في معهد البحوث في جمرايا، التابع للحكومة السورية، المسؤول عن تحضير أسلحة دمار شامل ووسائل إيصالها". وأوضحت الوزارة أن "هؤلاء الموظفين في معهد البحوث، شاركوا في برنامج وضع الأسلحة الكيميائية منذ عام 2012 على الأقل". بدوره، قال وزير الخزانة الأميركي حينها، ستيفن منوتشين، تعليقاً على هذه الخطوة: "إنّ رسالتنا تتمثل في أننا لن نقبل استخدام الأسلحة الكيميائية أياً كان الجانب الذي يقوم بذلك".
وبدأ النظام السوري بإنشاء مراكز بحوث علمية مع استلام حافظ الأسد للسلطة في عام 1970، إذ يُعتقد أن هذه المراكز طورت الكثير من الأسلحة الكيميائية المحرمة دولياً على مدى عقود، بمساعدة من خبراء أجانب. وبعد اندلاع الثورة السورية في ربيع عام 2011، تولّت هذه المراكز إنتاج البراميل المتفجرة رخيصة الثمن التي استخدمها النظام على نطاق واسع لقتل أكبر عدد ممكن من المدنيين في المناطق التي خرجت عن سيطرته. كما أُنتجت في هذه المراكز غازات سامة استخدمها النظام على نطاق واسع في عمليات قصف مناطق سورية، لعل أبرزها القصف الذي طاول الغوطة الشرقية للعاصمة دمشق منتصف عام 2013، والذي أدى إلى مقتل وإصابة الآلاف من المدنيين.
وبات من المعروف أنّ لدى النظام السوري العديد من مراكز الأبحاث المعلنة التي تتعرض لقصف من الطيران الإسرائيلي بشكل دائم في دمشق ومحيطها. ويأتي مركز جمرايا على رأس هذه المراكز، إضافة إلى مركزين اثنين عليهما حراسة أمنية مشددة في حي برزة الدمشقي، وقد تعرضا للقصف مرات عدة في السنوات الأخيرة.
في السياق، أوضح رئيس تحرير موقع "إيران إنسايدر"، أيمن محمد، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ مركز البحوث العلمية في جمرايا "يعتبر من أكثر المؤسسات السرية لدى النظام"، مبيّناً أنّ الأخير "يطوّر داخل هذا المركز الأسلحة الكيميائية وخصوصاً غاز الكلور، بإشراف إيراني، بعد افتتاح قسم لهذا الغرض داخل المركز منذ سنوات". وعن أسباب الاستهداف الإسرائيلي المتكرر له، لفت محمد إلى أن هذا الأمر "يعود إلى احتمال إعادة النظام السوري بناء ترسانته الكيميائية في مركز جمرايا، إضافة إلى الترسانة الصاروخية"، مضيفاً: "غالباً لا يتأثر المركز بالضربات الإسرائيلية بسبب تحصينه الشديد، إلا إذا تم استهداف شحنات إيرانية ومواد لوجستية قد تصل إلى المركز عن طريق مطار دمشق الدولي". وتابع: "يُعتقد أنّ النظام يستخدم أنظمة الدفاع الجوي من داخل المركز أثناء التصدي للغارات الإسرائيلية التي تستهدف مواقعه في محيط دمشق، ولذلك يختلط الأمر على البعض عند حدوث قصف إسرائيلي بين تعرض مركز جمرايا للقصف، وبين محاولة النظام التصدي للصواريخ الإسرائيلية من خلال المنصات المنصوبة تحت الأرض".
مراكز البحوث لدى النظام قادرة على إنتاج السلاح الكيميائي
وأوضح محمد وهو خبير في الشأن الإيراني في سورية، أنّ "لدى النظام مركز أبحاث لا يقل أهمية عن مركز جمرايا، يتموضع في منطقة مصياف في ريف حماة الغربي"، مشيراً إلى أنّ "هذا المركز الذي يتعرض بشكل متكرر لقصف من قبل الطيران الإسرائيلي، تشرف عليه إيران بشكل كامل".
وللنظام السوري مركز أبحاث ودراسات علمية هو الأكبر لجهة المساحة في منطقة السفيرة الواقعة إلى الجنوب الشرقي من مدينة حلب بنحو 10 كيلو مترات، يطلق عليه تسمية المعهد أربعة آلاف. وتعرض هذا المركز الذي يُعتقد أنه يضم العديد من الخبراء الأجانب، للقصف أكثر من مرة. وكانت نشرت مواقع إخبارية سورية معارضة في العام الماضي، صوراً قالت إنها من داخل هذا المركز، تؤكد السيطرة الإيرانية المطلقة عليه.
من جانبه، أكد القيادي في فصائل المعارضة السورية، النقيب عبد السلام عبد الرزاق، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "مراكز البحوث لدى النظام قادرة على إنتاج السلاح الكيميائي، وكل المنظمات الدولية تعلم ذلك". وأشار إلى أنّ "هذه المراكز ترمم بشكل دوري"، مضيفاً أنها "أصبحت في الغالب تحت سيطرة مليشيات إيران وحزب الله". واعتبر أنّ استهداف إسرائيل لها "يأتي في نطاق الضربة الاستباقية قبل أن تستطيع مليشيات إيران وخصوصاً حزب الله الاستفادة منها".